الكوفة التي قتلتك..‎

في تلك الليلة بقيت وحدك،  مضرجاً بدماء أبيك وأخويك، حولك النجمات منتحبات
في تلك الليلة بقيت وحدك، مضرجاً بدماء أبيك وأخويك، حولك النجمات منتحبات


.. أقلب صفحات التاريخ الموشاة بالدّم فأراها أشد وضوحاً وصفاء وصدقا ..

لا يعفو التاريخ أثر الدماء ولا تبدد الأيام أو السنون ذكرى الذين طبعوا بصمة حضورهم الأبدي بالأحمر النابض بالحياة، الهازئ بالموت، المتمرد على النسيان..

تلك الليلة المشؤومة، توارى القمر وأشاح بوجهه وأدار ظهره ورمى العيد من يديه وآثر الاحتجاب وراء الغيوم كي لا يكون شاهد زور على جريمة العصر المزيف..

تلك الليلة هبت رياح الحقيقة في مسرح الجريمة لتسقط الأقنعة عن وجوه المنافقين، ليتمخض زمن السوء عن ألف أشعث وقطام !..

في تلك الليلة رفعت المصاحف من جديد وتجرأ النجس البشري أن يلطخ كتاباً لا يمسه إلا المطهرون !..

في تلك الليلة لبست الكوفة أحلى حللها وتهيأت كعادتها لبغائها الليلي، وعلت أغاريد بغاياها مهللة لطلقة الشقي..

في تلك الليلة غاص الجبناء في جحورهم، واختبأ أشباه الرجال في خدور ربات الحجال..

في تلك الليلة بقيت وحدك، مضرجاً بدماء أبيك وأخويك، حولك النجمات منتحبات، وأيتام كانوا يألفون إحسانك، وفوق رأسك كان علي و الحسن (ع)، جاءاك من الكوفة إلى الكوفة !..

يا أخي ..

قبل سنين انتزعتُ شاهد قبرك المزور وقد خطته يد آثمة، لأصحح حروفه كما يليق بالكبار والشهداء، ولأحفر اسمك بالأحمر القاني ليبقى الدم بياناً وقرارا..

على شاهد القبر أقف ليكون الموقف شاهداً وشهادة للتاريخ ..

يا أخي ..

لقد كان لنا شرف المواجهة مع قلة الناصر وكثرة الأعداء ..

لم نساوم ولم نصالح ولم نهادن وكنا وما زلنا وسنبقى كموج البحر لن نهدأ ولن نقنع بعدالة هزلية تساوي بين الضحية والجلاد ..

تآمر الكثيرون علينا، عسس السلطان، أهل النهروان، حفاظ القرآن في كتاتيب ابن سعد، أهل الحقد القديم، حملة لواء كرهاً منا لجدك وأبيك ..

وقفنا وصمدنا وقلنا نحن قوم لا نقتات بدماء شبابنا، وحين رفعنا لاءاتنا عنان السماء تفرق عنا بعض المرتزقة وأهل الفرجة ممن خاب ظنهم بالعطايا إذ ليس لدينا بيت للمال..

يا أخي ..

شكراً لدمك الذي زادني قناعة أن هذا المستنقع الذي يعج بالذل والهوان والنفاق والرياء والفجور هو كوفة جديدة وقحة تقتل وتبكي قتلاها ..

شكراً لدمك الذي علمني أن أقرأ التاريخ واستكشف الحاضر واستشرف المستقبل لأدرك أن أقدارنا البائسة قضت أنّا جبلنا في بقعة معتمة لم تر النور يوماً ويقيني أنها لن تراه..

شكراً لدمك الذي رسم لي مسار العروج إلى حيث لا يتنفس الناس الضغائن ولا يمضغون لحوم الأحياء والأموات، ولا تغزل نسوتهم عقد الفتنة ..

شكراً لدمك الذي أنقذني من الكوفة كي لا أكون ضحية صعلوك من صعاليكها ولكي لا تحمل جثتي على أكتاف الثعالب والذئاب ..

* بقلم : الشيخ محمد أسعد قانصو..

تعليقات: