مرة أخرى تعود دارة صاحب المعالي الحاج علي حسن خليل لتزيين ليال صيف عرينه مدينة الخيام، وكأن عنوان المسرحية الأشهر للأديب العالمي شكسبير (حلم ليلة منتصف الصيف) قد طار من القرن السادس عشر الميلادي ليحط رحاله في ربوع الخيام الفسيحة وبالذات في دار معاليه العامرة.
مساء يوم الجمعة الفائت (23/08/2019) كانت الدار على موعد مع قمة الأدب والشعر والخطابة باستضافتها أبرز الرموز الأدبية والشعرية في منطقة مرجعيون حاصبيا على حفل عشاء تكريمي أقامه معالي وزير المال الحاج علي حسن خليل تكريما لصاحب القلم الرفيع والأنامل الخلاقة، والكلمة الهادفة والريشة المعبرة، شاعر الجنوب ابن الخيام والمرج والدردارة الأستاذ حسن خليل عبدالله، عربون وفاء على عطائه الجمّ في نشر الأدب والثقافة الشعرية التي انطلقلت من مرج بلدته الخيام لتشع في أرجاء وطنه لبنان ولتسطع لاحقاّ في مختلف أصقاع الوطن العربي على امتداده من الخليج الثائر الى المحيط الهادر، وخاصة أن شاعرنا الأفخم ظهرت لديه مواهب جمة فكان الطليع في كل انتاجاته الأدبية المختلفة والتي جاوزت الستين انتاجاً، فمن الشعر ودواوينه الخمس والتي غطت شهرته الأفاق، الى أدب الأطفال بمجالاته المتعددة القصصية والشعرية بما فيها الأناشيد وحتى المسلسات التلفزيونية. وأخر وليس أخير موهبة الرسم التي تجلت في معرضه الذي أقامه منذ (3) سنوات في بيروت وعُرض به (42) لوحة خرجت من بين أنامله الذهبية، فكانت خير تعبير عما يختلج في نفس شاعرنا اتجاه بيئته التي أحب وظل وفيا لها.
بدأ حفل العشاء التكريمي بكلمة مُرحبة ألقاها رئيس بلدية الخيام الأسبق الأستاذ كامل سعيد فاعور، مشيدا بعزم صاحب الدار معالي الوزير الحاج علي حسن خليل لتكون هذه الأمسية بمرتبة جامعة عائلية تجمع أهل الأدب والشعر في منطقة مرجعيون حاصبيا مع متذوقي فنون الشعر والأدب ببلدته الحبيبة الخيام، مثمّناً غالية هذه المبادرة النبيلة لتخرجنا من روتين الحياة اليومية المتثاقلة الى رحابٍ أوسع من الشعر والأدب بصيغة بسيطة محببة من دون تصنُع أو تكلُف بعيدا عن الشكليات الرسمية والبرتوكولات المعقدة والمراسم المُهجنة. فكان حفل العشاء التكريمي يمثل أقرب الصيغ المحببة لقلب شاعرنا الكبير حسن خليل عبدالله، من غير زخرفة أو بهرجة.
ثم اعتلى المنصة سيدها، فكانت كلمة من القلب الى قلوب المتجمعين حوله كافة، كيف ولا، أنه معالي الوزير الحاج علي حسن خليل، مالك الكلمة وأميرها، فكلمته عبّرت عن مخزون عميق من المحبة والتقدير الذي يحتضنه في نفسه اتجاه الأدب والشعر، فكانت دعوته لعشاء تكريمي للرمز الشعري الأشهر في عصرنا هذا، ألا وهو الشاعر الجنوبي الأصيل حسن خليل عبدالله، حيث بدأ معاليه كلامه: "نكرم روحه التي اتسمت بإستثنائية خالصة صفاء ونقاء حبا وسلاما وثورة وغضبا وكل ما يمكن أن تحمل الكلمات" كما وصف معاليه شاعرنا قائلا: "انني أعتبره قيمة استثنائية على مستوى الخيام والجنوب والوطن لأنه يمثل روح الإنسان الذي اناضل في حياتي من أجله ولأجله الأن وغدا". مضيفاً معاليه: "من أين ندخل في وطنك أنت الذي قلت من أين ندخل في الوطن، كيف نصل إلى جمهورية تشبه حروف عالية كغصن، وكلماتك العابرة نحو وطن انتزعته من بنادق ورصاص"، مختتماً معاليه كلمته: "إنك قد خطفت كل لقب محبب أنت أمير هذه الحقول والكينا وزعيم الدردارة وسيد العبارة".
وجا دور قصيدةٌ هي أيةٌ في حد ذاتها، جزيلة بمعانيها، غزيرة بمفاهيمها، رائعة بتعابيرها، مفعمة بالحب والعطاء، ألقاها الأستاذ "عبدالله علي نعيم عبدالله" نيابة عن شقيقه شاعر الخيام الألمعي "حسن علي نعيم عبدالله"، الذي أنجز ديواني شعر تحت الطباعة، فاختار منها قصيدة عصماء صاغ أحرفها ونظّم كلماتها تقديراً وهدية لمعالي الوزير الحاج علي حسن خليل، ومطلعها:
أرخته الصبح في ليل الرجال سرى .. .. فايقظ الشمس من عينيه والشجرا
أرخـت أي فـتى كم كان حين رمى .. .. في ذلك الليـل فـذاً ثاقـبا النظـرا
مـقاوما ألمـعـياً ما ثـناه وما أعـياه .. .. خـوض وهاد او شـعـاب ذرا
ثم اعتلى المنصة شاعر الحب والغزل الأستاذ رضا القاعوري، الذي له عدة دواوين مطبوعة، كما وله تراجم مرموقة لعدد من كبار الشعراء الفرنسيين، فقد شاركنا بقراءة عدد من قصائده المختارة من دواوينه تلك، حيث بدأها بقصيدة أسمها (حسن) تيمناً بصديق عمره الشاعر المكرم حسن خليل عبدالله، والتي مطلعها:
يميل غصن تينة .. زيتونة .. هواء
حسنٌ في العراء
يحاور الصباح والمساء
ويمتطي الضياء
وأعقبها بقصيدة أخرى اسمها (الأوجه المستعارة ومدائن الملح).
وبعد ذلك ألقى الدكتور عبدالمجيد زراقط كلمة عن شاعرنا المكرم، وهو الأستاذ جامعي، والباحث في العديد من المجالات الأدبية والاجتماعية، وكان قد ألف دراسة خاصة عن الشاعر حسن خليل عبدالله، مُركزاً على موهبة خاصة لشاعرنا ألا وهي كتابة قصص الأطفال، التي أجادها شاعرنا، فكان فارسها من غير مُنازع، فكتب القصة الطفلية القصيرة، والقصائد الرقيقة، والأناشيد في أداء شعري متنوع تعليمي، ومعرفي مهني، وإبداعي عام، واستلهم التراث العربي، مرسّخاً قيماً وشخصيّات ومواقف في ذهن الناشئة وسلوكهم على أرضية تربوية إنسانية.
وأُختتم اللقاء بخمس قصائد ألقاها الشاعر المكرم حسن خليل عبدالله، وهذه القصائد مختارة من دواوينه الخمس التي كانت قد صدرت تباعاً بدأً من عام (1978) بديوانه (أذكر أني أحببت)، فكانت مسك الختام لليلة شاعرية مميزة، وما أحلاها من ليلة غنى بها القمر.
وكان العشاء التكريمي الذي حضره سعادة نائب مرجعيون - حاصبيا الدكتور قاسم هاشم، وسعادة رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد الركن حسين عبدالله، قد ضم بوتقة مميزة من أهل الأدب والشعر ورواده من أبناء منطقة مرجعيون وحاصبيا، عُرف منهم: د. محمد أيوب الشحيمي، فاتنة أنيس بكار، عبلا عبلا، فواز خوري، الياس لحود، هيثم الأمين، غادة الكاخي، ليلى البسام، لميس عبدالله فرحات، فاطمة ارسلان، نظام أبو رافع، نديم دربيه، مرشد نهرا، دعيبس مقلد، وسليمان حديفه، وغيرهم الكثيرين، بالاضافة الى لفيف من الأدباء ومتذوقي هذه الفنون من أبناء الخيام الكرام في مقدمهم ثلة من أعضاء المجلس البلدي في مدينة الخيام يتقدمهم العضوان المخضرمان الأستاذ فايز أبو عباس والأستاذ حسين نعيم خريس، وغيرهم من الفعاليات الاغترابية، والاجتماعية والثقافية والأكاديمية والتعليمية والطبية، والإعلامية والنسائية، التي تزخر بها مدينة الخيام العامرة.
* النص الكامل لكلمة معالي الوزير الحاج علي حسن خليل بالأضافة الى الكلمات والقصائد التي أُلقيت في تلك الأمسية الجميلة سوف تنشر تباعاً على صفحات هذا الموقع.
تعليقات: