اللعب على حافة الجحيم


مقالات خاصةحَضِّر لعمرك الذهبي «مِن إنتَ وشبّ»حسن الصمد رسام يصرخ في وجه أعداء البيئةالمعلمون يُصعِّدون صيفاً... فصل جديد من المعركة التربويةالمزيدالاستنتاج الموضوعي ممّا وقع من أحداث خطيرة في الجبل الأحد الماضي، هو أنّ بهلوانيات صبيانية باتت تتحكّم بمصير البلد.

تلك البهلوانيات تسقط على بلد، وضْعُه مهزوز في الاساس، فهو يسير على حبلين معلّقين في الهواء: الاول اقتصادي، والثاني سياسي. مشكلته معهما أنه لا يستطيع التوقف، ولا مواصلة السير بعدم اتّزان، وإلّا فإنّ السقوط سيكون حتمياً، إمّا في جحيم الإفلاس، أو في جحيم الحرب، أو في كليهما معاً.

فإذا كانت الهندسات المالية والمنشّطات المرحلية قادرة على ضمان استقرار الوضع الاقتصادي لفترة محدّدة بما تبقّى من عهد الرئيس ميشال عون، في انتظار معجزة ما، فإنّ أية قفزة في الهواء، أمنياً أو سياسياً أو اقتصادياً ستُدخل البلاد في نفق مظلم طويل، هذا إذا لم يتهدّم هذا النفق أصلاً على رؤوس من فيه.

وإذا كان لبنان، الرسمي والشعبي، قد استبشر بموسم اصطياف واعد، وبوعود رسمية متتالية بانفراجات اقتصادية فإنّ ما شهده الجبل بَدّد تلك الآمال. لا خلاف على أنّ ما حدث في قبر شمون وما تلاه من ارتدادات، قدّم نموذجاً واضحاً للطريقة المتهوّرة التي يدير بها فرقاء الازمة البلاد، علماً أنّ كلاً منهم شريك في الحكم، وهم يتحمّلون بالتكافل والتضامن مسؤولية هذا البلد، أو هكذا يفترض أن تكون الأمور.

وإذا كانت السلطة قد تجاوزت، ولو شكلياً ومرحلياً، الخلاف بين الحريري وباسيل، وهو أمر لم يكن ليتحقق لولا أنّ الأول مُدرك أنّ فرَصه الإقليمية والدولية متصلة بالاقتصاد أولاً، بكل ما يتطلّب ذلك من تقديم تنازلات مرّة، فإنّ الأخطر في الخلاف الذي عكسته أحداث الجبل هو أنّ طرفيها هما جبران باسيل ووليد جنبلاط.

فوزير الخارجية يتهمه خصومه بأنه مستعد لتجاوز الكثير من الخطوط الحمر من أجل طموحات رئاسية. وهي طموحات مشروعة في السياسة، لا يمكن أن يعيبه أحد عليها، إلّا أنّ المشكلة مع باسيل تكمن في اختياره التكتيكات السياسية لتحقيق هدفه؛ تكتيكات لا تراعي الحساسيات التي تسِم التركيبة السياسية في لبنان.

تبدو تحركات باسيل في نظر البعض ذات طابع «بشيري»، في إشارة إلى الرئيس بشير الجميّل، والبعض الآخر يراها أقرب إلى الطابع «الالغائي» لكل الآخرين.

أما رئيس «التقدّمي»، فالقراءات حوله تقول إنّ له هواجس عدّة، فهو مسكون بالشعور بخطر أقلّوي درزي، وبخطر على الزعامة، وبخطر الاقصاء وتحجيم الدور والحضور في التركيبة الداخلية، بالإضافة إلى شكل من أشكال العزلة، بعدما ابتعد عن حلفاء قدامى وجدد، وتَموضع ضد «حزب الله»، ولم تركب الكيمياء السياسية مع الرئيس عون وفريقه، وصولاً الى العلاقة غير الثابتة مع الحريري (سعى الرئيس نبيه بري الى إعادة تثبيتها في لقاء المصالحة الذي عقده في عين التينة).

هذا الوضع، بحسب تلك القراءات، يجعل خيارات جنبلاط السياسية ضيقة جداً، إن لم تكن معدومة، في ما عَدا خيار المواجهة إلى أقصى درجة، وهذا ما يفسّر ردّه العنيف على محاولات جبران باسيل اختراق «عرينه» عبر بعض الأحصنة الدرزية.

من هنا، تتقاطع القراءات حول ما جرى في قبرشمون وما تلاه من تداعيات لم تنتهِ فصولها بعد، بأنه أقرب ما يكون الى قفزة في الهواء، تتجاوز أطراف الحادث الخطير، بكل ما تكتنزه هذه الاطراف من طموحات وهواجس، فلا الوضع الاقتصادي يحتمل مغامرات سياسية بهلوانية، ولا المصير الوجودي للبنان يحتمل براميل بارود قابلة للانفجار عند اشتعال أول فتيل مواجهة إقليمية. إلّا إذا كانت هناك رغبة دفينة لدى بعض الرؤوس في تدمير البلاد.

هذه الصورة المتوترة، تدمجها القراءات مع صور أخرى أكثر توتراً؛ المناخ الإقليمي لا يبدو مشجعاً، وهو بالتالي لا يحتمل اللعب على حافة الجحيم، وطبول الحرب تقرع في الخليج، والمواجهة الأميركية - الإيرانية حتمية إن لم يكن عاجلاً فآجلاً، سواء اتخذت شكل حرب مباشرة، أو تصعيد لحروب بالوكالة عابرة للحدود، ومن المؤكد أنّ لبنان لن يكون بمنأى عن المخاطر في كلا الشكلين المتصلين بهذا الصراع.

يضاف إلى ما سبق أنّ الأزمات الداخلية في إسرائيل قد تشكّل بدورها عاملاً مؤجّجاً للتوتر الإقليمي، وحدها الكفيلة بتجاوز صراعات الداخل، وهو ما يجعل المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين الاسرائيليين يتحدثون يوماً بعد آخر عن سيناريو «اشتعال إقليمي»، لا يختلف اثنان على أنّ نيرانه ستطال لبنان، بشكل أو بآخر، بحسب ما تؤكد الكثير من المؤشرات.

آخر تلك المؤشرات تَعثّر ما سمّي «المسعى الأميركي» لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، الذي عاد كما يبدو إلى مربّع الصفر، أو ربما ما دونه. وعلى ما يقول معنيون بهذا الملف فإنّ تعثر - حتى لا نقول فشل - تسوية حدودية برية وبحرية بين لبنان وإسرائيل، يكمن في جوهرها موضوع الطاقة ربطاً بالنفط والغاز، يعني أنّ لبنان قد افتقد أحد عناصر الانعاش لاقتصاده.

والخشية الكبرى لدى هؤلاء المعنيين، أن يكون هذا الاحباط مرتبطاً بمحاولة اميركية للعودة من جديد الى ممارسة ضغوط على لبنان وبأشكال مختلفة، لِحمله على القبول بتسوية حدودية، بحرية على وجه التحديد، تلبّي مصلحة اسرائيل. المسألة شديدة الخطورة، فإن حصل هذا الامر، فلبنان لا يستطيع أن يقبل بذلك، وفي هذه الحالة لن يكون في استطاعة أحد أن يتخيّل شكل الصورة التي سترتسم في ذلك الحين، وما اذا كانت تكمن في بعض زواياها شرارات اشتعال أو أكثر من ذلك.

تعليقات: