لا توظيف في الدولة والبطالة تتفشى.. ما هي البدائل؟

وقف التوظيف لا يعني بالضرورة المس برواتب وأجور ومستحقات موظفي القطاع العام (ريشار سمور)
وقف التوظيف لا يعني بالضرورة المس برواتب وأجور ومستحقات موظفي القطاع العام (ريشار سمور)


لا جدال في أن وقف التوظيف في القطاع العام بات ضرورياً، كخطوة أساسية من خطوات وقف استنزاف القطاع العام وخزينة الدولة، حتى وإن لم يكن وقف التوظيف شرطاً إصلاحياً من شروط مؤتمر سيدر، التي على الحكومة اللبنانية الالتزام بها للحصول على الأموال.

ووقف التوظيف لا يعني بالضرورة استتباعه بعملية المّس برواتب وأجور ومستحقات موظفي القطاع العام، على اعتبار أن عدداً كبيراً منهم دخل إلى ملاك الدولة أو تعاقد معها، عبر التنفيعات السياسية. فذلك ذنب الطبقة السياسية وليس الموظفين. وعلى تلك الطبقة تحمّل مسؤولية فائض الموظفين، وليس العكس.

الترفيعات ضرورية

ترزح مؤسسات الدولة تحت ثقل فائض الموظفين، وفي الوقت عينه، تعاني من شغور يصل في بعض المؤسسات إلى 50 في المئة. وذلك يعكس حجم الخلل في هيكلية الإدارة العامة، بالتوازي مع حجم الهدر الحاصل في المالية العامة. ويُضاف إلى هذا الخلل، توظيف نحو 5000 شخص خلال العام 2018، باعتراف وزير المال علي حسن خليل. وعليه، تقوم القوى السياسية بالتوظيف العشوائي، وتطالب هي نفسها بوقف التوظيف، مع استمرار الشغور في مناصب وإدارات، لأسباب سياسية وطائفية.

ملء الشغور في الإدارات العامة قد يكون محطة أولى، لتخفيف وطأة الضغط على الإدارات. وتلك العملية لا تتطلّب توظيف أشخاص جدد، بل إطلاق عملية الترفيعات الروتينية، بدل تقييدها والاستعاضة عنها بانتداب موظفين غير أصيلين إلى مراكز جديدة بالوكالة. لكن التدقيق أكثر في هذه العملية، وربطها بالسجالات السياسية بين قوى السلطة، ومحاولة البعض بناء إمبراطوريات خاصة على حساب الانتظام العام لمؤسسات الدولة، يُقدّم التفسير الواضح لاعتماد التعيين بالوكالة بدل ملء الشواغر بالأصالة. فالإجراء الأخير يعني تقليص سلطة الوزير (في كل الوزارات) على سير العمل الإداري، خصوصاً بالنسبة إلى التدخّل في وضع دفاتر الشروط وإجراء المناقصات ومراقبة تنفيذ المشاريع، في حين يعني الإجراء الأول (التعيين بالوكالة) بسط يد الوزير عبر الموظفين المعيّنين بقرار منه. فأي مخالفة للقرارات، تعني تهديد منصب الموظّف. وهنا يُفضّل الموظّف المواءمة بين مصلحته ومصلحة الوزير، وفي الحالتين، على حساب الانتظام العام.

والغريب ان نقاش موازنة العام 2019، وما يرافقه من سجال حول التوظيفات والهدر، لم يقترب من مسألة الشواغر. علماً أن الوفد اللبناني إلى مؤتمر سيدر "قدّم دراسة كاملة لحاجات الدولة، تتضمّن معلومات حول الموظفين الحاليين وكفاءاتهم وما إلى ذلك، بهدف تقديم تصوّر حول إعادة توزيعهم بشكل يتناسب مع المعايير الدولية"، وفق ما يقوله لـ"المدن" الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، الذي يشير إلى أن "مؤسسات الدولة ستبقى بحاجة إلى توظيف بعض الأشخاص الجدد في إختصاصات تقنية".

ويمكن القول بأن نجاح عملية ملء الشواغر ووقف التوظيف، تقترن بضرورة إعادة النظر بهيكلية القطاع العام، كشرط أساسي لمعالجة وضع المالية العامة في السنوات المقبلة.

وظائف القطاع الخاص

إنسداد أفق التوظيف في القطاع العام، سيعني حكماً توجّه الأنظار نحو القطاع الخاص. لكن حجم هذا القطاع ومستوى استثماراته ونوعيتها، غير قابل لتعويض الفارق، واستقبال كافة طلبات العمل، أو حتى الجزء الأكبر منها. فضلاً عن أن القطاع الخاص لا يقدّم الأمان الوظيفي ولا التقديمات الاجتماعية التي يمنحها القطاع العام. وبالتالي، لن يكون الوجهة المثالية لطالبي العمل.

ومع إقفال باب التوظيف الرسمي، والحاجة إلى بديل سريع، يواجه القطاع الخاص ضعف الاستثمارات في لبنان، بسبب "غياب البيئة الملائمة، وذلك بفعل الواقع السياسي والقوانين المتردية والمخاطر الأمنية المحتملة، نتيجة التوتر الأمني الإقليمي.. والكثير من الأمور الطاردة للإستثمارات"، حسب عجاقة.

مع ذلك، "الحل ليس صعباً إن وُجدت النية السياسية للحل. فما زالت القوى السياسية تتقاتل بالسياسة في حين أن الأزمة اقتصادية، والكل يوافق على أنها اقتصادية". وعموماً، يتخوّف عجاقة من تفاقم الأزمة مع بقاء طريقة المعالجة على ما هي عليه. إذ من الممكن إيصال لبنان إلى "حالة تدهور مالي، تنخفض معه التصنيفات الائتمانية وترتفع الفوائد ويتراجع الوضع الاقتصادي ليدخل في حالة ركود".

دعم الصناعات الوطنية

صعوبة الوضع لا تؤدي حكماً إلى إستحالة الحل، فلبنان لم يبلغ مرحلة الانهيار الإقتصادي أو المالي. والحديث عن هذه النتيجة اليوم، هو محض جهل بالعمليات المالية والاقتصادية. كما أن البلاد ليست شركة تُقفل أبوابها فجأة، ويرحل أصحابها بعد إعلان إفلاسهم.

لكن ما وصل إليه القطاع العام من تضخّم في وظائفه وهدر في أمواله، وإصرار من الطبقة السياسية على عدم توجيه "ماكينة" الإصلاح نحو الأملاك العامة والمصارف والتهرّب الضريبي والفساد في الجمارك.. وغير ذلك من مكامن أسباب الأزمة الحقيقية، يمكن للحكومة إجراء إصلاحات سهلة ذات نتائج إيجابية سريعة، أهمّها، حسب الخبير الاقتصادي غازي وزني "استبدال النمط الاقتصادي القائم حالياً، والذي لا يساعد في خلق فرص عمل، بنمط اقتصادي يقوم على خلق قطاعات إنتاجية جديدة ودعم القطاعات الحالية".

ويرى وزني، في حديث لـ"المدن"، أن الاستبدال يكون بخطوات متتابعة وليس فجائياً. فليس سهلاً الانتقال من اقتصاد خدماتي ريعي إلى اقتصاد إنتاجي. وفي معرض الانتقال التدريجي، على الدولة "التركيز على قطاع اقتصاد المعرفة، ووضع رسوم على الاستيراد، وتشريع زراعة الحشيشة لأغراض طبية. فضلاً عن الاهتمام بقطاع الصناعات الدوائية".

تعليقات: