محمد شيت.. مساهم فعّال بالنهضة الزراعية في منطقة الوزاني

المزارع النشيط محمد أحمد شيت، إبن بلدة كفركلا المجبول عرق جبينه بتراب الجنوب منذ طفولته
المزارع النشيط محمد أحمد شيت، إبن بلدة كفركلا المجبول عرق جبينه بتراب الجنوب منذ طفولته


المزارع العتيق النشيط محمد أحمد شيت، إبن بلدة كفركلا المجبول عرق جبينه بتراب بلدته منذ طفولته، حيث وعيَّ على الأهل يمتهنون العمل الزراعي بالأدوات والمعدات البدائية، أكان الحراثة بواسطة الثور والحمير، أو الحصاد باليد والمنجل، والدراسة على النورج وعصر الزيتون عبر دولاب من الحجر الصخري يدار بواسطة الأحصنة والبغال، وما أدراك المشقات والمعاناة التي لا تحصى ولا تعد، كل ذلك يتطلب جهداً كبيراً للحصول على المحاصيل الزراعية، عدا ذلك زراعة وقطاف وشك الدخان وزراعة الخضار والأشجار المثمرة، والعمل يتواصل ليلاً نهاراً وتحت أشعة الشمس الحارقة، إنما كانت حياتنا ومعيشتن البسيطة طبيعية خالية من الهموم والأرق، حتى الطعام المتواضع المحدد بما تنتجه الأرض، عبارة عن وجبة واحدة تتناولها العائلة من وعاء واحد وتبادل وجبات الطعام مع الجيران، إضافة إلى مشتقات حليب المواشي.

كل ذلك، ولدَّ لديه عزيمة قوية وتحدٍ على الصمود والتثبت بالأرض، حيث عاش الآباء والأجداد متمسكين بها حتى آخر رمق في حياتهم وصمودهم، وهذا يعتبر مقاومة وتحدٍ من نوع آخر.

هذا ما تحقق مع السيد محمد أحمد شيت، الذي ورغم الأحداث التي مرت بالجنوب من أحتلالات وتهجير، لم يبارح بلدته كفركلا منذ طفولته حتى عمر الـ36، حين زار المدينة بيروت بأخر الثلاثة أيام من العدوان الإسرائيلي في تموز عام 2006، فهو يفاخر بماضيه وإن جنح بعض الشيء لظروف معينه، كما عيشته مع ذويه، وما تخللها من بؤس وفقر وعذابات، وقد تعلم وتثقف من مدرسة الحياة ومعمودية عشقه للأرض وما تنتج من مواسم خيّرة، فهي بقدر ما تعطيها تبادلك العطاء، وبات خبيراً زراعياً مُلماً بكافة أنواع الأشجار والثمار والحبوب والخضار والفواكهة والأدوية اللازمة لكل منها، حتى أصبح من كبار التجار والمستثمرين والمصدرين في سهل الوزاني لكافة تلك الأصناف، وما إلى هنالك من أمور تتعلق بالقطاع الزراعي.

مجلة "كواليس" الشاهد على هذه النهضة الزراعية في منطقة الوزاني التي باتت واحة غناء بكل أنواع الأشجار والخضار والحبوب، كان لها لقاء مع المزارع النشيط محمد أحمد شيت..

*بداية، نود تعريف عن شخصكم ومدى علاقتكم وإرتباطكم بالأرض والزراعة؟

محمد أحمد شيت، من بلدة كفركلا الجنوبية، مزارعٌ أباً عن جد، لكافة أنواع المزروعات من خضار وحبوب وفواكهة وتبغ وزيتون، كل ذلك ولأجل تحصيل المواسم كانت تعتمد للأدوات البدائية في كل منها بدءاً من الحراثة اليدوية، وكنا والحمد لله لا نأكل سوى ما تنتجه الأرض من مواسم، إضافة لمشتقات الحليب ومربيات الفواكهة، حتى الملابس لم يكن عندي سوى بدلة وبنطلون وقميص وحذاء، ولم يتسنى لي متابعة دراستي، فتعلمت الكثير من مدرسة الحياة، وكنا في بحبوحة من العيش الرغيد وتعاون ومساعدة مع الجيران، حتى إقتراض أرغفة الخبز. وما يجدر الإشارة إليه ولم يزل بذاكرتي، إذا ما والدتي طبخت وجبة طعام توزع منها على الجيران وهم بدروهم يبادلونها بالمثل، "فسقى الله" على تلك الأيام وأكلة "البليلة" و"أبو مليح" فتافيت وحروف الخبز مع البندورة، والمجدرة، لم نكن نعرف اللحم المشوي سوي يوم العيد، وما يثير الإعجاب والتساؤل، فرغم كل هذا الفقر عند الأهل كانوا يشترون الأراضي ويتعلقون بها، خاصة ما يرثونه من الأجداد، أما اليوم فنحن للأسف في عصر المال الذي يعمي القلوب والعيون والضمائر وعدم معرفة قيمة الأرض لدى البعض الذي يبيع "حاكورة" أمام المنزل الذي ورثه. زد على ذلك، ما تعرض له جنوب لبنان والأهالي من مآسي جراء الإعتداءات الصهيونية والإحتلال والتهجير، وإقفال معظم الطرقات. والدولة وقفت مكتوفة الأيدي، فلم يكن لدينا خيار سوى ترك هذه الأرض أو البقاء والصمود الذي كلف دماء زكية، غالية ومقدسة، هي التي أعادت لنا عزتنا وكرامتنا بإنتصارات رجال المقاومة اللبنانية ونحن من يعي أكثر أهمية الوطن والغربة، فقد مررنا بتجربة 25 سنة مريرة، أنا لم أعرف بيروت ولم أشاهد البحر إلاَّ بعمر الـ 36، يجب أن يعي الشعب اللبناني عامة، أهمية الوطن والإبتعاد عن التعصب والطائفية، وما أود الإشارة إليه للتنويه بشعبنا، فأثناء حرب تموز لم أترك بلدتي "كفركلا" إلا في الثلاث أيام الأخيرة من الحرب، متجهاً إلى طرابلس توقفت أمام إحدى محطات المحروقات للتزود بمادة البنزين للسيارتين التي تقلنا فلم يقبضوا منا ثمن الوقود، كذلك إحدى الملاحم لم تأخذ منا ثمن اللحم الذي أشتريناه، فهذا إبن طرابلس، تابعنا طريقنا إلى قرية "حرف أرده" في زغرتا وجدنا إهتماماً كبيراً ومعاملة إنسانية أخوية نادرة مع تقديمات غذائية وتموينية كثيرة. فهذا هو الشعب اللبناني المحب لوطنه وأخيه في المواطنية، فدعنا من الغرباء!!..فبالله عليكم أيها السياسيين لا تربطون الدين بالسياسة، وتتحكمون في رقاب العباد، فالدين لله والوطن للجميع. وأتمنى أن تمحى رمز الطائفة عن الهوية والوطن لجميع أبنائه.

*نعود مع السيد محمد أحمد شيت إلى الحقل والزراعة، كيف طورت نفسك؟

منذ أكثر من 15 سنة، وبعد التحرير أنفتحت المنطقة على الأسواق الخارجية وبدأ العصر الذهبي بفضل المقاومة الإسلامية، ونحن نحترم كل قطرة دم وننحني لكل شهيد سقت دمائه الطاهرة أرضنا التي نعيش فيها مرفوعي الرأس بعزة وإباء، نمارس حياتنا وأعمالنا دون خوف، وكان لديّ طموح لمشروع زراعي كبير، وحيث كنت ولم أزل مستثمراً لمساحات من اراضي آل عودة في منطقة "هورا" منذ سبيعينيات القرن الماضي، إلى حين أحد أقربائي المحامي الأستاذ غسان شيت، إستثمر أراضٍ شاسعة في هذه المنطقة على مساحة 500 دونم، أقترح عليّ إستلام وإستثمار وإدارة هذا المشروع بما يناسب خبرتي الزراعية. وقد خضعت لدورات عدة مع القوات الإيطالية ومؤسسة جهاد البناء، للتعرف على الآفات الزراعية وأنواع الحشرات التي تغزو الأشجار والثمار وسبل الوقاية منها بالأدوية اللازمة والمحددة بكل حالة، وتجنب الإبتعاد كلياً عن عملية الرش لأجل سلامة الثمار والمواطن على حد سواء، بإعتماد طرق علمية ومصيدة للهرمونات للحدّ من تكاثر الحشرات الضارة.

*كيف تم لك إكتساب خبرات عملية حتى أصبحت بمثابة خبير زراعي وآفات زراعية بكل معنى الكلمة؟

سبق وذكرت لكم بأنني لم يتسنى لي متابعة التحصيل العلمي، إنما عندي قدرة كبيرة على حفظ أسماء الأدوية العالمية ومواصفاتها ومصدر شركتها ولأي آفة زراعية يعتمد كل منها، وشروط إستخدامها حرصاً على سلامة الثمار والمواطن، وهنا بيت القصيد، بتحكيم الضمير لدى المزارع. وإعتماد روزنامة زراعية كي لا نقع في المحظور لدى فحص البضاعة التي تدخل إلى الدولة العربية وإكتشاف ترسبات الأدوية، وقطف الثمار قبل آوانها أو المدة المحددة في التحريم، وشخصياً ألتزم بكل هذه المعايير، كما يوجد مختبرات لدى المشاغل وتجار الجملة التي نتعامل معهم، وتصديرنا يعتمد في بعض منه على السوق المحلي والبعض الآخر على الدول العربية من منتوجاتنا الموسمية التي بحدود العشرين صنفاً ما بين الفاكهة والخضار والحبوب.

*ما أكثر الأمراض التي تصيب المزروعات والأشجار ومن المضاربات في هذا القطاع؟

الأمراض التي تصيب المزرعات والأشجار لا تحصى، ومرّد ذلك تزايد الزراعات وعدم دراية وخبرة البعض بمشروع الرش والفوضى العارمة في هذا القطاع والجشع لكسب المال على حساب صحة المواطن. وهناك بعض المزارعين الجشعين يرشون الأشجار والثمار بأدوية خاصة للنضوج السريع قبل آوانها أو حتى اعطائها لوناً مميزاً لإغراء الزبائن، وهذا يعتبر غشاً لا بل سرقة مع سبق الاصرار والتصميم وقلة ضمير.

*هل من نقابة ترعى شؤونكم أو مساعدات وأهتمام من بعض مؤسسات الدولة المختصة؟

لا وجود أية نقابة، وأنا مسؤول عن كلامي، والنقابات بشكل عام ليس لها أي دور أو نشاط وتلقينا بعض المساعدات عن مادة القمح من وزارة الإقتصاد والهيئة العليا للإغاثة جراء بعض العوامل الطبيعية وحسب تقديري، المشكلة في المواطن اللبناني وليس بالدولة، يجب أن يبدأ بتنظيم نفسه، فهل هذا المواطن يعي واجباته تجاه الدولة ويدفع ما عليه من رسوم وضرائب؟!! ولماذا البعض يتعدى على شبكتي الكهرباء والمياه، أليست من سرقة؟!! وفوق كل ذلك يسأل أين الدولة لمساعدته؟!! وقد أعطي مثلاً على المزارعين أمثالي في هذه المنطقة لا تعاون أو تنسيق فيما بيننا لإعتماد روزنامة زراعية وفق برنامج زمني موحد من حيث مواسم ومواقيت القطاف لكل صنف، كذلك عملية الرش وعدم إبقاء بعض الثمار على الأشجار بعد عملية القطاف التي تصاب بالإهتراء لاحقاً وتأتي إليها ذبابة البحر المتوسط وتنقل الأمراض إلى باق الأشجار، فكل ذلك لم يحصل للأسف.

وإذا ما أردنا التعريف عن الروزنامة الزراعية فهي كالأتي:

- تنظيم العمل، بحيث لا يعر إعتماد زراعة نفس الصنف من قبل معظم المزارعين، بل يحصل إتفاق مسبق وتنسيق ما بينهم بتوزيع الأدوار لإعتماد كل واحد صنف معين.

- حصول عملية القطاف لكل صنف في موعد محدد للجميع.

- عملية الرش أيضاً محددة على أن تتم في الليل للحفاظ على النحل الذي يلعب دوراً كبيراً في عملية التلقيح، بحيث إذا حصل ذلك في النهار يقضي على النحل ويضرب الموسم.

- الحد من عملية التسابق من يقطف قبل الآخر للحصول على سعر مبيع مرتفع، وللعلم فأن هذا القطاع شريان حيوي للإقتصاد اللبناني، بحيث يستفيد منه ما لا يقل عن 300 عائلة، بدءاً من العمال، التجار المستوردين، النقل، شركات الأسمدة، معامل النايلون، صناديق البلاستيك، محطات المحروقات وغير ذلك. إنما يلزمه تنظيم وتسهيل عملية التصدير عبر المعابر الخارجية ومراقبة الأسعار وفرض تسعيرة لكل صنف في أسواق الجملة وفقاً لفاتورة التسليم من المزارع. كما هو معمول به في مادة القمح فالدولة وحدها تحدد السعر الرسمي للمبيع، كما مراقبة الأدوية وتوزيع الهرمونات على المزارعين، بحيث لا يعقل أننا نُسَّلم سوق الجملة كلغ الدراق مثلاً بـ 800 ل.ل فيصل إلى المستهلك بـ 3000 ل.ل، وشخصياً ودون مبالغة ملتزم كلياً بأصول وقوانين هذا القطاع ودفع ما يتوجب عليَّ من رسوم وضرائب وفواتير كهرباء ومياه.

*هل من دعم ومساعدات من جهات مانحة ومنظمات دولية؟

قد حصل ذلك سابقاً من منظمات دولية وقوات الطوارئ الدولية بإقامة دورات تدريبية وإرشاد زراعي، وتقديم معدات زراعية، إنما بعد النزوح السوري توقف كل ذلك.

وفي الختام أود توجيه الشكر لقيادة الجيش اللبناني وكافة القوى الأمنية، لوقوفها إلى جانبنا في الحماية وحفظ الأمن في هذه المنطقة، كما الشكر لمؤسسة قرض كفالات التي تدعمنا بفوائد ضئيلة جداً، كذلك للشركات الزراعية التي تؤمن لنا الأدوية بالتقسيط المريح، ونحن في عملنا بهذه المنطقة الحدودية نعتبره تحدٍ وصمود من نوع آخر. وشكراً على هذا اللقاء وتسليط الأضواء على هذا القطاع الزراعي الحيوي.

* المصدر: مجلة كواليس

المزارع النشيط محمد أحمد شيت، إبن بلدة كفركلا المجبول عرق جبينه بتراب الجنوب منذ طفولته
المزارع النشيط محمد أحمد شيت، إبن بلدة كفركلا المجبول عرق جبينه بتراب الجنوب منذ طفولته















تعليقات: