يحيى سكاف.. ستون عاماً


من أصل ستين عاماً، هي عمره، أمضى يحيى سكاف 41 عاماً في سجون العدو الصهيوني الذي ما زال حتى الساعة ينكر وجوده، ويرفض تسليم جثمانه اذا كان قد أستشهد، كما يفعل مع كثير من المفقودين لدى الاحتلال ومنهم رفاقنا الستة في تجمع اللجان والروابط الشعبية ابراهيم نور الدين، وبلال الصمدي، ومحمد شهاب، ومحمد المعلم، وحيدر زغيب وفواز الشاهر.

كان يحيى سكاف، رفيق الشهيدة دلال المغربي في عملية كمال عدوان البطولية في 11 آذار 1978، على أمتداد الساحل الفلسطيني المحتل، رائداً على مستويات عدة.

كان رائداً في الأنتفاضة على الأحتلال وهو فساد، وعلى الأحتلال وهو ظلم، وعلى العدوان ظلم.

وكان رائداً في الأنتصار لفلسطين، التي ما استهدفها المشروع الصهيوني إلا ليستهدف من خلالها لبنان وكل قطر عربي.

وكان رائداً في الفعل المقاوم الذي لم تنتصر أمة على أعدائها إلا حين قاومتهم بكل الوسائل التي تملكها...

وكان رائداً في التأكيد على وحدة الأمة كلها التي لا يصاب جزء منه بألم إلا وتهب الأجزاء الأخرى كلها الانتصار له...

يحيى سكاف لن يغيبك الاحتلال مهما طال الزمن فأنت حاضر فينا، حاضر في دم كل شهيد، وفي صرخة كل أسير، وفي راية كل مناضل.

الحرية لك ولكل الأسرى

* * يحيى المعلم - منسق خميس الاسرى

----------- ------------ ------------

40 عامًا على إخفاء الاحتلال ليحيى سكاف.. وثائق تقول مازال حيًا

سأسافر لإجراء عملية في أنفي.. قال يحيى لوالديه ففهما فورا ما تعنيه هذه الجملة، ثم توجه ليودع أقاربه طارقا أبواب منازلهم، من أقصى شمال لبنان إلى أقصى جنوبه، فالعودة هذه المرة تكاد تكون مستحيلة.

ففي مساء (11/آذار/1978)، جلست عائلة سكاف قرب المذياع، تقلب موجاته وتتابع مستجدات العملية الفدائية، عملية نوعية وغير عادية للمقاومة الفلسطينية نفذها مجموعة من المقاومين اللذين تسللوا عبر البحر من لبنان وصولا إلى قلب تل أبيب.

13 فدائيا كانوا بينهم فتاة واحدة، وصلوا بالزوارق المطاطية إلى الساحل الفلسطيني، ليستقلوا مركبة تنقلهم إلى “تل أبيب”، وفي طريقهم خطفوا أول حافلة، ثم حافلة أخرى، ليصبح عدد الأسرى بين أيديهم 63 شخصا، فيما كيان الاحتلال يزداد تخبطا.

نجح الفدائيون (15-20) عاما، بتجاوز الحواجز العسكرية التي نصبها الاحتلال بين حيفا وتل أبيب في محاولاته لإحباط العملية، ثم وصلوا إلى “تل أبيب” وخاضوا المعركة الأخيرة التي استشهد خلالها 11 فدائيا وأصيب اثنان وتم اعتقالهما، فيما اعترف الاحتلال بمقتل 37 إسرائيليا وجرح 82 آخرين.

لم تمض ساعات قليلة، حتى نقلت المقاومة لعائلة سكاف أن نجلها يحيى (17 عامًا) من قرية المنية اللبنانية، هو أحد منفذي عملية كمال عدوان، لتبدأ المعلومات المتناقضة بالوصول إلى العائلة، “يحيى استشهد … يحيى أصيب … يحيى استشهد … يحيى أصيب”.

كان يحيى يختفي لشهور عن العائلة ثم يعود بضعة أيام، ثم يختفي مجددا، هو ما اعتادت عليه العائلة بعد اختيار نجلها درب المقاومة، ليبقى الأمل حيا بأن يعود يحيى مجددا لها، ثم تمضي (39 عامًا) ويحيى لم يعد حيا أو شهيدا.

يروي شقيقه جمال سكاف لـ قدس الإخبارية، “التحق يحيى بالمعسكرات التدريبية لوحدة العاصفة التابعة لحركة التحرر الوطني “فتح” من منطلق إيمانه بعدالة القضية الفلسطينية، ليغيب في التدريبات العسكرية شهورا طويلة، ثم يعود بزيارات خاطفة للعائلة”.

ويضيف جمال، “يحيى شارك بعملية كمال عدوان برفقة فدائيين آخرين بقيادة الشهيدة دلال المغربي، حيث أصيب بالعملية ثم فقد أثره ولم نعد نعلم ما حل به”. سنوات مضت والعائلة ما تزال تبحث عن “طرف خيط” لمعلومة بسيطة عن نجلها المختفي، إلا أنها تؤمن أن يحيى الذي يبلغ اليوم (56 عاما) ما زال على قيد الحياة متحجزا في أحد سجون الاحتلال.

مازال حيا

“نمتلك وثائق ومعطيات عديدة تؤكد أن يحيى أصيب خلال العملية ثم اعتقل ونقل إلى إحدى معتقلات الاحتلال”، يؤكد جمال ذلك، فمن أول تناقض علق يحيى بين الحياة والموت، تمسكت عائلته بالخيار الأول باحثة عن كل الدلائل التي تؤكد أن يحيى أسير وليس شهيد.

ويوضح جمال أن العائلة خاضت معارك طويلة امتدت لسنوات حتى استطاعت انتزاع وثيقة من الصليب الأحمر تتضمن شهادات لأسرى فلسطينيين التقوا مع يحيى في سجون الاحتلال، كالأسير المحرر إسماعيل حسين، ومحمد أبو الرائد وجمال عدنان محروم.

ويؤكد الأسير المحرر إسماعيل حسين في شهادة أدلى بها في الأول من نيسان 1994، أنه التقى مع يحيى في معتقل عسقلان عام 1987 وبقي معه لشهرين، مشيرا إلى أنه كان يعاني من فقدان في الذاكرة.

كما أكد محمد أبو الرائد في شهادة له أنه التقى بالأسير يحيى سكاف بالسجن وقد كان يعاني من إصابة في رأسه أدت إلى فقدانه الذاكرة، مبينا أنه عانى من وضع نفسي صعب نتيجة تعرضه للتعذيب القاسي.

وجاء إدلاء أبو الرائد بهذه الشهادة بعد مروره عن صورة تتضمن مجموعة صور للشهداء منفذي عملية كمال عدوان وكان اسم يحيى سكاف من بينهم، وهو ما دفعه للتأكيد بأن يحيى ما زال على قيد الحياة وقد التقى به.

نضال لاستعادة الشهيد الحي

توفيت عائشة سكاف والدة يحيى عام 2004 بعد أن عاشت (25 عامًا) على أمل لقاء نجلها؛ متعقلة بشهادات الأسرى التي وصلت العائلة، وحملت خلال ذلك قضية يحيى متوجهة لكل المحافل، وقد طرقت كل الأبواب الممكنة عسى أن تساهم في عودة نجلها، إلا أن الآذان صمت عن قضية يحيى الذي بات بنظرها عودته محالة.

ومايزال جمال يذكر جيدا عندما تجول مع شقيقه في مخيم نهر البارد بعد تعرضه للقصف، حيث كانت أشلاء الشهداء في الأزقة والشوارع، فيما أصبحت منازل المخيم البسيطة ركام. يقول، “كانت الطائرات ما زالت تقصف في المخيم، عندما أصر يحيى على دخوله وقد تأثر كثيرا بالمشاهد التي رآها وبالظلم الذي يلحق بالفلسطيني”.

جمال ومنذ توفيت والدته ورث عنها قضية شقيقه يحيى، “الوالدة كانت المحرك الأساسي والرئيسي لقضية يحيى خاصة، كما كانت تعتبر كل الأسرى أبناءها وهو ما كانت تردده دائما في كل المحافل التي كانت تشارك بها دعما للأسرى في سجون الاحتلال”.

وقبل وفاتها تركت الأم لأبنائها وصية واحدة؛ وهي متابعة ملف شقيقهم يحيى والبحث عن أي معلومات جديدة عنه توصلهم إليه.

ويقول جمال، “سنويا كانت أمي تحتفل بعيد ميلاد يحيى وكأنه موجودا بيننا، وتصر دائما أن لا يغيب ذكره عن أي اجتماع، وأن يكون حاضرا في كل مناسبة أو محفل”، مبينا أنه وأشقاءه ورثوا إصرار والدتهم، ويحرصون دائما على المشاركة بأي فعالية تضامنية مع القضية الفلسطينية في لبنان.

وعن الجهود التي بذلت لاستعادة يحيى، يؤكد جمال أن الحكومة اللبنانية لا حراكا جادا لها في هذا الملف، فلم تدفعها الشهادات التي تؤكد وجوده في سجون الاحتلال لبذل أي جهود إضافية للضغط والإفراج عنه، مشيرا إلى أن المقاومة اللبنانية أكدت مرارا أن قضية يحيى هي جزء من قضية المقاومة التي لن تتخلى عنها.

وادعت دولة الاحتلال عام 2008 أنها سلمت رفات يحيى سكاف وأنه استشهد خلال عملية كمال عدوان، إضافة لرفات الشهيدة دلال المغربي، وذلك ضمن صفقة تبادل الأسرى التي جرت بين “إسرائيل” وحزب الله، فيما يؤكد جمال أنه وبعد إجراء فحص الحمض النووي للرفات تبين أنه ليس ليحيى.

في 22 كانون ثاني 2011، نشرت وزارة الأسرى الفلسطينية تقريرا تفصيليا عن رفض محاكم الاحتلال إغلاق مركز التحقيق السري “1391”، حيث يتعرض الأسرى لأخطر واقسى أنواع التعذيب والقتل بعيدا عن الإشراف الحقوقي الدولي، مؤكدة أنه ليس السجن السري الوحيد في دولة الاحتلال، حيث يوجد سجون أخرى يرفض الاحتلال الإفصاح عن مكان وجودها أو عددها، أو عدد تعتقلهم فيها.

وأكد البيان حينها وجود العديد من الأسرى والمفقودين الفلسطينيين والعرب الذين اختفوا منذ عام 1967، ولا يعلم أحد بمكان وجودهم أو مصيرهم، وأن سلطات الاحتلال تواصل نفي وجودهم داخل سجونها أو حتى تقديم معلومات عن مكان اختفائهم.

فيما أشارت بعض اعترافات قادة إسرائيليين إلى أن السجون السرية هي عبارة عن ثكنات وقواعد عسكرية وقواعد تابعة لـ”سلاح الجو الإسرائيلي”، حيث انها منشآت محصنة بشكل تام وجيد، وبعضها يعود لحقبة الانتداب البريطاني وبعضها الآخر استحدثه الاحتلال.

بحث وتتبع مستمر، ولا جديد في ملف يحيى سكاف ومفقودين آخرين حتى الآن، ورغم أن كافة الأطراف تغض نظرها عن فتح هذا الملف والنقاش فيه او فتحه على طاولة المفاوضات والمباحثات، إلا أن عائلة سكاف مازالت تعيش على أمل بعودة نجلها يوما ما.

* المصدر: شذى حماد – قدس الاخبارية







تعليقات: