المحارق تحوّل لبنان عملانيًّا إلى مقبرة جماعيّة للأحياء والموتى


أقرّ مجلس الوزراء أخيرًا إقامة ثلاث محارق، في إطار "خريطة طريق" متكاملة لإدارة النفايات تشمل فتح المطامر والفرز من المصدر، وسوى ذلك من قرارات.

للمهتمّين بهذه المسألة، وللمعنيّين المباشرين بنتائجها، أسألهم الرجوع الموثوق به إلى قرارات مجلس الوزراء المنعقد في السرايا الكبيرة في 27 آب 2019، وإلى بيان اعتصام 3 أيلول للمجموعات البيئيّة أمام وزارة البيئة، الذي اعتبر تلك القرارات "خريطة طريق إلى الهاوية".

أما أنا، بصفتي مواطنًا مشمولًا بالأثر البيئيّ الخطير الناجم عن هذه الخطة الرعناء، فيهمّني أنْ أنضمّ علنًا إلى اختصاصيّي مجموعات الدفاع عن البيئة النظيفة، وخبرائها، رافضًا مبدأ استخدام المحارق، في ظلٍّ إدارةٍ بيئيّةٍ وسياسيّةٍ متخلّفة، ستحوّل لبنان قانونيًّا وعملانيًا إلى مقبرةٍ جماعيّةٍ للأحياء وللموتى على السواء.

إنّي لا أنضمّ إلى الرافضين، حبًّا بالرفض. كلّا. فالمسألة هي مسألةٌ علميّةٌ بحتة، لا مسألة هوبرات. ففي غياب سلطةٍ إداريّةٍ، اختصاصيّةٍ وحكيمة، بهرميّتها المتكاملة، من أصغر عاملٍ فيها إلى أكبر مسؤول، سيكون من المستحيل فعليًّا وواقعيًّا، الإحاطة بمجمل المراحل التفصيليّة لعمليّات الجمع والفرز والحرق والطمر، والحؤول دون حدوث المجزرة البيئيّة والصحيّة التي لا مفرّ من وقوعها في ضوء المعطيات الموضوعيّة المتخلّفة التي تلفّ واقع الإدارة عمومًا (والإدارة البيئيّة تحديدًا) في لبنان، محسوبيّةً وفسادًا وجهلًا وأمّيّةً وفوضى.

مَن سيتولّى مسؤوليّة الإشراف على هذه المحارق، والعمل فيها، وتسييرها، ووصول النفايات إليها، في غياب المنهجيّة التنفيذيّة المتكاملة، وفي غياب أهل الكفاءة والاختصاص، فضلًا عن غياب آليات تجسيد عمليّات الفرز وبلورة مكوّناتها من المصادر إلى المحارق والمطامر؟

أتوقّف عند هذه النقطة الجوهريّة، محذّرًا من مغبّة ما نحن مقدمون عليه في القريب العاجل، تحت وطأة الفوضى العارمة، والجهل المطبق، اللذين سيرميان بثقلهما على العمليّة البيئيّة والصحّيّة برمّتها.

ثمّة "أوادم" ربّما في "بعض" الإدارة، ممّن وافقوا أو يوافقون على السير في مشروع المحارق الخطير، بل البالغ الخطورة. هؤلاء سيكونون، وسنكون معهم، كمواطنين، كبش محرقة في هذه الجريمة الجماعيّة الموصوفة.

أدعو بقوّة، وبحرارة، بل بتوسّل، إلى الوقف الفوريّ للمشروع، وإلى التريّث والتهيّب الفوريّين، قبل مباشرة التنفيذ، وذلك لمنع المقتلة الجماعيّة المتوقّعة، وأيضًا لعرقلة إمرار صفقات المحارق المريبة لعاقدي الصفقات الماليّة، والمستفيدين المادّيّين من هذه التجارة بالأرواح والأجساد.

يمكنكم أنْ تتصوّروا مشهدًا أبوكاليبتيًّا، كمشهد انصهار بيروت، سكّانًا وبحرًا وفضاءً وأرضًا ومياهًا، انصهارًا كيميائيًّا، في الأتون الموعود.

أسمّي بيروت على سبيل المثل. لبنان كلّه سيكون محرقة للبشر وللحجر. إيّاكم أنْ ترتكبوا هذه الجريمة النكراء. إيّاكم السكوت عليها!

Akl.awit@annahar.com.lb






تعليقات: