ابراهيم حيدر: الحكومة بلا رصيد ولبنان أمام تطوّرات خطيرة...


أُقفِلت الأبواب أمام حكومة حسان دياب من كل الجهات. ولم تكن زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان- إيف #لودريان سوى مؤشر لما قد تذهب اليه الأمور في البلد. لوا يقتصر الأمر على الحكومة انما العهد وما يمثله اليوم بات في وضع حرج، محلياً ودولياً. الحكومة غير قادرة على المناورة وهي عاجزة عن خوض عملية الاصلاح، ولا تقوى على مواجهة الضغوط العربية والدولية واحتمالات الحرب الإسرائيلية التي يحكى الكثير عنها في لبنان والمنطقة، حيث ترتفع وتيرة التوتر على الحدود الجنوبية وتتواصل الهجمات الإسرائيلية على مواقع لـ"حزب الله" والإيرانيين في سوريا، وأخيراً تعرّض طائرات حربية اميركية لطائرة "ماهان" الايرانية المدنية وهي في طريقها إلى بيروت. كل ذلك يؤشر، وفق سياسي لبناني متابع، إلى أن لبنان دخل منعطفاً جديداً وقد تحمل الأيام والأسابيع المقبلة تطورات كبيرة تحدد مصير البلد.

كان لودريان واضحاً في تحذيره من أن لبنان يسير نحو الهاوية، ولم يعد الوقت متاحاً للخروج من النفق والانزلاق نحو الانهيار. كل هذا الكلام له معنى لا يخرج عن الموقف الدولي من حكومة حسان دياب، واستطراداً تمسّك "حزب الله" بها. فبعد زيارة الوزير الفرنسي لن يكون وضع الحكومة كما قبلها، وفق السياسي اللبناني، حيث سيتعرض لبنان لمزيد من الضغوط يرتفع معها منسوب الحصار والعقوبات، طالما أن "الحزب" مقرر بسياستها ومستعد لمواجهة العالم ضمن الكباش الإيراني - الاميركي. وفي المقابل يبدو أن لا خيارات ثانية أمام "الحزب"، فهو يتمسك بالحكومة ورئيسها الذي ينفذ سياسة الممانعة بحذافيرها ولا يخرج عن مسارها، على رغم أن "حزب الله" يستنفد الكثير من إمكاناته ورصيده مع حلفائه، طالما ان الحكومة لم تستطع التقدم بأي من الملفات لرفع الحصار ونيل مساعدات دولية أو قروض هي مغلقة حتى إشعار آخر.

قبل زيارة لودريان، ارتبكت الحكومة ومعها "حزب الله" وكذلك العهد أمام ارتفاع الأصوات المطالبة بالحياد، لا سيما مبادرة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، فبدلاً من التعامل بمرونة مع هذا الطرح والانفتاح على مناقشته، لتمرير المرحلة الخطرة التي يعيشها لبنان في ظل الصراع الإقليمي والدولي الراهن، وإنْ كان مطلب الحياد يشكل نقطة خلافية لبنانياً تاريخياً، تعرضت المبادرة للتشكيك والرفض واعتُبرت من رئيس الحكومة نفسه مبادرة سياسية. يعني ذلك، وفق السياسي، أن "الحزب" يريد الاستمرار بالمواجهة ويوظف موقع رئاسة الحكومة للرد، فيما الضغوط السياسية والاقتصادية تنهك لبنان، ليس بالضغط الدولي والأميركي تحديداً فحسب، انما بالتوترات على الأرض، من الحدود مع الاحتلال الاسرائيلي، حيث تستمر الهجمات الإسرائيلية، إلى ملف التجديد لقوات "اليونيفيل" في الجنوب والضغوط المرتبطة بالقرار الدولي 1701، فيما يتحضر "حزب الله" للرد على الاستهداف الإسرائيلي لأحد مواقعه في سوريا وسقوط أحد عناصره. وفي هذا الملف تحديدا بات واضحاً، وفق السياسي، ان "الحزب" سيرد من نقطة حدودية لا تؤثر على مسار عمليات "اليونيفيل"، ويشير الى أنها قد تكون عملية موضعية لرد الاعتبار من دون أن تشعل المنطقة، علماً أن الاميركيين يريدون تغيير مهمة "اليونيفيل" وقد يستثمرون في أي تحرك عسكري على الحدود لزيادة الضغوط على لبنان. ولا يستبعد السياسي نفسه أن يكون هدف تعرّض الطائرات الحربية الأميركية للطائرة المدنية الإيرانية وضْع رقابة أميركية على أجواء لبنان كرسالة تحذيرية تتعلق بمطار رفيق الحريري الدولي، وكأن الإدارة الأميركية تبلغ لبنان الرسمي بضرورة منع تدفق المساعدات الى "الحزب" من "أجواء المطار".

بقدر ما يتمسك حزب الله بالحكومة ويأخذها إلى المواجهة الكبرى، إلا أنه لا يريد في المقابل أن يقدم ذرائع تزيد انهاك وضعه واستنزاف المزيد من رصيده، بما يؤدي الى عدم قدرته على المناورة والمواجهة. لذا قد يكون رد "الحزب" على الاستهداف الإسرائيلي من مسارات حدودية متصلة بين سوريا ولبنان لا تهز القرار 1701، طالما هو في مواجهته يحافظ على نوع من الهدنة ويكرس خطوط تماس مع الاحتلال على الحدود الجنوبية، فيما كل نشاطه يتركز على التدخل في سوريا بقرار إيراني وفي المنطقة، خصوصاً العراق. ويعني ذلك، وفق السياسي، أن المواجهة لا تزال ضمن نطاق الحروب الصغيرة والموضعية وتبادل الهجمات والردود، ولم تصل بعد الى الحرب الكبرى التي لها حسابات مختلفة، فإذا قررت إسرائيل شن عدوان على لبنان باستهداف "حزب الله"، فهي ستركز على نقاط قوته العسكرية وصواريخه وتستهدف البنى التحتية في لبنان، علماً أن استعدادات إسرائيل للحرب باتت في أوجها وفق ما ينقل السياسي عن مصادر معلومات متقاطعة، وقد تكون جزءاً من إعادة ترتيب الأوراق برعاية أميركية في ظل رئاسة دونالد ترامب، وحساباتها ترتبط أيضاً بالانتخابات الرئاسية الاميركية وبالمواجهة مع إيران على ما تعكسه الانفجارات الغامضة في أكثر من موقع إيراني حساس. ولا يمكن عزل ما حصل خلال الاسبوعين الأخيرين من هجمات إسرائيلية في سوريا استهدفت مواقع دقيقة للحزب وفق المعلومات تحدث للمرة الأولى، الى التعرض للطائرة الإيرانية، عن سياق التحضير للحرب الكبرى وإن كانت لا تزال نوعاً من الضغوط المباشرة من دون استبعاد ان تتكرر الضربات الإسرائيلية وحتى التحركات الأميركية، علماً أن أجواء الجنوب اللبناني تعيش حالة توتر في ظل استمرار تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية في الاجواء اللبنانية. أما إذا قرر "الحزب" الرد بعملية نوعية كبيرة على الحدود ضمن المناطق التي يشملها "الخط الأزرق"، منطقة عمليات قوات "اليونيفيل"، فسنكون أمام مرحلة جديدة من المواجهة ليس مستبعدا معها انفجار المنطقة في حرب كبرى شاملة.

الأخطر هو ما نشهده من غياب عربي لاحتضان لبنان، وأيضاً غياب أي حركة ديبلوماسية وسياسية عربية ودولية توقف التصعيد ضد لبنان. هذا مؤشر سلبي كبير حول لبنان، لا يتعلق فقط بالموقف من الحكومة التي لا يعترف بها المجتمع الدولي، وإنما غياب أي مساعدة أو مساعٍ لمنع انزلاق المنطقة الى الحرب. يعكس ذلك كله أن لبنان ينزلق الى مزيد من التدهور والانهيار وحكومته معلَّقة على حبال القرار بالمواجهة ولا تعكس أي ثقة عربية ودولية...

تعليقات: