حسين عبد الله.. «لو كان يَعلم»!


طَغى مشهد تحليق الطائرة الأميركية العسكرية (V-22 Osprey) في الأجواء اللبنانية حاملة معها عامر الفاخوري من مقرّ سفارة واشنطن في عوكر إلى قبرص أو... إسرائيل، ومنها إلى بلاده، طغى على ما عداه من تطوّرات في ملف جزّار معتقل الخيام.

وفق مصادر أمنية مطلعة لموقع "أساس"، يصعب جداً على الجانب اللبناني العسكري التحقّق عبر الرادار من الوجهة التي انطلقت منها المروحية، ووجهتها بعد إنجاز عملية "تحرير" عميل. ورئيس أكبر دولة عظمى، خلال حديثه عن الوباء الذي يجتاح البشرية ويرعب "قائدة العالم"، يجد الوقت الكافي ليشيد بالعملية ولمّ الشمل مع جملة مدروسة، وربما تفضح الكثير، عن "تعاون الحكومة اللبنانية" في هذا الملفّ.

وفق المعطيات، يفترض أن يركّز أمين عام حزب الله حسن نصرالله على مشهد "الاختراق" الأميركي للأجواء اللبنانية، ويشرح مسَار موقف الحزب منذ لحظة توقيف الفاخوري في أيلول الفائت، من دون أن يُعرف حتى الآن إذا كان نصرالله سيذهب أبعد من بيان كتلة "الوفاء للمقاومة" التي طالبت بمحاسبة أعضاء المحكمة العسكرية... على رأسهم العميد الركن حسين عبدالله الذي أعلن صباح اليوم تنحّيه عن رئاسة المحكمة العسكرية.

"الجنرال" في الجيش الذي، كما غيره من الضباط الشيعة الذين يعيّنون في هذا الموقع، نال تزكية الثنائي الشيعي، حركة أمل وحزب الله، قبل صدور القرار عن وزير الدفاع.

ككرة الثلج تدحّرجت فضيحة الفاخوري. هي فضيحة دولة بكل ما للكلمة من معنى. يقول مسؤول سياسي وقانوني بارز لموقع "أساس": "منذ دخوله الأراضي اللبنانية، لم يكن يفترض توقيف الفاخوري. لماذا؟ لأن لا نصّ في القانون الجزائي يدين هذا العميل بعد سقوط عمالته بمرور الزمن العشري. الحجّة الأولى للتوقيف كانت حيازته الجنسية الإسرائيلية ليتبيّن لاحقاً أنّه لا يحملها. فكانت الدعاوى بحقّه عن جرائم قتل وتعذيب. هي الجرائم التي تسقط وفق القانون الحالي بمرور الزمن".

يضيف هذا المسؤول: "لقد تحمّل حسين عبدالله، الضابط الآدمي صاحب المناقبية والوطني حتى العظم، بشهادة أهل الخيام أولاً، حِملاً ثقيلاً جداً فرض عليه التنحّي. كان يمكن لضابط شيعي آخر أن يفعل العكس ويمنع فتح أبواب جهّنم بوجهه ويسجّل نقاطاً في بيئة المقاومة قد تغدق عليه أدواراً سياسية بعد خروجه من السلك العسكري... لكن فقط إذا كان خاتماً في أصبع حزب الله. هذه لم تكن حال حسين عبدالله!

ساعات قليلة فَصَلت بين تنحّي العميد عبدالله وإعلان وزيرة الدفاع زينة عكر السعي لتعديل قانون العقوبات لإسقاط مرور الزمن عن أعمال العداون على لبنان والجرائم ضد الإنسانية. موقفٌ تأخّر عقوداً وكان أصلاً من واجب المجالس النيابية المتعاقبة. حتى استدعاء وزير الخارجية ناصيف حتّي السفيرة الأميركية الجديدة دوروثي شيا لن يغيّر شيئاً في مصير العميد المتنحّي بإرادته وليس فرضاً.

الرجل عاشَ صِراعاً مريراً قبل قرار المحكمة العسكرية وبعده والذي قضى بكفّ التعقّبات عن العميل الفاخوري. بدا لافتاً جداً في كل الصراخ والضجيج والاتهامات التي سيقت بحق عبدالله وأعضاء المحكمة التجاهل التام من قبل "المفجوعين" للمعطى القانوني الذي حَكَم الملف ودفع أعضاء المحكمة بالإجماع الى سلوك درب "جهنم"... بأرجلهم.

وفي مقابل أوركسترا التخوين وإلباس رئيس المحكمة العسكرية رداء العار والتهديد المبطّن بمنع عودته الى بلدته الخيام ووسط لهجة غير مسبوقة في تعاطي حزب الله مع ضابط في الجيش كان بشهادة كثيرين الأكثر تشّدداً في أحكام طالت عملاء خلال ولايته في المحكمة، تسلّح حسين عبدالله بالصمت. قيل الكثير عن إصابته بعارض صحي رَبطاً بالضغط النفسي الذي تعرّض له في الأيام الماضية. لم يكن صعباً الاستنتاج أن "الجنرال" تٌرِك وحيداً يقاتل على الجبهة بعدما أدار الظهر له، بالسياسة وبحسابات الدول، كل مستفيدٍ معلوم ومستتر من قرار المحكمة!

إحدى وسائل الاعلام المرئية، وبقلّة مسؤولية، صوّرته خائناً وعميلاً ومنفّذاً للأوامر الأميركية. جرى ذلك على مرأى من عائلته وعارفيه ورفاق الدرب في المؤسسة العسكرية. أوركسترا متكاملة لم تأبه لواقع أنّ قرار المحكمة بدا كتفصيل صغير وغير مؤثّر في عملية سياسية أمنية قلّة قليلة جداً من أصحاب القرار في الجمهورية يعرفون "منافعها". وهو تفصيلٌ على شكل ثغرة في القانون اللبناني كان يمكن بسدّها منع دونالد ترامب من الاحتفاء بإنجاز "تحرير العميل". بدا فعلاً في الدولة اللبنانية من لا يريد أن ينغّص على رئيس أميركا فرحته!

"طلعت برأس العميد". عبارة تردّدت في الساعات الماضية على لسان كثر. منذ لحظة التوقيف تنقّل اللغم بين الأيادي ليصل إلى المحكمة العسكرية. قيل حتّى على لسان مُخضرمين عايشوا مراحل طويلة في المحكمة العسكرية أنّ "التهم الموجّهة ضدّ الفاخوري في هذا الملف ليست أصلاً من اختصاص العسكرية وقاضية التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا، وكان يجب أن تحيله إلى القضاء العدلي". القاضية التي طلب نواب حزب الله مكافأتها!


القريبون من العميد عبدالله يجزمون بأنه لم يخضع لأي ضغوط لا من الاميركيين ولا حزب الله ولا رئيس الجمهورية ولا قيادة الجيش

مع ذلك لم يستخدم العميد عبدالله ورقة عدم الاختصاص كي لا يتّهم بالهروب والتخاذل والاستجابة للضغوط. حتى إنّ التنحّي راوده كثيراً مع تلقف كرة النار كونه ابن الخيام تحديداً، وما لديه من معطيات قانونية ستدفعه إلى ألا يظهر بصورة البطل كما يريده أبناء البلدة وبيئة المقاومة والرأي العام. مع ذلك لم يتنحّ إلى أن انفجر اللغم بين يديه وبات الحمل ثقيلاً إلى درجة العجز عن التعايش مع ارتداداته السلبية على مسيرته العسكرية. ظلمُ ذويّ القربى أشدّ مَضاضة من وقع السيف المهنّد. مثل فُصّل على قياس ابن الخيام. لا أحد يعلم "لو كان يعلم" ما سيحلّ به بعد صدور القرار... هل كان سيفعلها؟!

القريبون من العميد عبدالله يجزمون بأنه "لم يخضع لأي ضغوط لا من الاميركيين ولا حزب الله ولا رئيس الجمهورية ولا قيادة الجيش. والمركز لا يهمّه حين يتعلّق الأمر بإحترامه لذاته ومسيرته العسكرية وقناعته القانونية. أما بالجانب الشخصي فهو من طالبي الإعدام للعملاء". يردّد عبدالله في مجالسه الخاصة: "حبّذا لو تمكّنت من إصدار حكم الإعدام بالفاخوري... بالقانون. أنا أقبل بأن أكون كبش فداء في مسار تعديل القوانين".

وقرار التنحّي، وفق المعلومات، يقف عند عتبة المحكمة العسكرية إذ إنّ العميد عبدالله سيستمر في مهامه في الجيش حيث سيحال إلى التقاعد بعد نحو عام ونصف. وكان يفترض أن يعين عبدالله ملحقاً عسكرياً في ألمانيا لكنّ التدابير المتخذة أخيراً ضمن سياسة شدّ الأحزمة قلّصت عدد انتدابات الضباط كملحقين عسكريين في دول العالم، وحصرها بالدول الرئيسية. وقرار وزارة الدفاع بتقليص لائحة المشمولين بتعيينهم كملحقين عسكريين صدر قبل صدور قرار المحكمة العسكرية بفترة.

* المصدر: https://www.asasmedia.com/

تعليقات: