في جل الديب.. مايا دياب «تقود» الثورة


«نريد 10452 كلم مربع»، يصرخ أحد المعتصمين على أوتوستراد جل الديب. يلاقيه رفيقه: «نريد رئيس كالرئيس بشير الجميل الذي صنع دولة في أيام قليلة قضاها في الرئاسة». ليست القصة هنا قصة رفيقين ما زالا يعيشان حلم «البشير»، بل إن غالبية المجتمعين في جلّ الديب يؤمنون بما قاله الشابان، ولو كان أسطورة من حجم «بناء مؤسسات الدولة في أسبوعين». جزء من المتجمهرين في ساحل المتن الشمالي غيّر مزاجه مع تركيز مطالب المعتصمين في وسط بيروت على ضرورة «إسقاط العهد». فبات حماية موقع الرئاسة ضرورة من منطلق عدم تسجيل سابقة «سقوط رئيس جمهورية مسيحي في الشارع، فيما باقي الرؤساء المسؤولين جدياً عن الأزمة التاريخية نائمون على مقاعدهم».

لم يعد شارع جلّ الديب هو نفسه قبيل يومين، خصوصاً بعد إعلان رئيس حزب القوات اللبنانية استقالة وزرائه من الحكومة. انضم قواتيون الى الاعتصام. لا يخفون هويتهم ولا يموّهون: «فخورون باستقالة وزرائنا، وبأننا أصحاب الكف النظيف». لكن بتاريخ ليس ببعيد، أسهمت القوات في اقتطاع 35 مليار ليرة من قيمة المبلغ المخصص لدعم الفوائد على قروض الإسكان من أجل تمويل الجمعيات. كذلك فعل وزير الصحة السابق غسان حاصباني حين اقتطع من السقوف المالية المخصصة للمستشفيات الحكومية التي يلجأ اليها الفقير لصالح زيادة سقوف المستشفيات الخاصة. تتغلب البروباغندا القواتية على ما سبق، فيدير المعتصم القواتي ظهره لسائليه. يتناهى الى مسمع متظاهرة كلام الشاب، فتصرخ: «كلن يعني كلن، لا مكان لأي من أحزاب السلطة ومؤيديها والمشاركين في إفقارنا بيننا. أصلاً لو لم ننزل الى الشارع لما استقالت القوات». يتطور الأمر الى مشادة كلامية لا تلبث أن تخمدها «ثورة» الفنانة مايا دياب. وصلت الأخيرة في سيارة فاخرة، صعدت على ظهر السيارة تلوّح بالعلم اللبناني. انتقلت بعدها الى «العالم الآخر»، الى ظهر «الفان» المتواضع حيث أحاطها الشبان بشغف، لتمسك الميكروفون. ألقت كلمة بالجماهير؛ الجماهير المتعطشة الى من يخطب فيها، ومستعدة للتصفيق والتكرار وراء أي كان... ووراء مايا دياب أمس.

بنظر العونيين الحاضرين، الانفجار الشعبي قد يحفّز انطلاق الإصلاح

البارحة أيضاً، حضر بعض العونيين الى المكان. ربما كانوا هنا قبلاً، ولكن من دون «الكشف عن هويتهم» السياسية. الرئيس ميشال عون خط أحمر ولو أنه «خيّب آمال من آمن بالجنرال الآتي لقلب الطاولة منذ ثلاث سنوات، لا اليوم». بنظرهم، الانفجار الشعبي جيّد ومطلوب وقد يكون المحفز لانطلاق الإصلاح الحقيقي. لم تعد نظرية «جرّبنا وما خلونا» تُرضي الحاضرين: «يا اشتغلوا وسمّوا الفاسدين واحبسوهم، يا استقيلوا هلق». كلام العونيين الحاضرين كان على قدر «حرقة القلب». يصعب تصديق سقوط أيقونتهم التي رفعوها إلى مصاف القداسة، ويصعب عليهم أكثر سماع الشتائم الموجهة إليه. فعلياً، ثمة نبض تغيّر في الشارع المتني، مع انضمام بعض مناصري الأحزاب المتحمسين للتغيير اليهم. لم يعد الكتائبيون يحتكرون الساحة وحدهم الى جانب الأهالي الكافرين بالسلطة وأحزابها وكل منتجاتها. جسر جلّ الديب امتلأ بالكامل. القوى الأمنية تراقب عن بعد، وقد تمركزت على الطريق البحرية الموازية للأوتوستراد الذي تحّول الى موقف للسيارات. القواتيون والعونيون والكتائبيون جزء من الاعتصام، لكن الجزء الأكبر هو لحاملي شعار الـ«كلن يعني كلن». يريد هؤلاء كل شيء: «الكهرباء والطبابة والعلم المجاني واسترداد الأموال المنهوبة، وسجن كل الطبقة السياسية وأزلامها ومتعهديها ورجال أعمالها ومصرفييها، واستقالة «المتسبب الأول في إفقارنا واللعب بعملتنا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، واستقالة الرؤساء الثلاثة وعدم ترشح أي من نوابهم ووزرائهم الى الانتخابات مجدداً أو الامساك بأي موقع». لا ثقة ولا ورقة إصلاحية ولا تنازلات ولو كانت على شاكلة «لبن العصفور». لن يخرجوا من الشارع قبل انهيار الهيكل! إنها الثورة، يقولون.

تعليقات: