بيفاني لـ فايننشل تايمز: هكذا هرّبت نخبة المال القذر ثرواتها

بيفاني: المواطنون اللبنانيون قد يدفعون ثمناً رهيباً (علي علوش)
بيفاني: المواطنون اللبنانيون قد يدفعون ثمناً رهيباً (علي علوش)


اتّهم مدير عام وزارة المالية المستقيل، آلان بيفاني، من أسماهم "نخبة المال القذر" بمحاولة حماية أموالهم في زمن الانهيار الاقتصادي. وفي مقابلة له مع صحيفة "فايننشل تايمز"، أكد أنّ "النخبة السياسية والمصرفية تسعى إلى المحافظة على منافعها، ولا تزال تستفيد من النظام من دون تسجيل أي خسائر في حساباتها، في حين أنّ المواطنين اللبنانيين قد يدفعون ثمناً رهيباً نتيجة الأزمة".

تهريب الأموال

وقال بيفاني إنّ القطاع المصرفي أظهر أنه تم تهريب "ما بين 5.5 و6 مليارات دولارات إلى خارج البلاد من قبل مصارف ومصرفيين يمنعون المودعين من سحب حتى 100 دولار من حساباتهم"، مشيراً إلى أنّ هذه "خلاصة تفسير الأرقام والتشاور مع هيئة الرقابة على المصارف اللبنانية". وقدّم بيفاني مقارنة عن واقع لبنان اليوم وما كانت عليه الأحوال عام 1975 مع اندلاع الحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً، مشيراً إلى أنه "يرى عودة الشرور القديمة، وثمة 5 مليون لبناني وجدوا أنفسهم وسط وضع سيء جداً".

الاستقالة المتأخرة

وحول واقع الفساد في لبنان أكد بيفاني وجود "فساد كبير في النظام ومنتشر في الخدمة المدنية"، مضيفاً أنّ "كل مسؤول لبناني كانت لديه الفرصة للحصول على المال، لكن على مستوى الإدارة العليا التي كنت أديرها، ففيها رجال نظيفون". وعن مبادرته إلى الاستقالة، فأكد أنه مضى في خياره "بدلاً من أن يكون متواطئاً في الانهيار، وما كشفته الأزمة الاقتصادية أنّ الطبقة السياسية مصمّمة على حماية مصالحها". فوصف هذه الطبقة بـ"نخبة المال القذر" من سياسيين ومصرفيين، التي تعمل على "تحميل المواطنين عبء المشكلة، فتحوّلت الخسائر بشكل ضخم إلى الناس بسبب انهيار الليرة اللبنانية".

الأزمة بالأرقام

وأشارت الصحيفة إلى أنّ استمرار الأزمة المالية دفعت المصارف اللبنانية إلى وضع قيود على سحب الأموال منذ شهر تشرين الأول، ومنعت المودعين من تحويل الأموال إلى الخارج إلا في ظروف اضطرارية من دون أنّ تقوم الحكومة بوضع القوانين لضبط رأسمال. كما أشارت إلى أنّ ودائع العملة الأجنبية تراجعت من 82 مليار دولار في الخريف الماضي إلى 71 مليار في شهر أيار، بحسب أرقام المصرف المركزي اللبناني. وقالت الصحيفة أنه من المتوقع أن يتراجع الناتج المحلي العام بنسبة 13.8% هذا العام، بحسب الأرقام الرسمية، في حين خسرت العملة المحلية نسبة 80% من قيمتها في ظل تضخّم ارتفع على نسبة 56%.

الانتقادات والهندسات المالية

هذا وتؤكد "فاينانشل تايمز": هرّب أصحاب المصارف أكثر من ستة مليارات دولار منذ شهر تشرين الفائت، متخطين الضوابط الرقابية التي وضعت لعدم تهريب الأموال من لبنان، الذي يعيش أسوأ أزمة مالية منذ ثلاثين سنة، وذلك وفق أهم موظف سابق في المالية اللبنانية.

وتقول: ألان بيفاني، الذي شغل منصب أهم موظف مدني على رأس المالية عشرين سنة حتى تاريخ تقديم استقالته، يقرع ناقوس الخطر من سرعة "تفكك الدولة". فلقد أحدثت استقالة بيفاني صدمة في المجتمع اللبناني بعد استقالة ثاني موظف رسمي من لجنة الحكومة التي تفاوض خطة الإنقاذ المالي مع صندوق النقد الدولي. وقالت مجموعة الضغط "كلنا إرادة" أن استقالة هذا الموظف الرفيع يكشف "عجز النظام اللبناني عن المضي بإصلاحات ومحكوم بمصالح خاصة".

صحيح أنّ بيفاني واجه الكثير من الخلافات مع السياسيين خلال مسيرته المهنية السابقة، لكن حتى خصومه يقولون إنه تأخر في انتقاد نظام، وكان جزءاً منه مدة عقدين. وردّ على هذا الانتقاد بأنه "إذا كنت مهتماً بما يجري في بلدك، أنت أمام خيارين: إما تحارب أو تستسلم"، مؤكداً إنه يتنحى الآن عوض أن يكون متواطئاً في انهيار سيفاقم انعدام المساواة.

ولفتت الانتقادات إلى أن بيفاني الذي يشغل أهم منصب مالي رسمي في الخدمة العامة، كان أيضاً عضواً في مجلس إدارة المصرف المركزي حين وضع خطة سلسلة "هندسة مالية" مثيرة للجدل لتعزيز تدفق الدولار.

وحسب هذه الهندسة المالية، أعطيت المصارف منذ العام 2016 فوائد عالية على الودائع بالدولار، تاركين تدفق العملة الخضراء إلى البلاد وداعمين المقرضين المحليين. لكن عروض معدلات مزدوجة الأرقام أدت إلى تراجع الاستثمار في الصناعات المنتجة، وذلك لأن المصارف جمّدت أكثر من نصف أصولها في المصرف المركزي.

وشبه الاقتصاديون هذه العملية بسلسلة بونزي، وتوقع المسؤولون اللبنانيون ان يراكم المصرف المركزي خسارة 50 بليون دولار. وحين سئل بيفاني إن كان صوّت على هذه السلسلة، أجاب أنها "لم تعرض على مجلس إدارة المصرف" واستمرت من دون معرفة الحكومة.

ورغم أن المحللين يقولون إن الحكومة كانت على دراية تامة بالسلسلة، أصدرت السلطة الجديدة أمراً بإجراء تدقيق مالي قضائي في المصرف المركزي. لكن، وبحسب بيفاني، بعض السياسيين الذين تمنّع عن ذكر أسمائهم، لم يرغبوا في فتح هذا الكتاب لأنّ "هنالك الكثير من الفساد في النظام".

تعليقات: