محاذير الانهيار المالي تكبر وتضغط لحل سريع


فيما طوت “انتفاضة الغضب” أمس يومها الـ 12 وسط زخم تصاعدي لم تقلّله منه كل المحاولات الجارية لتعديل بعض مساراتها مثل فتح الطرق الرئيسية والاكتفاء بالتجمعات الضخمة في الساحات، بدا واضحاً ان معالم القلق من الاستحقاق المالي الجاثم بقوة فوق مجمل المشهد الداخلي تقدمت بقوة الى واجهة الاولويات الاكثر الحاحاً وسخونة واثارة للمخاوف. واذا كان من دليل بارز على اتساع معالم المخاوف من الوضع المالي الذي تثار سيناريوات مختلفة ومتناقضة حياله بعد ان تعاود المصارف فتح أبوابها المقفلة منذ بداية الاحتجاجات في 17 تشرين الاول الجاري، فهو الاصداء القلقة التي ترددت أمس عقب توزيع تصريحات لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى محطة “سي ان ان” الاميركية للتلفزيون والتي تحدث فيها عن “أيام” تفصل لبنان عن “انهيار مالي”، قبل ان يسارع الحاكم الى التوضيح انه لم يتحدث عن أيام للانهيار وانما لضرورة ايجاد حل للازمة القائمة.

ومع ذلك، فان الواقع السياسي الذي يغلف الازمة لا يبدو عاملاً مشجعاً على الاطلاق لتوقع فتح ثغرة في جدار لا يزال يفصل بين السلطة السياسية والمحتجين المتمسكين بتصعيد الاحتجاجات وزيادة الضغط بغية اسقاط الحكومة كخطوة أولى نتيجة لانتفاضتهم. وتحولت المواجهة تدريجاً بفعل التطورات المتلاحقة في الايام الاخيرة الى مبارزة هي أشبه بالعض على الاصابع، اذ يبدو بعض قوى السلطة مراهناً على وهن المنتفضين وتوظيف نقاط الحساسيات بين الناس والمحتجين، خصوصاً في ما يتعلق بقطع الطرق. أما المحتجون، فلا يبدو انهم في صدد التراجع أو اظهار أي مؤشرات لحلحلة مسارات الاحتجاج، خصوصاً منها قطع الطرق خشية افادة السلطة من أي مرونة محتملة واجهاض كل المكتسبات التي حققتها الانتفاضة حتى الآن والتملص من الثمن السياسي الذي يفترض ان تدفعه السلطة في النهاية كمدخل لا مفر منه لاي حل ممكن.

وسط هذه المعادلة لا يشكل بروز القلق من انهيار مالي محتمل أمراً طارئاً لان هذا القلق سابق بمدة طويلة لنشوء الانتفاضة ولا يجوز القول إنه نشأ معها. لكن تسارع التطورات من غير ان تظهر أي مؤشرات منذ 12 يوماً لملامح مخرج للازمة بدا بدوره عامل تسريع للاخطار المحدقة بالواقع المالي وما يمكن ان يحصل في الايام الاولى من فتح المصارف بعد فتح الطرق، علماً ان ثمة قراراً واضحاً لدى جمعية مصارف لبنان بالتنسيق مع حاكم مصرف لبنان بالاستمرار في اقفال المصارف الى حين فتح الطرق. وتتصل المخاوف بوضع الليرة ازاء الدولار كما بالتحويلات المحتملة الى الخارج وتأثيرهما على الوضع النقدي. وهو الامر الذي يفترض ان يشكل العامل الضاغط الاقوى على السلطة لاستعجال الحل السياسي الذي يرضي الجمهور العريض للانتفاضة، كما يفتح الطريق لاجراءات فعالة تهيأت حاكمية مصرف لبنان كما المصارف لتنفيذها ومن شانها تخفيف وطأة التأثير السلبي المتوقع للازمة على الواقع المالي.

وفي هذا السياق أبلغ الحاكم سلامة “رويترز” أمس أن لبنان في حاجة إلى حل سياسي للأزمة التي تعيشها البلاد خلال أيام من أجل استعادة الثقة والحيلولة دون انهيار اقتصادي في المستقبل.

وقال إن عنوانا نشرته “سي إن إن” أمس لا يتماشى مع ما قاله في مقابلة معها. وأوضح أنه “لا أقول إننا في صدد انهيار في غضون أيام. أقول إننا في حاجة إلى حل خلال أيام لاستعادة الثقة وتفادي حدوث انهيار في المستقبل”.

وكانت “سي إن إن” أوردت ان “لبنان على بعد أيام من انهيار اقتصادي”. ولدى سؤالها الحاكم سلامة عن ذلك، أجاب: “إنها مسألة ايام لان الثمن كبير على البلاد والاهم على عامل الثقة اليومية. المصارف مقفلة والاصول الحقيقية للبنان هم اللبنانيون العاملون في الخارج واذا لم توجد الحلول التي تعطي الامل في المستقبل، فان هذه التحويلات التي يعتمد عليها لبنان ستنخفض ومن أجل ذلك نحتاج الى حل فوري”.

وأكد سلامة لـ”رويترز” أن المصارف ستفتح أبوابها “فور أن يهدأ الوضع. لم نطلب منهم الاقفال”. وأفاد أن ربط العملة المحلية بالدولار سَيُصان وأنه “لن تكون هناك قيود على حركة الأموال أو خفض لقيمة الديون” عندما يعاد فتح المصارف.

وقال صندوق النقد الدولي إنه يعكف على تقويم حزمة إصلاحات طارئة أعلنها رئيس الوزراء سعد الحريري الأسبوع الماضي، لكنها أخفقت في تهدئة غضب الرأي العام أو طمأنة المانحين الأجانب.

وسئل سلامه عن التوجه إلى صندوق النقد أو مؤسسات مالية دولية أخرى طلباً للمساعدة، فأجاب إن على الحكومة أن تقرر.

وبدا واضحاً أمس ان تمايزا بدأ يتصاعد بين رئيسي الجمهورية والحكومة حيال الحلول السياسية المحتملة، اذ رأت مصادر “بيت الوسط” أن لا مخارج جدية حتى الساعة بعيداً من اجراء نقلة سياسية نوعية لا توفرها الا اعادة النظر في الواقع الحكومي، وان الرئيس الحريري يعمل على هذا الخط. واضافت ان “الرهان على الوقت لفرض معادلات سياسية معينة أمر غير مفيد والكلام عن معادلات وتوازنات يؤدي الى تعقيد الامور وليس الى حلها”. ولاحظت ان “الحل سياسي في نهاية الامر ولا مجال لاي حل أمني والحريري مع فتح الطرق ولكن من دون مواجهة مع المتظاهرين بل بالتفاهم معهم اينما استطاعوا”. وأكدت أن الرئيس الحريري يعمل على خط الحل السياسي وضرورة ترجمة الدعوة التي صدرت عن بعبدا لإعادة النظر في الوضع الحكومي ترجمة عملية، فالبلد لم يعد يحتمل المزيد من الانتظار وهدر الوقت وانه لا بد من مقاربة توازن بين صرخة الشارع ومقتضيات المصلحة الوطنية.

واشارت الى إن الحراك حقق أهدافا أساسية أهمها سلمية التظاهر، وقد لاقت السلطات الأمنية والعسكرية هذه السلمية بإجراءات لحماية التحرك والتأكيد أن فتح الطرق هو مسألة حيوية أساسية، ولا يجوز أن يتحول بند إقفال الطرق إلى بند إشكالي بين السلطات والمتظاهرين. وسئلت المصادر عن طرح بعبدا معايير موحدة لأي تبديل حكومي، فأصابت بان طرح المعايير بهذا الشكل هو مشاريع إشكالية لا مشاريع حلول والحريري يحتفظ بموقفه الذي يحمي المصلحة العامة ويمنع التدهور ويؤمن سلامة الاقتصاد.

تعليقات: