استعادة الدور السوري عبر الممر الايراني

حسين عبدالله
حسين عبدالله


بعد ثلاث سنوات على انسحاب سوريا من لبنان

منذ ثلاث سنوات أخرج الجيش السوري من لبنان في سياق هجوم سياسي امريكي كبير ضد سوريا مشابها لهجوم واشنطن على نظام صدام حسين في اوائل التسعينات مع فارق ان الامريكيين حاصروا النظام العراقي السابق عسكريا وبدأوا الحرب ضده على كافة الصعد وصولا لاسقاطه في العام 2003، بينما هجومهم على النظام السوري مايزال في اطاره السياسي العنيف. فواشنطن تلاعب السوريين بقساوة وخشونة من اجل تهذيبهم وتاديبهم لحملهم على الانخراط الايجابي في الخريطة السياسية الامريكية في المنطقة وفك ارتباطهم بايران، اي ان الهدف الامريكي احتواء النظام السوري وليس كسره لان البديل مرعب ومخيف وهو خليط من حركات متطرفة وتنظيمات ارهابية. و لم يكن الامريكي عندما دفع اخر جندي سوري في نيسان ابريل عام 2005 الى خارج الحدود اللبنانية يريد اعادة تشكيل معادلات التسوية مع سوريا في لبنان، وانما القول لدمشق ان زمن الصفقات قد بات من الماضي خصوصا بعدما اصبح شريكا مباشرا في سياسة المنطقة ، فسوريا من وجهة النظر الامريكية دولة تلعب تحت سقف النظام العالمي ولكنها مشاكسة لتحسين موقعها في النظام ، فهي ارتضت السلام مع اسرائيل و اصبح خيارها ولم تعد دولة متمردة عليه وترى ان ازالة اسرائيل من الوجود خيارها، لكن سوريا تربط إشهار السلام مع اسرائيل وترجمته بالانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان المحتلة، وهو ما يمكن القول الوصول الى النقطة التي وصل اليها الرئيس المصري السابق انور السادات الذي استعاد سيناء بكامب ديفيد.

فالاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 انتج القرار 1559 الخاص بلبنان عام 2004 والذي يقول بترتيب الواقع اللبناني بما يتوافق مع المستجدات في المنطقة وعدم بقاء لبنان مصدر قوة لسوريا تهدد بها المشروع الامريكي فطالب بانسحاب الجيوش الغريبة من لبنان وهو يقصد بالتحديد الجيش السوري ونزع سلاح المليشيات اي سلاح حزب الله. وقد نجح الامريكيون في حمل سوريا على تنفيذ البند الاساسي في القرار وهو اخراج جيشهم من لبنان لكنهم اصطدموا بعقدة سلاح حزب الله المستعصية والمتشابكة مع الوضع اللبناني بشكل يصعب حلها دون فكفكة ازمات المنطقة بشكل كامل.

واذا كان اغتيال الرئيس الاسبق للحكومة رفيق الحريري قد اطلق شرارة الرحيل السوري من لبنان على خلفية تغير الاوضاع وتبدلها وانتهاء مرحلة وضع القبضة السورية على لبنان الا ان الكباش الامريكي السوري كان قد بدأ بعد اتهام واشنطن دمشق بفتح حدودها امام المسلحين للتدفق الى العراق وفتح جبهة ضد الامريكيين متلاقين في ذلك مع الايرانيين وهو مالاترضاه واشنطن سياسيا وعسكريا لانها كانت ترفض اشراك احد في القرار حول العراق.

وامتد الاشتباك السياسي الامريكي السوري الى الاراضي الفلسطينية حين دعمت دمشق الحركات المناهضة لعملية السلام ووقفت الى جانبها في مواجهة السلطة الفلسطينية، في حين كان السوريون يحاولون تشديد قبضتهم على لبنان من خلال اضعاف المناهضين لهم او التواقين الى صياغة قرار لبناني خارج التاثير السوري. لكن التطورات اللبنانية الدراماتيكية ولاسيما اغتيال الرئيس الحريري اسقطت الورقة اللبنانية من اليد السورية فلم يعد السوري لاعبا وحيدا في الملف اللبناني ولم يعد صانع تسويات وصفقات داخلية تمكنه من بناء النظام السياسي والامني وفق متطلبات دوره الاقليمي ، وانما تحول الى فريق في السياسة اللبنانية ينافسه الايراني فيها. والمشكلة التي اوصلت السوري الى ذلك انه لم يحاول على مدى ثلاثة عقود استثمار المعطيات اللبنانية السورية بشكل صحيح مسقطا على اللبنانيين سياسة القمع السياسي وتحول الذين كانوا متنفذين الى سماسرة وابرام الصفقات التجارية على حساب المواطن اللبناني ولقمة عيشه. لقد اخطأ السوريون خطأ مميتا بادارتهم الملف الللبناني بالفساد وتركيب المعادلات السياسية وفق مصالحهم. وليس وفق مصالح لبنان الحر السيد المستقل.

هذا الخطأ الاستراتيجي حوّل السوريين في نظر شريحة لبنانية الى قوة قمعية ان لم نقل الى قوة احتلال وباتت دمشق بالنسبة لهم مصدر الازمات مع انها وبيروت ذات تاريخ واحد ومصالح تاريخية مشتركة. وعوضت دمشق عن خروجها العسكري من لبنان عبر تقوية علاقتها بحزب الله القوة العسكرية الاستراتيجية في المنطقة والعدو الاشرس لتل ابيب وواشنطن على خلفية النصر الذي حققه الحزب على الاسرائيليين في حرب تموز والتي تسعى وسعت الى استثماره في تموضع سياسي جديد في المنطقة يعيد الاعتبار للدور الاقليمي السوري لكنه بحاجة دائمة للدعم الايراني. فحزب الله بات يهدد اسرائيل بجدية فهو يمتلك صواريخ تغطي الغالبية الساحقة من اراضيها كما يقول امينه العام السيد حسن نصرالله وهذا يعني ان مشروعها في المنطقة يواجه خطرا كبيرا وبات مهددا كما هو المشروع الامريكي من ايران وحزب الله وسوريا . فالسوريون اليوم يشتبكون مع الامريكيين عبر الازمة السياسية اللبنانية الحادة والتاكيد على انهم لم يفقدوا نفوذهم في لبنان من خلال حلفائهم اللبنانيين ويلاعبون الاسرائيليين على الملعب اللبناني وهم خارجه من خلال مساندة حزب الله والتشديد على ان نفوذهم في لبنان قد ازداد بعد تحررهم من عبء الوجود العسكري لكن ذلك لايصيب كبد الحقيقة فالسوريون حين لايعترفوا بلبنان كدولة مستقلة ذات سيادة ويرتبطون بها بعلاقات وفق النظام الدولي فانهم في القراءة الواقعية يعملون على احياء دورهم المباشر في لبنان وعدم مس اللبنانيين بالمعاهدات التي وقعها السوريون مع لبنان خلال وجودهم على اراضيه فهم حاليا على تنافس مع الدور الايراني وان كانوا حلفاء وهم يخشون دائما الوصول الى نقطة تضارب بين الدورين على ارض لبنان خصوصا وان الايرانيين اكثر قدرة من السوريين على الحركة حاليا في لبنان وتلك هي المسألة لدمشق التي تحاول بعد ثلاث سنوات استعادة ملك اضاعته.

* كاتب لبناني

تعليقات: