الاتحاد العمالي يطالب برفع الأجور إلى 960 ألف ليرة والحكومة تقبل بزيادة 75 ألفا


بعد صمت طويل تأهب الاتحاد العمالي لخوض معركة تصحيح الاجور تحت وطأة موجة الغلاء التي قضت على القدرة الشرائية لاصحاب الدخل المحدود، ولا سيما ان الحد الادنى للأجور مجمّد عند سقف الـ300 الف ليرة شهرياً منذ العام 1996.

زائر التعاونيات والسوبر ماركات هذه الايام يلفته الارتفاع المضطرد في أسعار المواد الغذائية الرئيسية، وخصوصاً الالبان و الاجبان. صحيح ان ارتفاع اسعار مشتقات الحليب يعود الى اسباب خارجية لا علاقة للحكومة الحالية بها، الا ان الحكومات تلتفت عادة الى شعبها في الازمات وتهتم بمساعدة أصحاب الدخل المحدود. لكن هذا الامر لا ينسحب على لبنان لاسباب متصلة بألازمة السياسية الحادة القابضة على مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسط الانقسام الحاد الذي لم تشهد البلاد الرازحة تحت تأثيرات القوى الاقليمية والدولية مثيلا له.

الاجور: ظلم منذ 12 عاماً

300 ألف ليرة هو الحد الأدنى للأجور في لبنان، وهو مجمّد منذ 12 عاماً، فهل تتجاوب الحكومة مع مطالب النقابات بزيادته إلى 900 ألف ليرة؟ يعتقد الموظّفون أن تأمين "حياة لائقة" بهم، لا يستقيم ما لم تصل رواتبهم الى مليون ليرة، هذا ما خلصت إليه جولة قامت بها "النهار" على بعض المناطق والأحياء في بيروت والضاحية الجنوبية وتقاطعت آراء المواطنين ان الحد الأدنى للأجور المتناسب مع مستوى المعيشة الحالي هو مليون ليرة على الأقل. ويقول عاصم شريف (32 عاماً) الموظف في شركة خاصة في منطقة المزرعة ان راتبه الشهري هو 400 دولار فقط، ويوضح: "لقد تخرجت من الجامعة عام 2000 وسافرت الى جمهورية قازاخستان السوفياتية السابقة وعملت مع احد التجار اللبنانيين لفترة تقل عن العام وبعدها عدت الى بيروت ووجدت عملاً بعد توسط احد اقاربي لدى صاحب الشركة التي اعمل فيها اليوم".

لكن هذا الحد الأدنى لا يرضي جميع اللبنانيين، الذين حازوا شهادات جامعية في مجال عملهم، إذ توضح خريجة كلية الحقوق منال رباح (25عاماً) وهي تعمل في شركة تجارية في منطقة الحمرا، إن خبرتها ودراستها تؤهلانها للحصول على أجرٍ يبلغ 700 دولار كبداية، لكنها الآن تتقاضى 300 دولار، وتبرّر هذا الواقع عبر التسليم بأن الأجور في لبنان منخفضة وغير عادلة، لكن الناس مضطرون الى العمل وفق النظام المحدد للأجور لأن من لا يرضى بالأجور المفروضة لا يعمل.

ويعتقد شريف ان مؤهلاته العلمية تخوله ان يتقاضى راتباً لا يقل عن 600 دولار شهرياً . اما ندى الملاح (26 عاماً) والحائزة شهادة في ادارة الأعمال من الجامعة اللبنانية والتي تعمل في احدى شركات المحاسبة في الضاحية الجنوبية لبيروت فتعلق: "اني أعمل في هذه الشركة منذ ثلاثة أعوام وأتقاضى راتباً يصل الى 500 دولار شهرياً وفي المبدأ يكفيني اذا ما اقتصر انفاقه على حاجاتي الخاصة لكني اساعد عائلتي في مصاريف المنزل وخصوصاً اني الوحيدة التي تساهم في مدخول العائلة اضافة الى والدي الذي يعمل في احد المراكز التجارية في الضاحية".

المواطن المغلوب على أمره مثل محمد المقداد (46 عاماً ) الذي يعيل أسرة من 7 أشخاص ويتقاضى راتباً قدره 400 دولار مضطر الى العمل في الليل سائقاً على "فان" على خط المشرفية حي السلم وذلك لمساعدة افراد عائلته. المقداد لا يلوم احداً على ضائقته المعيشية، لانه، وحسب اعتقاده، يتحمل المسؤولية: " لو كنت حرامي خلال الحرب لكان معي الكثير من الاموال ولكني لم أمد يدي الى أرزاق الآخرين علماً انه كان في الامكان ذلك". وعن كيفية تسيير أموره الحياتية فيوضح: " ابني البكر ترك المدرسة للعمل في محل لتصليح السيارات قرب منزلنا في حارة حريك ويتقاضى 300 دولار شهرياً وفي المستقبل يسعى لاستئجار محل وممارسة مهنة الميكانيك. أما ابنتي فهي طالبة في كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية في الجامعة اللبنانية وبقية الاولاد في مدرسة حارة حريك الرسمية. شقيقي مسافر في المانيا منذ اكثر من 15 عاماً وهو يساعدنا احياناً ببعض المصاريف". يضيف: "جربت المتاجرة بالسيارات لكن لم يسعفني الحظ، وخصوصاً ان رسوم الجمارك مرتفعة والقانون لا يسمح باستيراد السيارات التي يعود تاريخ صنعها الى اكثر من ثماني سنوات".

محمد هو واحد من مئات ألوف اللبنانيين القابعين على خط الفقر. وحال جاره ليست افضل. ومن المؤكد ان نظرائه في الوطن في الهرمل وعكار والبترون وكسروان وجبيل يعانون من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تقبض على مفاصل الحياة الاجتماعية وسط تأزم سياسي منقطع النظير في البلاد. أمّا خالد العلايلي (58 عاماً)، وهو عامل في فرن في بيروت ، فيشير إلى أن الحد الأدنى يجب ألا يقل عن مليون ليرة لبنانية، أمّا ما يتقاضاه من أجرٍ فلا يتعدى الـ600 ألف ليرة، من ضمنه بدل النقل. ويوضح ان زوجته تعمل أيضاً وتحصل على أجرٍ يقل عن 450 ألف ليرة. وعما إذا كان المدخول يكفيها، يعلق: "إنه بالكاد يؤمن لنا أساسيات العيش، على رغم أننا اكتفينا بولدين".

من أسرار المهنة

ولأن أجور العمّال هي من "أسرار المهنة" على ما يبدو لدى عدد كبير من أصحاب العمل، برزت ظاهرة امتناع الموظّفين عن البوح بأجورهم أو بالأجر الذي يكفيهم، ويربطون ذلك بتخوّفٍ من الطرد من العمل، وهو أمر ظهر جلياً في كلام موظّف في احدى المؤسسات التجارية في وسط بيروت، ولأن أصحاب العمل أصبحوا يستغلون ظاهرة البطالة ويعمدون إلى تهديد من يعترض على انخفاض الأجور بالطرد من العمل. ويقول أحد العاملين في فندق فخم في بيروت إنه "راضٍ عن عمله... لأنه لا يمتلك بديلاً"، مشيراً إلى أنه يتقاضى 5 آلاف ليرة "عن كل ساعة عمل اضافية لأن الفندق يعطيهم فرصاً غير مدفوعة الأجر".

غصن: الإضراب لتحقيق المطالب

الإتحاد العمالي العام يطالب برفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 63 في المئة. وفي المقابل تصر الحكومة على زيادة لا تتعدى الـ 75 الف ليرة اي ما نسبته 25 في المئة.

اما جمعية الصناعيين وبعض اصحاب العمل يلمحون الى قبولهم بزيادة الحد الأدنى للأجور الى 400 الف ليرة في العام الحالي على ان يصل الى 450 الفاً في العام المقبل.

غريب أمر حكومة لا تعرف ان سعر ربطة الخبز ارتفع 65 في المئة، وصفيحة البنزين ارتفعت قرابة 280 في المئة، وكيلو الحليب 100 في المئة... الخ.

رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن يؤكد اصرار الاتحاد على تنفيذ الإضراب العام في السابع من ايار المقبل ويوضح: "نريد تحقيق مطالب العمال وكان شعار المؤتمر النقابي الذي عقدناه في الأسبوع الفائت الدفاع عن لقمة العيش ولقمة العيش ستكون لكل اللبنانيين". اما عن الحوار بين بعض النقابيين ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة فيوضح: "ان اي حوار لا يحقق مطالب الاتحاد العمالي العام بما يرضي عمال لبنان هو حوار عقيم، وخصوصاً ان الحكومة تستدعي كل المقربين منها في محاولة لقطع الطريق على التحرك في اطار وعود معروفة النتائج سلفاً، وهو ما نراه عشية كل تحرك نقابي اضافة الى أمر غريب نراه اليوم ويتمثل في انتقاد بعض الزملاء للتحركات المطلبية وعدم ترحيبهم بلجوء العمال والسائقين والمزارعين الى الإضراب علماً ان الأخير هو حق قانوني أقرته المواثيق والمعاهدات الدولية. وهنا نسأل كيف يبقى النقابي متمتعاً بصفته عند تخليه عن حقه القانوني باللجوء الى الإضراب؟".

أما حول الحد الأدنى للأجور فيعلق"ان مليون ليرة هو مبلغ قليل ، وان الاقتصاد اللبناني قادر على تحمل هذا الرقم، وخصوصاً ان تصحيح الأجور يحرك الدورة الاقتصادية. وتراكم الغلاءات عاماً بعد عام اوصل الأمور الى ما هي عليه" .

ويقر غصن بالارتفاع العالمي للأسعار ويضيف: "يجب على الحكومة دعم السلع الأساسية بما فيها المحروقات ووضع سقف للبنزين والمازوت بـ15 او 20 الف ليرة".

أصحاب المتاجر: ضائقة

أصحاب المحال التجارية يعبّرون عن أزمة حقيقية، فبعضهم أحجم عن شراء الألبان بسبب قلة الطلب عليها، اما الطامة الكبرى فهي في ارتفاع اسعار الخضر والفواكه. فكيلو الباذنجان مثلاً وصل الى 3500 ليرة، اما اللوبياء فتتجاوز الـ 5000 والكوسى 6000 ليرة. واذا كان الارتفاع الحالي في عز موسم الخضر، فما الحال في فصل الشتاء، وشهر رمضان؟

الغلاء المستفحل يضرب كل الأرجاء. فالاشتراك في مولّد الكهرباء وصل الى 40 دولار عن كل 5 امبير، اما مياه الاستخدام في بلد يقال عنه "قصر المياه" فوصل سعر البرميل منها الى 2000 ليرة.

ويبقى الخبز الملتهب بأطماع كل القابضين على صناعته من المطاحن الى المخابز والأفران، بعد خفض وزن الربطة الى نحو 1000 غرام و"الخير لقدام".

• • •

أخيرا، ثمة أسئلة كثيرة تطرح منها:

كيف يمكن أكثر من 65 في المئة من الشعب اللبناني، الذي يقبع عند خط الفقر أن يكون قادراً على تأمين لقمة عيشه ولقمة عيش أولاده بعدما شهدت المواد الغذائية ارتفاعا جنونياً للأسعار بلغ أكثر من 50 في المئة؟ وكيف لأبناء هذه الطبقة أن يتحملوا تكاليف السكن التي أصبحت مشابهة لتكاليف السكن في بلدان يبلغ الحد الأدنى للأجور فيها أكثر من ضعفي الحد الأدنى للأجور في لبنان؟ وكيف لهؤلاء أن يتنقلوا من مكان إلى آخر، أقله إلى مكان عملهم، بعدما أصبح سعر صفيحة البنزين حوالى 28 ألف ليرة.

تعليقات: