جوخة الروائية اللطيفة، تستحق
نالت الروائية العُمانية جوخة الحارثي جائزة «مان بوكر» الدولية عن روايتها «سيدات القمر» التي ترجمت الى الانكليزية بعنوان Celestial Bodies (أجرام سماوية). ولعلنا، بدورنا، نشارك الكاتبة فرحتها وابتسامتها، ونعيد قراءة نصها من جديد.
هذه المرة، بدا الفوز بـ"بوكر" (الأجنبية) هادئاً وفي أجل حُلله، بلا شوشرة "منابر" العرب، وبلا ذاك "الجوع المزمن للجوائز"، وبلا كيديات منصوبة هناك وهناك، وبلا صراعات ومناكفات بين دور النشر، بحثاً عن قرّاء الموضة وسوق للكتاب، بلا تسريبات مفتعلة وسكوبات صحافية "انتقامية"، ثم تبريرات واعتذارات، بلا فلسفات كتابية وكلامية ولغوية وتنظيرات، بلا إحساس بالدونية، بلا استعداد للفوز وتحضيرات، بلا شمبانيا فندقية، بلا شوفينيات مسمومة ووطنيات باهتة وزواريب ثقافية وعبارات من قبيل: أين الرواية المغربية؟ والرواية المصرية؟ والرواية السورية؟ ولماذا الرواية اللبنانية؟ ولماذا الرواية السعودية؟ ولماذا فلان؟ ولماذا عن المثليّة أو عن الأقليات أو عن النسويات؟ في "بوكر" الدولية، لم نسمع كلاماً عن هوية لجنة التحكيم، كما في "بوكر العربية" التي مع كل موسم وكل لجنة تحكيم، هناك موجة جديدة من الضجيج والإرباكات والشتائم والاتهامات والتخمينات والمحاكمات الاعلامية...
كان فوز جوخة الحارثي، هادئاً بامتياز، مثل جوخة نفسها. سمعنا قبل أيام عن موعد نتائج "مان بوكر" الدولية، وبين المرشحين خوجة الحارثي. كان الخبر عادياً وعابراً. قلنا أكثر من مرة، إن العرب في هذه الجائزة (أو غيرها) ليسوا أكثر من "زينة" أو مجرد ديكور، في تخميننا شيئاً من "عقلية المؤامرة"، شيئاً من كلام اعتدناه في الصحف والمقاهي، ربما لهذا السبب كانت مواكبة الحدث ضئيلة. فطوال مساء أمس، أو وقت إعلان الجائزة، لم نقرأ كلمة عن الجائزة في مواقع التواصل الاجتماعي. وفي منتصف الليل، كان "انفجار" الفرحة، أحد الفسابكة نشر صورة نقلاً التلفزيون العُماني، قائلاً: "فعلتها خوجة وفازت بالبوكر". كان الجميع تقريباً خارج المواكبة، خارج الانتظار، ربما يتابعون مسلسلات رمضانية، باستثناء الصحف البريطانية التي نشرت النتائج، مرفقة بصُور ورأي لجنة التحكيم. كان الحدث هادئاً، على عكس "بوكر الرواية العربية" التي بدت أشبه "بحرب أهلية"، هذا ما شهدناه على الأقل في مواقع التواصل الاجتماعي...
فوز جوخة في الشكل والتوقيت كان مدهشاً، ربما لأن الغالبية لم تنتظره، وحصل. بعضهم قال إن رواياتها كُرّمت بعدما صدرت بالعربية قبل عشر سنوات، ولم تحظ بالاهتمام اللازم. وبعضهم كتب أن أياً من روايتها لم تترشح إلى "بوكر العربية"، وهي أخذت مسارها ووصلت الى "بوكر" الدولية، وفازت بلا جميل الجائزة العربية المربكة.
فعلتها جوخة واستحقت الجائزة، مع التذكير بأن الموسم الفائت من "مان بوكر" الدولية، أصيب بلوثة الشوشرة العربية. أحد المثقفين النافذين، تصرف اعلامياً وكأن الروائي العراقي أحمد سعداوي سيكون الفائز، وكتب في منبره واثقاً من الفوز، منتقداً ترشيح بعض الروائيين العرب للجائزة في مواسم سابقة!
في مجمل الأحوال، ثمة فرحة "ثقافية" رافقت إعلان فوز جوخة الحارثي (بالطبع لا نعرف أحقاد البعض في الكواليس). كتبت الصحف: "أول عربية تفوز بالبوكر"، وهذا أمر إيجابي، وكثيرون عادوا إلى الكليشيات الوطنية وشعارات "مبروك للأدب العُماني"، وما الى ذلك. لم يتعلم بعضهم ان الرواية حطمت هذه الجدران، يتعاطون وكأن الأدب عصبيات ومحليات مثل كرة القدم، مع التذكير وللأسف، أنه رغم عالمية الرواية وكسرها الجدران المحلية، أخبرنا صاحب احدى المكتبات أنه في السنوات القليلة الماضية، ثمة عودة الى "القراءة المحلية". ابن مصر يقرأ ابن مصر، وابن السعودية يقرأ ابن السعودية، وربما يلتقون على قراءة الروايات الأجنبية. هذا بالطبع يرتبط بمزاجية القراءة وموجاتها وموضتها.
جوخة الحارثي، الروائية اللطيفة، تستحق.
تعليقات: