لبنان: بين «قيصر» الأميركي والقيصر الروسي


تزداد هذه الأيام تصريحات العديد من السياسيين عن حصول مجاعة سوف تضرب لبنان، دون أن يطرحوا مبادرات، وحلول، لمنع حدوثها، أو التنازل عن إمتيازاتهم التحاصصية في النظام الطائفي البغيض.

إن كل مؤشرات الركود الإقتصادي، وتعاظم البطالة، والغلاء الفاحش للمواد الغذائية والمعيشية الأساسية، وغياب طغمة السلطة الحاكمة عن المحاسبة والمراقبة، وإقفال الحدود مع سوريا في وجه حركة الإستيراد والتصدير البرية الوحيدة، وجشع التجار، والصناعيين، ووسطاء المنتوجات الزراعية والحيوانية، وغياب الرحمة لدى الأطباء والمستشفيات، ووكلاء الأدوية، تدفعنا الى التسليم بانه لا مناص من حصول المجاعة وانتشار الأمراض الخطيرة!

إن ندرة الدولار المتصاعدة في الأسواق النقدية هي مرادف للحصار البحري والجوي الذي تفرضه إميركا ودول الغرب حاليا على الشعب اللبناني، كما فعلت دول الحصار خلال مجاعة ١٩١٥-١٩١٨.

كما وإن إقفال الحدود السورية مع الدولة اللبنانية، هو تكرار للحصار العثماني أيام مجاعة الحرب العالمية الاولى!

لا يمكن عدم إحتمالية التوصل إلى مجاعة الشعب اللبناني إذا استمر الجدل البيزنطي بين فرقاء النفوذ السلطوي والمذهبي في الداخل اللبناني، الذين هم ليسوا سوى دمى، وأدوات، للصراع الدائر بين مطرقة النفوذ الأميركي الإمبريالي الغربي، وبين سندان النفوذ الإمبراطوري الفارسي المتجدد، على الساحة اللبنانية المتفلتة!

لا يمكن إحتواء هذا الجدال الفارغ والعقيم، ومنع الوصول الى المجاعة، إذا اقتصرت الأمور على تقاسم مغانم السلطة، والتسلط الظالم على الشعب، في النظام اللبناني البائس.

إن الخلاف والإختلاف الحاصل بين الأفرقاء اللبنانيين، هو حاصل بين الموالين للنظام السعودي واميركا، وبين الموالين للنظامين السوري والإيراني؛ أي بين من يريد التوجه بالحالة اللبنانية التعيسة إلى الغرب الطامع، أو إلى الشرق الجائع. ولا يأبه الطرفان للتركيبة اللبنانية التقليدية التي ترتكز على ركنين وفاقيين متكاملين، احدهما في الغرب، والآخر في الشرق.

يتمثل الركن الغربي، بالحضارة الغربية المعاصرة، ويتمثل الركن الشرقي، بالقيم والروابط البنيوية، واللغوية، والوحدوية، والدينية العربية الخالصة، ولا تدخل في مفهوم هذا "الشرق" دول أخرى سواها،

لم يكن هناك حضور أو تواجد سلطوي إيراني عند تأسيس دولة لبنان الكبير، وهذا ما يجب علينا إدراكه عندما ندعو إلى الإنفتاح على الشرق البعيد عن الجغرافية العربية.

إن الشرق المتعارف عليه في المفهوم اللبناني، هو الإنفتاح على الدول العربية، الذي تقاسمه اللبنانيون وتشاركوا فيه، عنوة أو رغبة، حينا: مع سوريا، أو العراق، أو السعودية، أو مصر، منذ انتهاء الإنتداب الفرنسي.

لا تزال هذه النزعة الإنفتاحية على الشرق تقتصر على الدول العربية، بعيدا عن الدولة الإسلامية الإيرانية، رغم الدعم الإيراني العسكري والمالي المشكور، وغير المنظور، للمقاومة الإسلامية في لبنان.

لا يمكن إنكار ديمومة وحدة وقرار الدولة السورية رغم حروب السنوات التسع الإخيرة، ولا يمكن عدم احترام العلاقات الأخوية القائمة معها، لكن هناك عامل أساسي وواضح وثابت، قد دخل مؤخرا على منظومة النظام السوري، وهو الوجود الروسي المطلق وأثره على السياسة الخارجية السورية.

إنه من الضروري على الأطراف اللبنانية التواصل مع روسيا بالتوازي مع أميركا ايضا، من أجل الفصل في الصراع الجاري بينهما في موضوع قانون قيصر الأميركي، لاحتواء نفوذ القيصر الروسي في سوريا، وبين تداعياته الكارثية على الدولة اللبنانية!

يجب على الأطراف اللبنانية المتنازعة، إن تتواصل ما موسكو واشنطن، بصورة مباشرة وفورية، واللجوء إلى الأمم المتحدة، في حال تمنعت واشنطن عن ذلك، من أجل الحفاظ على ديمومة الوجود اللبناني، دولة وشعبا.

كما لا يمكن إجهاض الثورة الإجتماعية المطلبية التي تعمل وتهدف الى مكافحة المفسدين والفاسدين في النظام الطائفي البغيض.

لا يمكن أن يدفع لبنان وشعبه، الواقع في خانة الشعوب المستضعفة، ضريبة صراع الأقوياء، لا عسكريا، ولا اقتصاديا أو معيشيا.

* سعد نسيب عطاالله

تعليقات: