اللبنانيون بين محنة المعارضة والموالاة

حسين أحمد عبدالله
حسين أحمد عبدالله


العماد ميشال سليمان قائد الجيش اللبناني، هو الرئيس الثاني عشر المفترض للبنان، وقائد الجيش الثاني الذي يتبوأ سدة الرئاسة، لكنه الاول في تاريخ لبنان الذي يتم التوافق عليه لكن مع وقف التنفيذ.

فلا انتخب رئيسا في مجلس النواب لكي يملأ بالتالي الفراغ في كرسي الرئاسة، ولا الذين توافقوا عليه يتقدمون خطوة باتجاه انتخابه، وعليه يبقى لبنان في الدائرة المفرغة يدور ويدور في ازمة سياسية طاحنة لا تتطيح بكرسي الرئاسة فقط وانما بلبنان كدولة ومؤسسات.

والعماد ميشال سليمان ليس من طلاب الكراسي و"لا حار ولا مار" لكي يطرح اسمه في بورصة المرشحين للرئاسة اللبنانية، وإنما اتت الرئاسة اليه بعدما توافقت المعارضة والموالاة على شخصه كمنقذ للبنان من محنته الحالية في لحظة مشابهة لما جرى أواخر خمسينيات القرن الماضي عندما وجد اللبنانيون ان قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب بمقدوره فتح سبل انتشال لبنان من الانقسام والاقتتال الذي كان يتخبط به انذاك. لكن المشهد الحالي ينقصه الجرأة والصدق مع الذات فاذا كانت المعارضة والموالاة فعلا تريدان سليمان رئيسا فان جهة منهما عليها ان تبادر الى كسر الحاجز الذي يمنعه من الوصول الى قصر بعبدا بحيث لم يعد لهذا البلد الصغير المثخن بالمشاكل على انواعها تحمل تبعات المناورات والمخاطرة بوحدته الوطنية.

فالمعارضة التي قالت ان ميشال سليمان هو احد مرشحيها تحاول الآن وعبر اقطاب فيها سحب هذا الترشيح كما انها لاترى انتخاب الرئيس هو المشكلة وانما إعادة بناء النظام السياسي اللبناني بكامله عبر طرح سلة مطالب تبدأ تزامنا بانتخاب الرئيس وصولا الى اقرار قانون انتخابي جديد. فهذه المطالب او السلة تعني من وجهة نظر المعارضة الشراكة في القرار على مختلف المستويات، لكن هي في حقيقة الامر السيطرة عليه او ابقائه تحت رحمتها بحيث انها على يقين ان مركز القرار هو الحكومة أي السلطة التنفيذية والتي تطالب المعارضة بالثلث المعطل فيها او ما تسميه الثلث الضامن.

فالحكومة اللبنانية لايمكن لها ان تتخذ قرارات هامة الا باغلبية الثلثين عندما تحصل المعارضة على الثلث زائد واحدا فانها تكون قد شلت حركة الاكثرية النيابية المسيطرة على الحكومة، ولا تستطيع الاكثرية التقرير في الحكومة الا بعد موافقة المعارضة على اي قرار هام. اما فيما يتعلق بالسلطة التشريعية، أي المجلس النيابي، فان مفتاحه بيد رئيسه نبيه برّي الذي يعتبر قطبا رئيسا من اقطاب المعارضة وبامكانه اقفال المجلس في وجه الحكومة والاكثرية النيابية كما هو حاصل اليوم متى شاء.

ويبقى قانون الانتخابات النيابية الذي يعتبر الان احتل المرتبة الاولى الان في اجندة الخلاف بين المعارضة والموالاة لانه يرسم خريطة النظام ويحدد موازين القوى والاحجام على الارض وفي المؤسسات التشريعية والتنفيذية. وتطرح المعارضة العودة الى قانون عام 1960 الذي يقول بالقضاء دائرة انتخابية واحدة وهذا من شانه ان يعيد اصطفاف القوى السياسية والتمثيل النيابي بعدما تحل اللوائح الصغيرة مكان اللوائح الكبيرة او المحادل كما تسمى في لبنان، وكذلك يضعف اعتماد المرشحين على القوى السياسية الكبيرة طالما ان العامل العائلي والطائفي يقوى. وعلى الرغم من ان المعارضة تقول انها تخسر بعض مقاعدها في هذا القانون الا انها تؤيده وتدعمه في اطار ارضاء المسيحيين الذين يشكون من غبن في اختيار ممثليهم. لكن لاشيئ يؤكد ان هذا هو القرار النهائي للمعارضة وقد يكون طرح قانون 1960 بالون اختبار في اطار البالونات التي تطرح في لبنان.

ولايتوقف مطلب المعارضة عند حدود المجلس النيابي والحكومة والقانون الانتخابي فانما يصل الى التوافق على شخصية قائد الجيش مسبقا وقادة الاجهزة الامنية وهي مطالب تعجيزية تنسف منطق الدستور والقوانين. من جهتها الموالاة التي عادت ورشحت العماد سليمان بعد اعتراض عليه ترى ان لب المشكلة في الفراغ في كرسي الرئاسة وان الانتخاب اولا و بعد ذلك حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب وغيرها، فهي ليست ضد مشاركة المعارضة وانما ضد الاتفاق على السلة والمطلوب اتباع سياسة الخطوة خطوة.

والمشكلة ان الثقة بين الطرفين مفقودة ولذلك تتهيب المعارضة الموافقة على طرح الموالاة حتى لاتخدع وتلدغ من جحر لدغت منه سابقا بعد قيام التحالف الرباعي بين حزب الله وتيار المستقبل وحركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي في انتخابات 2005 ويقول حزب الله ان الحزب التقدمي وتيار المستقبل غدرا به وبحركة امل من خلال الانقلاب على التوافق السياسي على المقاومة وسلاحها. والموالاة محقة في طرحها فكيف لها ان تسلم راسها بهذه السهولة وتتنازل عن كل شيء للمعارضة فهي اكثرية نيابية، ووفق النظام البرلماني اللبناني فان الاكثرية لها الحق في الحصول على اكثرية وزارية. كما ان تشكيل الحكومة وتسمية رئيسها قبل الاستشارات النيابية الملزمة هو ضرب للدستور وتجاوز لاتفاق الطائف الذي نص على ضرورة اجراء استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس الحكومة. في حين ان تسمية قائد الجيش قبل انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة يعد سابقة في تاريخ لبنان.

لكن ايضا لايمكن للموالاة القول هنا نصغ الدنيا وكفى. فهي مطالبة، كما المعارضة مطالبة ايضا، بالتوصل لحلول وسط لاتفني الغنم. فلايجوز للطرفين التمترس خلف المواقف والمطالب دون التقدم خطوة الى منتصف الطريق لملاقاة بعضهما البعض والا فان الامور تبقى على هذا النحو من التشنج.

ومع كل يوم يمر دون التوجه الجدي نحو الحل تتعقد المشكلة اللبنانية اكثر واكثر وتتضاعف المخاوف على الوحدة الوطنية الهشة، لابل على استقرار لبنان الجاثم على برميل بارود ولاينقصه لكي ينفجر سوى شرارة صغيرة. فلبنان المضطرب سياسيا اقرب دائما الى الاضطراب الامني على خلفية انه الساحة التي يبارز بها وعليها المتبارزون الاقليميون والدوليون، وهذا قدره ودوره منذ ستة عقود ونيف اي منذ نيله استقلاله في الاربعينيات ولم ينجح لبنان في التخلص من هذا الدور لان اللبنانيين لم يحسموا قرارهم الوطني فكانوا ومازالوا على خلاف على الثوابت الوطنية وعلى الهوية وعلى الانتماء للبنان اولا.

واذا كانت الظروف والمعطيات التي رافقت الانقسام السياسي اللبناني سابقا قد ادت الى تسوية سمحت في رأب الصدع اللبناني مؤقتا على امل اعادة اللحمة اللبنانية فان الظروف اختلفت الان بحيث ليس هناك من طرفين قويين على الساحة اللبنانية يستطيعان بناء اتفاق فيما بينهما كما حدث في اوائل التسعينات عندما فوض الامريكييون للسوريين الشان اللبناني فقد كان الامريكيون اقوياء في المنطقة وباستطاعتهم توقيع الاتفاقات وكان السوريون اقوياء وبمقدورهم ادارة الشأن اللبناني بوكالة ا امريكية لكن اقوياء الامس ضعفاء اليوم وان اي اتفاق بحاجة لطرفين وهذا متعذر لان الامريكي مرتبك في المنطقة والسوري لم يعد وحيدا على الساحة في ظل وجود النفوذ الايراني المتزايد في لبنان، ولذلك بات امر حدوث تسوية تاريخية تحفظ الكيان اللبناني صعبا وهذا ما يحتم على اللبنانيين، موالاة ومعارضة، تحمل المسؤولية الوطتية التاريخية والتلاقي والتازل من اجل لبنان الواحد الموحد لكي لايندم اللبنانيون لاحقا حين لاينفع الندم.

* كاتب لبناني (من الخيام)

تعليقات: