جديد فساد أوجيرو: انتفاعات لقضاة وضباط وعقود لتبديد الأموال


يتلازم الفساد مع المؤسسات العامة كتلازم النار والدخان. وبالتوغّل أكثر نحو ثقافة ما سُمّي بالعصر الجاهلي، نقول أن البعرة تدل على البعير. فأينما وجدت مؤسسة عامة أو عمل له طابع عام، وُجد الفساد من أعلى الهرم إلى أسفله.

وهيئة أوجيرو من المؤسسات التي يسرح فيها الفساد ويمرح، من العقود إلى التوظيفات والمشتريات وبونات البنزين والسيارات.. واللائحة تطول. حتى صحَّ القول بأن أوجيرو إحدى امبراطوريات الفساد، حالها كحال مؤسسة كهرباء لبنان.

والحال أن الفساد أصبح بنيوياً متجذراً، لم يعد باستطاعة موظف أو مجموعة موظفين، محاربته أو استئصاله، بل حتى المدير العام كمنصب وسلطة، أيّاً كانت هوية شاغله، إن أراد محاربة الفساد، لاستُئصِلَ من مركزه فوراً بهِمَّةِ وزير الوصاية.

بين الوزارة وديوان المحاسبة

كثيرة هي الملفات التي يمكن بواسطتها الحديث عن هيئة أوجيرو. ومؤخراً، اختار النائب في كتلة "الجمهورية القوية"، انطوان حبشي، ملف عقود الصيانة والتشغيل. فكشف عبر موقع تويتر أن "أوجيرو أنفقت طيلة عام 2019 ما تبقى من أموالها للقيام باعمال الصيانة والتشغيل لصالح وزارة الاتصالات خارج أي عقد موقع مع الوزارة. أوجيرو تستدرك نفسها محاولة الحصول على موافقة ديوان المحاسبة على عقد في أواخر العام 2019. هل سيمنحها قضاة ديوان المحاسبة صك غفران غير مستحق؟".

ما تحدث عنه حبشي تؤكده مصادر في وزارة الاتصالات. إذ تطرح المصادر في حديث لـ"المدن" تساؤلات حول "شكل العقود وكيف تم وضعها". وتذكّر المصادر بعقد المصالحة بين أوجيرو ووزارة الاتصالات على أيام الوزير السابق جمال الجراح "أين أصبح العقد؟ ولماذا صرفت أوجيرو المال قبل ابرام العقد". وترى المصادر أنه "من الطبيعي أن يقف ديوان المحاسبة عند هذه النقاط، فكيف لأوجيرو أن تصرف أموالاً من دون عقد رسمي واضح؟".

المشكلة الأكبر بالنسبة للمصادر، هي أن "ديوان المحاسبة غائب عن السمع. وهناك عدم انتظام في آلية عمل المؤسسات والأجهزة الرسمية، من الوزارات إلى كل الإدارات والمؤسسات. ومشكلة عقود أوجيرو يدخل فيها إلى جانب الفساد داخل الهيئة، مماطلة الوزراء في توقيع العقود، سواء وزراء الاتصالات المتعاقبين، أو وزراء المالية لجهة تحويل الاعتمادات لتنفيذ العقود في حال توقيعها، وهو ما يدفع أوجيرو إلى استعمال ما توفّره من أموال، لاجراء الصيانة واعمال التشغيل وما إلى ذلك".

أوجيرو في هذه الحالة تسيّر مصلحة عامة، لكن في الوقت عينه "كيف تقبل بتنفيذ مهمة دون عقد رسمي يسمح لها ذلك، أما تسيير مصلحة المرفق العام، فهو قرار يتخذه الوزير". لذلك تدور أوجيرو كمؤسسة، في دوامة مفرغة من الحاجة والفساد.

أما الحديث عن رقابة ديوان المحاسبة، فتستعين المصادر في تعليقها على الرقابة بالمثل الشعبي القائل "تخبز بالأفراح"، أي لا طائل من الاتكال على هذه الرقابة. لكن مع ذلك، لا تخفي المصادر شكوكها حول عدم ارسال أوجيرو تقاريرها للديوان، وحول ما اذا كانت التقارير في حال إرسالها، تُنظَر من قِبَل الديوان أم يتم تخزين التقارير في الأدراج.

الديوان بالنسبة إلى المصادر، غير موجود سوى بالشكل. فعلى سبيل المثال، "هناك لجنة في الديوان اسمها لجنة المراقبة السنوية على المؤسسات العامة، وهي لجنة مهمتها مراقبة نشاط المؤسسات العامة، لكنها لم تُشكَّل منذ العام 1980". وكل ما يمكن للديوان فعله بحسب المصادر هو "التدقيق في عقد أو معاملة محددة، من دون إجراء رقابة نظامية على كامل الحسابات والنشاطات".

سيارات وبنزين

ليس بالعقود وحدها يحيا الفساد. فالنائب حبشي أشار أيضاً إلى أن سيارات الخدمة في أوجيرو تُستَعمَل لأغراض شخصية من قِبَل موظفين ونواب ووزراء وقضاة وضباط، بالإضافة إلى المدير العام للهيئة، وهذا ما شكّل محور الكتاب الذي أرسله حبشي لوزير الاتصالات محمد شقير، ليستوضح منه كل تلك التفاصيل. خاصة وأن استعمال السيارات، وفق حبشي، يترافق مع اجراء صيانة دورية للسيارات على حساب الهيئة، فضلاً عن حصول المنتفعين على بونات بنزين على حساب الهيئة. وهو ما لا تنفيه المصادر، التي تؤكد أن "هذه الاجراءات ليست جديدة، وانما هي تقليد متّبع منذ أيام رئيس الجمهورية الأسبق اميل لحود، حين كان عدد كبير من الموظفين والعسكريين التابعين للحود والفريق السياسي الحاكم يومها، يستفيدون من سيارات هيئة أوجيرو ومن الصيانة والبنزين".

كريدية ينفي ويتحدّى

نفى المدير العام لهيئة أوجيرو عماد كريدية ما أورده حبشي، ووضع ما أثاره النائب القواتي في إطار "عدم المعرفة". ودعا كريدية حبشي إلى "تكليف خاطره والاتصال بديوان المحاسبة وسؤاله عن كل عقود أوجيرو". وفي حديث لـ"المدن" أكد كريدية أن "أوجيرو عليها رقابة لاحقة من ديوان المحاسبة".

وعن العقود عموماً، يصر كريدية على أن لا عقود بالتراضي جرت في أيام وجوده على رأس إدارة الهيئة، فكل العقود "تجري عبر المناقصات واستدراج العروض، ولا يوجد شيء بالتراضي". أما عن السيارات، فهذه "أخبار غير صحيحة".

يتحدّى كريدية أي احد لاثبات عكس ما يقوله، ويدل على النيابة العامة المالية لتكون قناةً لاثبات صحة ما تقوم به الهيئة، لأن "فرق التفتيش تحصل على أذونات النيابة العامة المالية، أي أن أعمالنا محمية بالقانون". وبين أوجيرو والنيابة العامة المالية "أرقام هواتف رباعية للاتصال السريع والتواصل بشكل مباشر. ولا مجال للامتيازات لأحد خارج أصول العمل".

ويؤكد كريدية أن "هناك الكثير من المخالفات كانت موجودة من قبل، لكننا عملنا على إزالتها". ويضع ما يقوم به حبشي في إطار "النَكَد السياسي بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية. فالطرفان ينقلان خلافاتهما السياسية إلى المؤسسات العامة".

بانتظار الديوان

خلص كريدية إلى أن هيئة أوجيرو باتت "نظيفة". لكن التأكد من ذلك يبدأ من ديوان المحاسبة الذي نصّبه القانون حارساً على المال العام، ليسهر على حمايته وحفظه. والمؤلم أن الديوان لا يتحرك إلاّ بخجل في الملفات التي تُكشّف على الإعلام بصورة لا يمكن التغاضي عنها. غير أن انكشاف الأزمات بعد وقوعها، من دون تطبيق آليات استباقها ومنع حدوثها، وبالتكافل مع الفوضى في الإدارة السياسية للبلاد، تصبح الرقابة اللاحقة مستحيلة جرّاء تعقيد الملفات وتداخل المسؤوليات. لذلك من يريد محاربة الفساد عليه أن يبادر للعمل على استنهاض المؤسسات الرقابية، التي تشكل المدخل الأصح للكشف والتدقيق والمراقبة.

تعليقات: