صبحي القاعوري: الخلافة العثمانية والأرمن


اليوم ذكرى إبادة الأرمن في العهد العثماني ، وكثير منَّا يعتبر أن الخلافة العثمانية الإسلامية هي المسؤولةعن هذه الإبادة ، ولكن الواقع خلاف ذلك .

في عام 1876 استلم السلطان عبد الحميد الثاني زمام الحكم في الدولة العثمانية التي كانت تسمى حينهابـ “الرجل المريض”.

ولهذا السبب لم يستطع السلطان عبدالحميد الإصلاح لضعف الدولة ولوجود خيانات وانشقاق دويلاتفضلاً عن موقف الأوروبيين من الدولة العثمانية ، حيث كانوا يخططون لنهاية الخلافة العثمانية الإسلاميةالى الأبد خاصة وكانوا يعلمون بأن الماسونية تحارب كذلك السلطنة من داخل مؤسساتها حيث انتشررجالها في مراكز حساسة وهم يهود من الدونمة قد اشهروا اسلامهم للعمل من داخل الدولة على ضعفها ،وكانت شوكتهم قد تغلغلت في مرافق الدولة ، ولكون الدولة ضعيفة وموقف الأوروبيين منها تقدم الصهاينةبكل جرأة من السلطان عبدالحميد تطالبه ببيعها فلسطين، وهو الطلب الذي رفضه السلطان في موقفتاريخي شهير سُجِّل في سيرته.

وبالرغم من هذا الموقف المشرف لم يلاق السلطان اي دعم من الدول العربية التي كانت هي تخطط " للثورةالعربية " وإعلان الحرب على تركيا ، تدفعها في ذلك بريطانيا التي وظفت رجل مخابراتها توماس ادواردلورانس والذي عرف فيما بعد ب " لورانس العرب " والذي هيأ جميع الظروف لبسط سلطة بريطانيا بإحتلالالمنطقة العربية بعد أن كسب ود الشريف حسين في جزيرة العرب وتحالف معه ، كما ورد فى كتاب “ثورة فيالصحراء”. وهو نفسه لورانس الذي قال متحدثًا عن سياسة بريطانيا في تلك المرحلة: “لقد وضعنا بمهارةمكة في مواجهة استانبول والقومية ضد الإسلام”. وقال في مناسبة أخرى: “علينا أن ندفع بالغرب لانتزاعحقوقه من تركيا بالعنف … لأننا بهذا نقضي على خطر الإسلام وندفع به ( أي الإسلام) لإعلان الحرب علىنفسه وبذلك نمزقه من القلب، إذ ينهض في مثل هذا الصراع خليفة في تركيا، وخليفة في العالم العربي،ويخوض الخليفتان حربًا دينية، وبذلك يُقضى على خطر الخلافة الإسلامية بصورة نهائي

لقد شكلت مجموعة من المعارضين للسلطان عبدالحميد جمعية أسمتها تركيا الفتاة ، وظهر تنظيم الاتحادالعثماني، وهو جناح سري تشكل من الضباط العثمانيين المعارضين بقوة للسلطان عبد الحميد الثاني.

ثم ما لبثت أن توحدت جمعية تركيا الفتاة مع تنظيم الاتحاد العثماني في عام 1906 لتشكيل منظمة جديدةهي جمعية الاتحاد والترقي.

من جانبها تمكنت جمعية الاتحاد والترقي الماسونية من تغيير الدستور وتغيير نظام الدولة ووصلت قوتهافي عام 1909 إلى خلع السلطان عبد الحميد الثاني في مشهد يكشف درجة تغلغل الصهيونية في البلاد،حيث تقدم رئيس معبد سالونيك الماسوني اليهودي “عمانوئيل قره صو” ليسلم السلطان باليد قرار عزله،وتم تعيين محمد رشاد سلطانًا للدولة العثمانية بدلًا من السلطان عبد الحميد الثاني الذي نفي إلى مدينةسالونيك.

في عهد السلطان عبد الحميد كان للأرمن وزيراً في الدولة وعددهم كان في عهد الخلافة العثمانية لا يتجاوزالمليونين ، وبتشجيع من الدول الأوروبية قام الأرمن بارتكاب مذابح بشعة ضد المسلمين القرويين، حيث بقروابطون الحوامل وقتلوا النساء، وقطعوا عورات الرجال وحرقوا المساجد، ولم يجد عبد الحميد بُدًا من مواجهةهذا الإرهاب الصليبي، فشنت بالتالي الصحافة الغربية حملة شعواء عليه ووصفته بالسلطان الأحمر.

كذلك عمل السلطان على تشكيل فرق من الأكراد لحماية المسلمين العزل في الأناضول عرفت بأفواج الخيالةالحميدية. ويقول أحد المؤرخين:

“إن هذه السياسة حافظت على الوجود الكردي والمسلم في الأناضول حتى اليوم”.

لم يكتف الأرمن بإشاعة الفوضى وارتكاب المذابح بحق القرويين، بل قاموا بأعمال شغب في إستانبولنفسها سنة (1313 هـ = 1892م) و(1314 هـ = وبالرغم من هذا لم يرتكب السلطان عبدالحميد اي عملانتقامي من الأرمن واعتبرهم جزء من مكونات الخلافة العثمانية .

بعد نفي السلطان عبدالحميدعلى يد اليهود واستلامهم للحكم بواسطة جمعية الإتحاد والترقي وكانت هذهالجمعية ويهود الدونمة وراء العديد من التهم التي ألصقت بالدولة العثمانية، مثل تهجير الأرمن واضطهادالعرب في بلاد الشام، وحملات التتريك الإجباري للجنسيات غير التركية كالشركس والأكراد والأرمن، فضلًاعلى حربهم الشرسة ضد السلطان عبد الحميد واتهامه بالاستبداد.

ومن بين أبرز ضباط جمعية الاتحاد والترقي الذي اشتهر بجرائمه في الدولة العثمانية جمال باشا السفاحالذي حكم العراق ثم سوريا وحاول أن يحكم مصر أيضًا. وكان ممن تآمروا لعزل السلطان عبد الحميد الثانيمع قائدين بارزين في الجمعية، طلعت باشا وأنور باشا.

وألصقت الجرائم التي نفذها ضباط جمعية الاتحاد والترقي بالدولة العثمانية في حين كان هؤلاء الضباطأنفسهم أعداء لهذه الدولة.

تاريخ الإبادة يبدأ تقليدياً في 24 أبريل من عام 1915، وهو اليوم الذي اعتقلت فيه السلطات العثمانيةوقامت بترحيل بين 235 إلى 270 من المثقفين وقادة المجتمع الأرمن من القسطنطينية (إسطنبول الآن) إلىمنطقة أنقرة، وقتل معظمهم في نهاية المطاف.

هذا يظهر للعيان بأن الخلافة العثمانية لا يد لها في مذبحة الأرمن، حيث سقطت عام 1909 ، ومن قامبالمذبحة جمعية الإتحاد والترقي ويهود الدونمة وعلى رأسهم كمال اتاتورك وجمال باشا


تعليقات: