تداعيات حرب تموز 2006 على القطاع الصناعي في البقاع

وركام الآلات المدونة
وركام الآلات المدونة


قيمة الأضرار: 89 مليون دولار و950 عاملاً خسروا وظائفهم..

الآثار السلبية مستمرة والمعالجات الجدية شبه غائبة...

رغم مرور عام وعشرة اشهر على "عدوان تموز 2006"، والذي استهدف البشر والحجر، مازال القطاع الصناعي في لبنان، وفي البقاع خصوصاً، يعاني ويئن من وطأة الاثار السلبية التي خلفتها تلك الحرب البشعة، في انتظار المعالجة الجذرية التي طال انتظارها. والصرخة الصناعية البقاعية مستمرة ومتواصلة، الا انها باتت صرخة في البرية من دون سامع او مجيب.

العدوان الاسرائيلي الذي استهدف لبنان في تموز 2006، تركز خصوصا على ضرب القطاعات الصناعية والسياحية، وعلى تدمير الجسور والمرافق، في اطار خطة اسرائيلية واضحة هدفها شل البلد، وضرب بنيته الانتاجية والتحتية بذريعة الانتقام لاسر جنديين اسرائيليين علي ايدي المقاومة. وكان للبقاع حصته الكبيرة في دوامة التدمير الناتجة "كرة النار" الجوية التي انتجت الموت واليباس والدمار.

ووفق المسح الذي اجرته وزارة الصناعة في الفترة الممتدة بين 16/8/2006 و13/9/2006 ، عن اضرار القطاع الصناعي في لبنان، تبين ان هناك 142 مصنعا منها 85 تضررت بشكل كلي و57 بشكل جزئي، وتعتبر المصانع الموجودة في اقضية بعبدا، ومرجعيون، والنبطية وزحلة ( البقاع) الاكثر تضررا، وكذلك في مناطق حارة حريك، وتعنايل، والشويفات والخيام.

وحسب المسح فإن حرب تموز دمرت في البقاع 14 مصنعاً، 8 منها دمرت كلياً، وبلغت قيمة الاضرار حوالي 88،9 مليون دولار، وخسارة حوالى 950 عاملاً لوظائفهم.

حجم الأضرار كبير

رئيس غرفة التجارة والصناعة في زحلة والبقاع ادمون جريصاتي يقول "ان تقييمنا للاستمارات التي سجلت لدى الغرفة حول الاضرار المباشرة وغير المباشرة لدى المؤسسات الصناعية في البقاع هو سعي من الغرفة لوضع اليد على الجرح الذي اصاب مؤسساتنا، على امل تمكين القطاع الصناعي من الاستمرار، وحمايته لمواجهة التحديات الاقتصادية المستجدة. وبينت الدراسة ان 95% من المؤسسات اقفلت اثناء الحرب لاعتبارات مختلفة منها : وجود معظم المؤسسات بالقرب من طرق وجسور اعتبرت مستهدفة، تعذر وصول الجهاز البشري الى اماكن العمل، اضافة الى عدم وجود وسائل نقل واستحالة توفير المواد الاولية والمحروقات، وتسببت الحرب في صرف عدد كبير من العمال، وخصوصاً لدى المؤسسات التي استهدفت في القصف، واعاقت تمكن معظم المؤسسات من دفع مستحقات مالية تتعلق بالبضائع والسلع والقروض، واخرت امكان تسديد ضرائب ورسوم مستحقة".

وفي تقريرها الصادر في 2/10/2006 رقم 1/4، قدرت غرفة التجارة والصناعة في زحلة والبقاع الخسائر التي لحقت بالمؤسسات التجارية والمصانع في البقاع بين اربعة الاف، وعشرات الملايين من الدولارات الاميركي، حسب حجم المؤسسة والاضرار اللاحقة بها. وادت عوامل كثيرة الى رفع تكلفة الانتاج... وبينت الاستمارات التي تقدم بها بعض المتضررين جزءاً من الاضرار التي لحقت بقطاع الصناعة في البقاع، فيما رفض كثيرون تقديم استماراتهم لعدم اقتناعهم بجدوى تعبئة الاستمارات ولعدم ثقتهم بتعويضات الدولة غير المؤكدة. واذا نظرنا الى الاستمارات عموما (والتي لاتشمل المؤسسات التي دمرت مباشرة من القصف) نرى ان الاضرار المباشرة في 62 استمارة بلغت 13 مليار و 426 مليون ليرة و 23 ملياراً و743 مليون ليرة لبنانية من الاضرار غير المباشرة، ويكون المجموع العام حوالى 36 ملياراً و 759 مليون ليرة لبنانية، اي حوالى 24 مليون دولار و 376 الف دولار اميركي. واذا قارنا نتائج 62 استمارة تقدم بها اصحابها وشملنا نفس نسب خسائرها مع صناعات اخرى لم تقدم استماراتها واجرينا عليها دراسة (مؤسسات وشركات مسح عام 2003 والتي طالت المؤسسات ذات عدد العمال اكثر من 5 والتي بلغ عددها حوالى 450 مؤسسة)، نجد ان الخسائر المباشرة وغير المباشرة تكون اكثر من 100 مليون دولار اميركي...

جولة واضرار

المعاناة تتبدى اثناء تجوالك على عدد من المصانع الكبيرة في البقاع والتي طالها التدمير الكلي او الجزئي، كمعمل "ليبان ليه" liban lait)، الذي انشىء عام 1998 بترخيص من شركة Candia الفرنسية، فهو عاد الى العمل رغم الاضرار الكبيرة التي اصابته. المدير الاداري للمعمل المهندس هشام العريبي اشار الى مجموعة من المشاكل التي تؤخر عملية الانتاج، وابرزها الحاجة الى اعادة بناء المعمل كما كان واعادة تجهيزه بآلات جديدة مكان الآلات التي دمرت بشكل كلي ليعود المعمل الى انتاجيته السابقة و"المشكلة في هذا المجال تنحصر بالاسراع في دفع التعويضات، وتحسين الانتاج لنعود للدخول الى سوق العمل بالشكل الذي كنا فيه سابقاً، وفي حل مشكلة الموظفين الذين مازالوا خارج الخدمة بسبب ما اصاب المعمل من اضرار لان هؤلاء يشكلون مشكلة اجتماعية وانسانية”.

وطالب العريبي باعفاء المعمل من الضرائب البلدية، واعفاء سيارة النقل العائدة له من رسوم الميكانيك على الاقل لمدة سنتين "كمساعدة لدعم القطاع الصناعي والانتاجي، فلا يجوز ان ندفع ضرائب بلدية بقيمة 24 مليون ليرة على البناء الجديد الذي باشرنا به مكان البناء المدمر".

رئيس تجمع الصناعيين في البقاع ونائب المدير العام لمصنع الزجاج المدمر محيي الدين النخلاوي اعتبر أن "معاناة الصناعة البقاعية منذ الاساس تكمن في اهمال الدولة، وعدم توفير الحماية اللازمة لهذه الصناعة الوطنية ، وجاء العدوان الاسرائيلي ليزيد في معاناة الصناعة وفي مشاكلها وخسارتها".

ومصنع "ماليبان للزجاج" كان ينتج 200 طن يومياً من العبوات والقناني الزجاجية، دمر بالكامل خلال العدوان ويحاول اصحابه ووسط ظروف قاهرة اعادة بنائه من جديد. وتؤكد الزميلة نيبال حايك (مراسلة صحافية في البقاع الاوسط)، ان "تدمير مصنع الزجاج في تعنايل تسبب في فقدان 183 فرصة عمل، هي عدد العمال اللبنانيين الذين كانوا يديرون المصنع، اضافة الى 40 عاملاً أجنبياً وعدد آخر من العمال اليوميين. وان المؤسسات الصناعية في البقاع حالياً تمر في حالة من التدهور الاقتصادي جراء العدوان وما لحقه من أزمات سياسية".

اما جورج حنا، مدير مصنع "الدلال" للبيوت الجاهزة، والذي نال حصته من التدمير الاسرائيلي، فأكد ان بناء المصنع من جديد "تم على نفقتنا الخاصة لانه لا يمكننا تحمل الخسارة المتزايدة، وخصوصاً ان هناك عقودا التزمنا بها قبل العدوان الاسرائيلي لتصدير المصنوعات الى الخارج".

ويقول حنا "عن التعويضات المقررة لهم من الدولة اللبنانية والبالغة 25 مليون دولار "لم نتلقّ أي مبلغ يذكر، لكننا ملزمون تجاه زبائننا في الداخل والخارج، واستطعنا أن نعود إلى إنتاج زهاء 60 في المئة مما كنا ننتجه قبل العدوان، ونصدّر منه تقريباً ما نسبته 40 في المئة".

واقع... ومطالبات

رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود قدر خسائر القطاع الصناعي في لبنان بشكل عام بـ 1093 مليون دولار اميركي، موزعة بين 265 مليون دولار خسائر مباشرة في الانتاج بفعل تقلص القدرة الانتاجية بنسبة 30، و140 مليون دولار خسائر غير مباشرة ناتجة من الحصار وتوقف الاستيراد والتصدير، و300 مليون دولار خسائر انتاج سنتين هي الوقت الضروري لاعادة اعمار المصانع المتضررة كليا ومعاودة عملها، و108 ملايين دولار خسائر في حجم الصادرات بين ايلول 2005 وايلول 2006 يضاف اليها 10 % زيادة تكلفة تصدير وزيادة تكلفة بوالص التأمين ضد مخاطر الحرب، و280 مليون دولار قيمة الخسائر في الابنية والتجهيزات.

وكانت جمعية الصناعيين رفعت مطالبها الى الحكومة، بهدف اعادة تأهيل وانماء القطاع الصناعي، ومنها: وضع سياسة تعويض واضحة للمصانع المهدمة، تنفيذ اجراءات لضمان عدالة التنافس، اعفاء المواد الاولية والمواد الخام من الرسوم الجمركية.

ولحل مشاكل القطاع الصناعي في البقاع طالب المهندس نبيل التيني (ماجيستر في الهندسة الصناعية) بـ "خفض الاسعار الجمركية، وتأمين الدعم للقطاع الصناعي، وتعزيزه، في مجالات التصدير وفي حمايته من خطر التهريب، وتأمين الكهرباء للمصانع وخفض سعر الكيلو واط الصناعي، ومادة المازوت، مؤكداً ان اسعار المواد البترولية زادت في الفترة الاخيرة بنسبة كبيرة، وهذا الامر ادى الى حصول خلل في سياسة الشركات الانتاجية والتسويقية".

فيما دعت السيدة كريستيان رياشي عاقوري (صاحبة كاليري ومعمل للمفروشات) الى خفض الضرائب والرسوم على المعامل والمصانع في البقاع "نظراً الى ما تحملته من خسارة نتيجة الدمار الذي لحق بمعظمها، اضافة الى غلاء اسعار المواد الاولية التي زادت من خسارتها ومن معاناتها، وهذه الحالة اثرت سلباً على الواقع الاقتصادي في البقاع، في الوقت الذي لا يمكننا فيه رفع الاسعار بشكل يحمينا من الخسارة لان المستهلك هو ايضاً بات يفتقد القدرة الشرائية... ".

اما توصيات غرفة التجارة والصناعة في زحلة والبقاع في هذا المجال فقد ركزت على:

المساعدة على استعادة القدرة الانتاجية والتنافسية لاعادة بناء القاعدة الرأسمالية للمصانع التي تهدمت من بناء وتجهيزات وآلات للمصانع في البقاع والتي تقدر بزهاء (مئة مليون دولار اميركي).

1. تقديم مساعدات مالية بشكل قروض ميسرة طويلة الاجل مدعومة الفوائد لجميع المصانع التي تضررت بصورة مباشرة وغير مباشرة. ونتيجة المسح الصناعي الذي قامت به الغرفة حول المصانع المتضررة تبين انه يوجد زهاء 400 مصنع في البقاع مقسمة كالآتي: 65% في قضاء زحلة، و 26% في قضاء بعلبك، و 7% في منطقة البقاع الغربي، و 2 % في قضاء الهرمل. ومن هذه المعامل يوجد زهاء 269 مؤسسة تشغل اقل من عشرة عمال وحوالي 90 مؤسسة بين عشرة وثلاثين عاملاً، و 30 مصنعاً تشغل بين ثلاثين وماية عامل و سبعة مصانع بين الـ 100 و250 عاملاً، اضافة الى مصنعين لديهما بين 250 و350 عاملاً، ومصنع واحد او اثنين في كل منهما حوالي الـ 500 عامل ...

واقترح رئيس الغرفة ادمون جريصاتي بان تسعى الدولة اللبنانية مع الدول العربيه المانحة الى اعادة ما تدمر والنهوض بوضع البلد الاقتصادي الى سابق عهده "بحيث تقوم الدول العربية المنتجة للنفط بتزويد لبنان بكامل حاجته من المحروقات ولمدة خمس سنوات على الاقل بنصف الثمن المعتمد عالمياً، وان تتحمل هذه الدول النصف الاخر، فبهذا يستطيع لبنان استعادة عافيته حيث تستفيد كل القطاعات بطريقة غير مباشرة من هذا الاجراء. اضافة الى المساعدة على تسهيل الصادرات واعفائها من الضرائب والسماح للصناعي بأن يقوم باخراج الديون الهالكة من حساب الارباح والخسائر وعدم ردها الى الربح الضريبي، وخصوصا في هذه المرحلة، والاسراع في استكمال تنفيذ الاتوستراد العربي واحياء خطة سكة الحديد بين مرفأ بيروت والبقاع وفتح مطار رياق وتحويله مطاراً مدنياً ووضع حوافز ضريبية تشجيعية اضافية لانماء الصناعة وتطويرها وتسهيل معاملات رخص الاستثمار الصناعية في منطقة البقاع".

تعليقات: