الدكتور حسن عواضة من الزمن اللبناني الجميل

الدكتور حسن عواضة
الدكتور حسن عواضة


نجم سقط. أول رئيس للتفتيش المالي في لبنان (1959) زمن الرئيس فؤاد شهاب الذي وثق به، بعدما أدرك كفايته، ومقدار حصانته في مواجهة الضغوط والفساد. لم تغره المناصب والألقاب، بدليل رفضه المنصب النيابي، والوزاري أيضاً، بعدما أيقن أن لا سبيل لتحقيق الأماني من خلال هذين المنصبين، بل إنهما يصبّان في خانة الارتهان لزعيم سياسي أو طائفي. فضّل القضاء والرقابة والعمل الحقوقي، وأيضاً الأكاديمي، زارعاً في نفوس طلابه الكبرياء والأمانة والتمسك بالقانون.

حسن عواضة، المحامي والقاضي والاستاذ، الذي انطلق من اللاشيء ليبلغ أعلى المراتب متفوقاً على نفسه وعلى أقرانه. ولد في ضوء قمر مشغرة في العام 1923، عاش التنوع والتعدد والتفاعل في محيطه المشغري. وتنقل في مدارس عدة، من مدرسة دينية حفظ فيها القرآن، إلى مدرسة كاثوليكية حيث تفتح عقله على الإنجيل، قبل أن يسلك طريق المدرسة الرسمية العلمانية الطابع. بعد شهادة السرتيفيكا في العام 1939، رفض أن ينضم الى قائمة العاملين في دباغات الجلد في مشغرة كأقران له، فشدّ الرحال الى بيروت شاقاً طريق العلم. وبعد البريفيه عاد الى مسقطه معلماً، قبل ان ينتفض مجدداً على واقعه، ويكمل دراسته الثانوية بطلب حر. وتوجه لدراسة الحقوق في الجامعة اليسوعية، عاملاً في الوقت عينه لتدبّر أموره الحياتية.

طُرد من الجامعة بسبب نشاطه المعادي للانتداب الفرنسي، لكن صديقه الدكتور فؤاد أفرام البستاني توسط له فأعاده. ثم شدّ الرحال الى باريس حيث نال الدكتوراه في القانون في العام 1949.

بعد عودته، عين قاضياً في القضاء العدلي العام 1951، ودرّس في قسم الحقوق التابع للأكاديمية اللبنانية (لاحقاً الألبا) حيث عاصر وتعرّف الى أساتذة كبار من أمثال غسان تويني وإدمون رباط، وكمال جنبلاط.

بعدها أصبح أستاذاً محاضراً في كلية الحقوق والعلوم السياسية للجامعة اللبنانية حتى العام 1992، وأشرف على أطروحات الدكتوراه. عيّنه رئيس الجمهورية فؤاد شهاب أول رئيس للتفتيش المالي، بعد إنشاء التفتيش المركزي في الجمهورية اللبنانية العام 1959. مارس مهمته بشكل دقيق، فأصلح أموراً كثيرة ووضع حداً لتجاوزات كبيرة، ولم يخضع للضغوط السياسية التي مورست عليه في عهود مختلفة.

عُرضت عليه مناصب وزارية في عهدي الرئيسين شارل حلو والياس سركيس، فترفّع عنها. وكان يعتبر على الدوام أن النظام اللبناني الطائفي يحتاج الى إصلاح جذري، لأن لا إصلاح مع المحاصصة القائمة على الطوائف والمذاهب، وأن الخدمة العامة تقتضي منافسة شريفة غير متوافرة في ظل النظام الحالي الذي يحمي الفاسدين ويمنع منطق المحاسبة.

اليوم يفقد لبنان واحداً من الرعيل القديم، الكفيّ، كبيراً من الزمن اللبناني الجميل.

الدكتور حسن عواضة
الدكتور حسن عواضة


تعليقات: