نكهة كهنوتية لبنانية للفساد


يعرف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بانه "انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة"!

لا يمكن الجدال حول تفسير معنى الرشوة الذي هو كناية عن شراء ذمة فرد بطرق تتراوح بين المبلغ النقدي البسيط، وبين تقديم طائرة خاصة، أو منح حصص في عقار، مبنى كان أو قطعة ارض. أو بكلام آخر، الكسب الفردي المادي، النقدي أو العيني!

إما الطامة الكبرى لظواهر الفساد فإنها تقع في خانة تفسير معنى عبارة "محاباة"، التي يمكن أن تكون محسوبية، أو تحيزا، أو المعنيين معا!

إن فهم عبارة المحسوبية لمصطلح ارتكاب الفساد في لبنان أمر واضح أيضا، بسبب التعددية الحزبية، والزعاماتية، والإقطاعية، والعائلية، والمناطقية. يحصل هذا الأمر في جميع الأنظمة، الرأسمالية منها والإشتراكية، في دول العالم الثالث، والدول المتقدمة!

إن الآفة الكبرى التي تميز ظاهرة الفساد الحاصل في لبنان عن سواه في دول العالم، وتعطيه "نكهة كهنوتية لبنانية"، تقع في عبارة التحيز التي تتجسد دينيا ومذهبيا، في جميع الطوائف والمذاهب، حين ينبري الذين يدعون العفة، وحياة التقشف، والورع، دون خجل أو وجل، في الدفاع عن مسؤول مدني أو ديني، تدور حوله شكوك وإتهامات، ورسم خطوط حمراء عريضة حوله، وإضفاء أوصاف الطهارة والنزاهة والشفافية عليه.

من السهل جدا إعطاء أمثلة بينة ومثبتة وعلنية عن ذلك، بدءا من تحيز دار الإفتاء لرئيس الحكومة الاسبق، فؤاد السنيوره، وتحيز البطريركية المارونية لحاكم مصرف لبنان الحالي، رياض سلامه، وتحيز مطرانية بيروت لمحافظ بيروت الحالي، زياد زبيب، وسواها من مواقف وتحيز المرجعيات الشيعية والدرزية!

حاولت وتحاول دول عديدة على مكافحة فساد المحسوبية المدنية بطرق ووسائل متعددة، تنجح في بعضها، وتخفق في بعضها الآخر، لكنها لا تتوقف عن محاولاتها المتكررة لمكافحتها رغم بروز عقبات مدنية تحول دون ذلك.

إن العقبة المطلقة التي تواجه مكافحي الفساد، وملاحقة الفاسدين في لبنان، إنما هي إطلاق مفهوم "القدسية" أو "القداسة"، التي تتخطى الأصول القانونية والدولتية المدنية، التي يسبغها رجال الدين على شخصيات تولت، أو تتولى مواقع مدنية مرموقة، في نظام ينخر الفساد شرايينه وأوردته، وعظامه!

لا يسعني في هذا السياق سوى القول أن محاولات البعض في مكافحة الفساد المطعم ب"نكهة كهنوتية لبنانية"، هي كمن يأمل بإعادة إحياء جسد رميم.

وعليه، لا يمكن أن نأمل بالوصول إلى الدولة المدنية العادلة في لبنان في ظل هذا النظام الطائفي البغيض، ومع انتشار هذا الوباء الذي قضى، ويقضي على مستقبل الأجيال المسفوكة دماؤها بخناجر التزمت الديني والمذهبي والطائفي.

مهلا رجال الدين!

مهلا ايها المدنيون الذين تتدثرون عباءات الإيمان القداسة!

لقد ولى زمن بيع "صكوك الغفران"!

لطفا رجال الدين، لو تلتزمون دعواتكم التي تعلو فوق شهوات هذه الفانية!

لطفا رجال الدين، دعوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله!

لا تخلطون بين عدالة الأرض وعدالة السماء!

سعد نسيب عطاالله

تعليقات: