حكومة دياب تحت الضغط الاقتصاديّ والشعبيّ


رياض سلامة Game Over

كلّ الظروف مهيّأة لانتفاضة شعبية، معيشياً، اقتصادياً، مالياً، نقدياً، إدارياً... على جميع المستويات السياسية، البلاد تعبة. ولأجل ذلك، نزل الناس الغاضبون إلى الشوارع في طول البلاد وعرضها ليل أمس. الشعارات متعددة حتى تكاد لا تُحصى، لكن أكثرها تداولاً كان «إسقاط رياض سلامة».

في دولة اقتصادها مدولَر، لم يعد مِن سعر لشراء الدولار. يقصد الناس الصرافين، فيشتري الصراف منهم الدولارات بـ4800 ليرة وبـ5000 ليرة وصولاً إلى 5200 ليرة. لكن من النادر أن يجد أحدٌ صرافاً واحدا يبيع الدولار. من هنا، باتت الأرقام ترتفع، حقيقة ووهماً، حتى وصلت على بعض وسائل الاتصال إلى 7000 ليرة للدولار الواحد، لكن من دون صراف يبيع. في مقابل ذلك، خرج حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ببيان يقول فيه إن كل ما يُحكى عن سعر الصرف «غير حقيقي». يبدو سلامة كمن يعيش في كوكب آخر. سعر الدولار، في عهده، صار أسعاراً: السعر الرسمي الأول بين مصرف لبنان والمصارف (1507)، السعر الرسمي الثاني الذي يعتمده مصرف لبنان مع المصارف بموجب التعميم رقم 148 (3000 ليرة أو 3200 ليرة) السعر الرسمي بين المصرف والصرافين (3850)، السعر الرسمي لشركات تحويل الأموال، السعر الرسمي للصرافين الذي قال سلامة في التعميم الذي أصدره أول من أمس إنه يريد الوصول إليه مستقبلاً (3200)، السعر الرسمي المسموح للمصارف تسجيله وهمياً لزبائن محظيين عبر تحويل دولارهم الطازج إلى ما بين 2.1 دولار و2.8 دولار. يُضاف إلى ما سبق أسعار لا تُعد ولا تُحصى في السوق السوداء. ما سبق يجري بقرار من رياض سلامة الذي يريد من الناس أن يقتنعوا أن الأمور قد «فلتت» من بين يديه، فيما أداؤه لا يوحي سوى بأنه يتعمّد إسقاط البلاد بكل ما فيها. أداؤه التخريبي مرّ بنقطة تحوّل ليل 17 تشرين الأول الفائت، عندما شارك جمعية المصارف قرارها، من واشنطن، إقفال أبواب البنوك. وفي الأيام الأخيرة، كان حاكم «المركزي» يغدق التعاميم التي يقول إن هدفها خفض سعر الدولار مقابل الليرة، فيما الدولار يختفي من السوق وسعره يحلّق.

إذا جرى التجاوز عن كل ما ارتكبه رياض سلامة على مدى 27 عاماً قضاها حاكماً لمصرف لبنان، فإن أداءه في الأشهر الأخيرة كافٍ وحده ليشكّل مضبطة اتهام جزائية وسياسية، تسمح بالإطاحة به. ما فعله يخالف، نصاً وروحاً، قانون النقد والتسليف الذي يحمّل حاكم مصرف لبنان، حصراً، مسؤولية سلامة الليرة. لكن رياض سلامة ليس كأي موظف. فريق الحماية الخاص به عابر لكل الانقسامات. فيما كانت أصوات جزء كبير من المحتجين الذين نزلوا إلى الشارع ليل أمس تصدح مطالبة بإسقاط سلامة، كان النائبان ياسين جابر، وإبراهيم كنعان، على سبيل المثال للحصر يتحدّثان بما لا يؤدي سوى إلى الدفاع عن سلامة. الأول ينتقد (عبر موقع «النهار» الإلكتروني) الحكومة بسبب التعيينات التي كان لفريقه السياسي الحصة الأكبر (والأكثر وقاحة) فيها، وبسبب ما يسميه الإحباط الذي سببه أداؤها للناس، نتيجة التباين في أرقام الخسائر! أما الثاني فكان يحذّر من المسّ بأموال المودعين، ويقول لبرنامج «صار الوقت» على «أم تي في» إن المطلوب تعاون الجميع (يقصد سلامة) للخروج من الأزمة. موقف تيار المستقبل المدافع عن حاكم مصرف لبنان لا يحتاج إلى دليل. وعلى منوال سلامة، استغرب الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري ارتفاع سعر الدولار، كما لو أن سياسات فريقه السياسي، منذ عام 1992، لم تؤسس للخراب الذي وقع.

ليل أمس، وعلى وقع هتافات الغاضبين في الشارع، كانت القوى السياسية المشاركة في الحكومة تجري مشاورات تحت عنوانين: حماية الحكومة من السقوط، وضرورة معالجة أزمة الدولار. مفتاح العنوان الثاني هو تغيير رياض سلامة. ضرورة إقالة سلامة طرحها أكثر من فريق مشارك في الحكومة. استطلاع الآراء يفضي إلى نتيجة مؤداها أن الرئيس نبيه بري لم يتخلَّ بعد عن دعمه لسلامة. وهو يفضّل أن يتولى رئيس الحكومة حسان دياب الضغط على حاكم مصرف لبنان لضبط سعر الصرف. كذلك يظهر سريعاً الخلاف على هوية خليفة سلامة.

رئيس الحكومة الذي تضرّرت صورته إلى حدود غير متوقّعة نتيجة أداء مجلس الوزراء، وآخره التعيينات وفق آلية المحاصصة الطائفية المعتادة، سارع أمس إلى دعوة مجلس الوزراء إلى عقد جلستين اليوم: الأولى في السرايا صباحاً، والثانية بعد الظهر في قصر بعبدا. وجدول أعمال الجلستين محصور ببحث وضع الليرة المنهارة. دياب كرئيس للحكومة، وعون كرئيس للجمهورية، يقولان كلاماً قاسياً بحق سلامة. وما كان يُشاع أمس عن غضب أميركي على الحكومة بسبب عدم إعادة النائب الثالث السابق لحاكم مصرف لبنان، محمد البعاصيري، إلى الوقع الذي غادره قبل 14 شهراً، تبيّن أنه غير صحيح مطلقاً. فبحسب مصادر بعبدا أن زيارة السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى القصر الجمهوري تمت بناءً على موعد طلبته منذ ما قبل جلسة التعيينات التي «أطيح فيها بالبعاصيري»، وأن اللقاء كان مخصّصاً لتسويق قانون «قيصر» للعقوبات على الشعب السوري. وكانت شيا «إيجابية في حديثها عن الوضع الاقتصادي اللبناني، لافتة إلى أن بلادها تتوقع إصلاحات تؤدي إلى تعاون بين لبنان وصندوق النقد الدولي ومؤسسات دولية أخرى كالبنك الدولي»، بحسب مصادر الرئاسة. ولفتت المصادر إلى أن شيا لم تأتِ على ذكر التعيينات التي وقعت، وأنها سألت عن أزمة التشكيلات القضائية، وأجابها رئيس الجمهورية بأن موقعه يفرض عليه الحرص على احترام الدستور.

المشاورات الليلية تركّزت على حماية الحكومة من السقوط وضرورة معالجة أزمة الدولار

وانطلاقاً من احترام الدستور، المطلوب من عون ودياب المبادرة إلى العمل على إقالة سلامة، وتعيين بديل عنه. صحيح أن الأزمة أعمق من أن تُحل بقرار وحيد، مهما كانت أهميته، لكن أي تغيير أو إصلاح أو تخفيف لسرعة الانهيار، يستحيل أن يتم في وجود سلامة، المتآمر على سلامة النقد، والرافض لأي تعاون مع الحكومة بذريعة استقلالية المصرف المركزي. الحكومة مطالبة بسلسلة خطوات للجم الانهيار، والحدّ من سرعة «الهبوط الحر» للنقد والاقتصاد والمالية العامة، بدءاً من إقالة سلامة وتعيين حاكم بديل غير «متمرّد على الشرعية»، واتخاذ إجراءات لتخفيف نزيف الدولارات إلى الخارج عبر الحد من الاستيراد، وعقد اتفاقات سريعة لاستيراد الغاز بهدف خفض فاتورة الكهرباء، ووضع خطة اقتصادية للتحفيز بعيداً عن خيار صندوق النقد. فالأخير سيشترط ما تريده الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها. وهذه الشروط لا يمكن للحكومة، أي حكومة، تنفيذها. السقوط في محاولة تحقيق مصالح الناس، كل الناس، يبقى أقل ضرراً، في كلّ المقاييس، من السقوط في محاولة إرضاء واشنطن وتدمير البلد. لأجل ذلك، ينبغي أن يُقال لسلامة فوراً، باللغة التي يفضلها، إن اللعبة انتهت: Game Over.

تعليقات: