تهريب المليارات إلى الخارج: برّي يؤكد والمصارف لا تنفي

كرس مصرف لبنان سعرين للدولار والمصارف اختطفت أموال المودعين (علي علّوش)
كرس مصرف لبنان سعرين للدولار والمصارف اختطفت أموال المودعين (علي علّوش)


تفرّعات الأزمات الاقتصادية والمالية التي دفعت اللبنانيين للنزول إلى الشوارع مرات عديدة، أكبرها حجماً ودلالة هي ثورة 17 تشرين الأول، تصب عند المصارف التي سهّلت وما زالت، خلق الأزمات وتجديدها. ورغم محاولاتها المتكررة لإظهار نفسها بصورة المنقذ، عبر "التسهيلات" التي تعطيها للمواطنين لشراء شقق سكنية أو سيارات أو تأسيس مشاريع انتاجية، إلا أن ما تعتبره تسهيلات، ليس سوى أوهام خادعة. كما أن خداع المصارف يتجلّى بكونها شريكة أو جزءاً من الطبقة السياسية الحاكمة، التي تشرّع لنفسها شق الطرق الاقتصادية لنهب ثروات البلاد وجيوب مواطنيها.

تهريب الأموال

لا مجال هنا لإعادة سرد كامل حيثيات تحكّم المصارف في الحياة اليومية للمواطنين. وكذلك، ليس من الضروري تشتيت الحديث باتجاه إبراز دور المصارف في إيصال البلاد إلى ما هي عليه اليوم. لكن من الضروري متابعة تطورات عمل المصارف في حماية الطبقة السياسية وتسهيل تغطية حركة أموالها. وهي -المصارف- الأمين الموثوق على أموال السياسيين طيلة عقود.

مع انطلاقة التظاهرات في 17 تشرين الأول، وتسليطها الضوء على دور المصارف في هدم اقتصاد البلاد، أعلنت جمعية المصارف إقفال أبواب المصارف "خوفاً من التداعيات الأمنية". لكن الإقفال الذي يخفي حقيقة أزمة شح الدولار، ودخول المصارف في سجالات مع مودعيها، نتيجة عدم قدرتها على تأمين الدولار بالقدر الكافي، شكّل أحد جوانبه فرصة بعيدة عن الأضواء "لتهريب كميات كبيرة من الأموال إلى الخارج" وفق ما أشارت إليه مصادر مصرفية لـ"المدن".

وفي حين لم تدعم المصادر ما تأكدت منه، بوثائق ملموسة، نظراً لحساسية الموضوع وإجرائه ضمن غرف مغلقة ودائرة محددة من الأشخاص، إلا أن مؤشرات كثيرة دلّت على إخراج الأموال، وأكثرها علانية هي مطالبة رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد نحو 40 يوماً على انطلاق التظاهرات وتحذيرها من إخراج الأموال من البلاد، "بعودة أموال البنوك التي أرسلت للخارج". وكان بري قد أكد أمام النواب خلال لقاء يوم الأربعاء 27 تشرين الثاني، أن الأموال المحوّلة إلى الخارج "مقدرة بمليارات الدولارات".

الشعب لم ينسَ

على وقع محاولات أحزاب السلطة حرف مسار التظاهرات، وإجبارها على التحوّل من تظاهرات مطلبية تغييرية إلى تظاهرات طائفية، أو في أحسن الأحوال حزبية، ليسهل التعاطي معها بمنطق المتاريس المتقابلة، انشغل معظم اللبنانيين بالخوف من تصعيد الأوضاع وصولاً إلى حرب أهلية، أو ما يشبهها على مثال 7 أيار جديدة. وبذلك حرفت الأنظار قليلاً عن القضية الأساسية التي تتورط بها المصارف. إلا أن انتشار فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، مسجّل من داخل أحد فروع بنك البحر المتوسط، أعاد التنبيه بأن مكان الأزمة مختلف عن ذلك الذي تحاول السلطة أخذ البلاد إليه.

في الفيديو، ظهر شاب يحاول اختصار الأزمة، انطلاقاً من أحد المصارف الذي يملك رمزية كبيرة في الحياة الاقتصادية اللبنانية. فهذا المصرف يعود لآل الحريري، وما نمر به اليوم من أزمات اقتصادية ومالية، هو تداعيات للرؤية الاقتصادية لرئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، صاحب المصرف المذكور.

وعليه، أكد الشاب أن المصارف "راكمت منذ العام 1992 حتى اليوم، ثروات بمليارات الدولارات، مستفيدة من الدين العام ونهب الشعب اللبناني وخزينة الدولة، والهندسات المالية التي قام بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في مخالفة لقانون النقد والتسليف". وذكّر الشاب أن المصارف تخالف القانون لأنها "ترفض التعامل بالليرة اللبنانية وترفض تلقّي دفعات القروض بالليرة". مضيفاً أن المصارف "تقوم بوضع ضوابط على رأس المال بشكل مخالف للقانون، وترفض إعطاء صغار المودعين حقوقهم وأموالهم، فيما تحمي مليارات السياسيين وكبار المودعين"، مطالباً بـ"فرض ضرائب على المصارف وإعادة هيكلة الدين العام ومصادرة الأرباح التي حققتها المصارف عبر الهندسات المالية".

لا حياة لمن تنادي

لم تكترث المصارف لما يجري في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي، كما لم تسمع ما قاله بري، الذي لم يقصد في الأصل توجيه ضربة للمصارف، ولم يقصد أن يتحول كلامه إلى ما يشبه الإخبار، سواء القانوني أو الشعبي، بل كل ما قصده هو الظهور بموقع المدافع عن المال العام! فيما هو متهم بالفساد مع باقي أطراف السلطة، ومع ذلك لم يبادر إلى أي إصلاح.

الشعب يفترش الطرقات منذ 40 يوماً، وسياسيوه يناقشون التحاصص الحكومي، فيما المصرف المركزي شقّ الطريق لولادة سعرين لصرف العملة، أولهما داخل المصارف وثانيهما خارجها. أما المصارف، فلا تتعب نفسها بالالتزام بالقوانين، فقد وضعت قوانينها الخاصة للتعامل مع مودعيها، فاختطفت أموالهم، وتفاوضهم على آلية الإفراج عنها بالتقسيط، لتصحّ فيها مقولة الأديب الشهيد غسان كنفاني "يأخذون رغيفك ثم يعطوك منه كسرةً، ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم... يا لوقاحتهم".

تعليقات: