تسعة أصوات من أعضاء المجلس الأعلى حصل عليها فارس سعد، ليصبح رابع رئيس للحزب السوري القومي الاجتماعي في غضون ثلاث سنوات. كان يُفترض بالانتخابات مُعالجة أزمة داخلية ولدت في ولاية الرئيس المستقيل حنا الناشف. إلا أنّ مسار يوم الانتخاب، ومقاطعة عدد وازن من أعضاء المجلس الأعلى، يُنذران بمرحلة جديدة من الخلافات القومية الداخلية
من حيث المبدأ، سيكون فارس سعد «خاتمة» رؤساء الحزب السوري القومي الاجتماعي للولاية الرئاسية الحالية التي بدأت في 2016 وتنتهي عام 2020. أربعة رؤساء في ثلاث سنوات ليس دليل عافيةٍ، بل انعكاسٌ للأزمة الداخلية التي يتخبط فيها الحزب منذ سنوات. كان يُفترض أن تؤدي استقالة الرئيس حنا الناشف إلى فتح «نافذة حلّ»، وانطلاقة جديدة للمرحلة المقبلة التي ستشهد تنظيم انتخابات قومية ومؤتمرٍ قومي يُنتج مجلساً أعلى، ينتخب بدوره رئيساً جديداً. إلا أنّ وقائع جلسة الانتخاب السبت، والجوّ المُعارض الناتج عنها، يُشيران إلى اتجاه لتعمّق الأزمة القومية.
هي مرحلة تُنذر بـ«مواجهة» بين أعضاء من المجلس الأعلى ممتعضين من «طريقة إدارة الحزب»، وكانوا يُشكلون فريقاً واحداً مع رئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان، وبين الفريق الذي يقوده الأخير، ويسعى إلى تدعيم زعامته. بداية المؤشرات هي في حضور الأعضاء جلسة السبت. انتخاب رئيسٍ للحزب، يُعدّ من أهمّ مهام المجلس الأعلى، ويندر أن يغيب عنه أي عضو. لكن هذه المرّة، قرّر ستة أعضاء المقاطعة ما أفقد الجلسة نصاب الثلثين. فمن أصل 17 عضواً، حضر 11 فقط إلى مركز الحزب في الروشة، وغاب كلّ من غسان الأشقر وأنطون خليل وكمال النابلسي وعصام البيطار وحسام عسراوي وبشرى مسّوح. في هذه الحالة، ينبغي أن تتم الدعوة إلى جلسة ثانية بعد 24 ساعة على الأقل. إلا أنّ حردان فاجأ الجميع بتوجيهه الدعوة إلى الجلسة الثانية في اليوم نفسه، «من دون أن يستمع إلى اعتراضات عضوي المجلس الأعلى توفيق مهنا وقاسم صالح»، بحسب المصادر. وبصفته ناموس (أمين سر) المجلس الأعلى، كان على مهنا الدعوة إلى الجلسة الثانية، إلا أنّه رفض ذلك، فقام بالمهمة عنه عضو المجلس الأعلى الرديف الناموس المساعد سماح مهدي. بعد ظهر السبت، أُعلنت النتائج: فارس سعد رئيساً لـ«القومي» بـ 9 أصوات، مقابل ورقتين بيضاوين نُسِبتا إلى مهنا وصالح.
لم تُصبح الورقة البيضاء «منافسة» سعد إلا بعد عدم تمكّن كمال النابلسي من الترشح. فبحسب رواية الفريق المُعارض، كان سيحضر الجلسة كلّ من خليل والأشقر ومسّوح (تسكن في سوريا). وكان هؤلاء الثلاثة استقالوا سابقاً من المجلس الأعلى (مع الراحل جبران عريجي)، من دون أن يوافق حردان مرّة على تلاوة استقالاتهم، فكانوا يُقاطعون جلسات المجلس. الطارئ الذي عطّل مشاركتهم، «توقيف مسّوح على الحدود السورية - اللبنانية ومنعها من دخول لبنان، بحجة وجود مشكلة في أوراقها الثبوتية. والمفارقة أنّ مسّوح تستخدم الأوراق نفسها في كلّ تأتي إلى البلد». وفيما كانت مسّوح تنتظر لنحو ساعتين على الحدود، «كان عضو المجلس الأعلى، المُقرب من حردان، صفوح سلمان قد أصبح في بيروت قادما من سوريا». أمام هذا الواقع، قرّر النابلسي والبيطار وعسراوي مغادرة «الروشة»، أما مهنا وصالح فارتأيا تسجيل موقف من الداخل، فيما «قرر عاطف بزّي السير بخيار حردان بعدما تيقّن من انتفاء المنافسة». كل تلك الأسماء، تُشكّل فريقاً واحداً داخل المجلس الأعلى، لمواجهة قرارات المرحلة المقبلة.
يعتبر الفريق المعارض، أنّ حردان تدخل لمنع مسّوح من دخول لبنان وإضعاف جبهتهم، «بعدما تثبت من أنّنا تسعة أصوات، مقابل ثمانية له. لذلك دعا إلى جلسة ثانية بعد أربع ساعات من الأولى، وسجّل أسماء خليل والأشقر ومسّوح كمستقيلين، رغم أنّ استقالاتهم لم تدخل حيّز التنفيذ لعدم تلاوتها». كلّ ما يجري، يوضَع - من وجهة نظرهم - في سياق «قيام حردان بتعميق الأزمة الحزبية». انتخاب سعد «لا هدف له سوى تأمين حردان التعيينات اللازمة، قبل الانتخابات القومية، ليضمن الأكثرية». لن ينام الأعضاء المعترضون على «الضيم». يوضحون أنّ «المعركة ليست ضدّ سعد. فهو شخصية محترمة، وكان يعتقد وجود إجماعٍ حوله». أما خطواتهم المقبلة، «فلا قرارٍ نهائيا بشأنها بعد. الاحتمالات مفتوحة، بدءاً من تقديم الاستقالة وتعطيل المجلس الأعلى، وصولاً إلى تكرار تجربة جبران عريجي في المجلس حيث كان مصدر أرق عبر متابعته ونقاشه حول أدّق الأمور».
قرّر 6 أعضاء مقاطعة جلسة الانتخاب، ما أفقدها نصابها
ما يتحدّث عنه المعترضون، لا يلقى صدّى لدى مصادر رئيس المجلس الأعلى التي تُنكر منع مسّوح من دخول لبنان: «دائماً الفاشل يضع ألف مُبرّر لفشله. لنفترض أنّهم حضروا جميعهم الجلسة، هل كانوا سيربحون؟ لا أحد يمنع أي شخص من الحضور، هذه لعبة ديمقراطية، والحزب كبير يتسع للجميع». لا توافق مصادر حردان على أنّ تبديل أربعة رؤساء في ثلاث سنوات يُعدّ دليلا على أزمة عميقة، «ماذا نفعل؟ كان هناك ظروف. المحكمة الحزبية أبطلت رئاسة حردان. كان بإمكانه أن لا يستجيب ويُكمل، ولكنّه التزم بقرارها. علي قانصو اختار أن يكون وزيراً واستقال من الرئاسة. أما حنا الناشف، ففشل في إدارة الحزب وغرق بالتفاصيل (كان المجلس الأعلى قد أصدر بياناً بعد استقالة الناشف، ينوه فيه بإدارة الأخير للحزب القومي). الأحزاب العقائدية تُغيّر حتى تبقى متماسكة». ولكنّ الأزمات تُنهك «القومي»، وعند كلّ منعطف يبدو أضعف من السابق. تردّ مصادر حردان بوصف الحزب كالنار، «لا يتوقف، وبعد كلّ أزمة يخرج كبيراً. القوميون بحاجةٍ إلى مناضلين يقفون إلى جانبهم، وليس إلى أشخاص يُكثرون من الكلام في الصالونات». هل اختير سعد، ليُشرف على انتخابات مجلس قومي لمصلحة حردان؟ «مهمته إدارة الحزب وتنظيمه». ماذا إذا صعّد الأعضاء المعترضون واستقالوا؟ «فليُصعدوا. هم أحرار بالاستقالة. ولكن، الأنا لا مكان لها داخل الحزب القومي»، تختم مصادر حردان.
فارس سعد
الأمين فارس سعد، قومي منذ عام 1960. الرجل ذو الخلفية الاقتصادية، يأتي من بلدة عين زحلتا (الشوف)، ضيعة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الراحل إنعام رعد، الذي عاش سعد «في كنفه». ابن الـ 78 عاماً، كان في مرحلة الانقسام القومية، جزءاً من جناح المجلس الأعلى مقابل «الطوارئ»، إلا أنّه كان من المؤمنين بضرورة الوحدة، وتعاون من أجل إتمامها. تسلّم مهمات عدّة داخل «القومي»: مدير مديرية، ناظر، عضو في لجان حزبية مالية وإذاعة وثقافية، عضو مكتب سياسي، عميد الاقتصاد أكثر من مرة. رشّحه حزبه إلى الانتخابات النيابية الأخيرة، عن المقعد الإنجيلي في دائرة بيروت الثانية، إلا أنّ إصرار التيار الوطني الحرّ يومها على الحصول على المقعد، أدّى إلى سحب سعد. لا يُعلّق أعضاء من المجلس الأعلى الآمال على رئاسة سعد، «لأنّه سيرأس الحزب لعشرة أشهر فقط، ولأنّه سيكون مُقيداً بمن عيّنه». إلا أنّ له رأياً آخر، «يُمكن أن يعتمد عليّ كلّ القوميين. الكل متساوون، والجميع ضحّى». يقول سعد لـ«الأخبار» إنّ السوري القومي الاجتماعي «حزب مؤسسات، أبوابنا ستكون مفتوحة لكل القوميين، لنُمكّن الحزب من أن يلعب دوره الأساسي، ولا سيما في الظروف الخطيرة التي تمر بها الأمة». مهمته ستكون «التحضير لانتخابات القومي والمؤتمر المقبل»
تعليقات: