هل تنظيم \"القاعدة\" موجود في لبنان؟ وأين؟

الاعتداء على الوحدة الاسبانية في الخيام: مؤشر أول
الاعتداء على الوحدة الاسبانية في الخيام: مؤشر أول


توقفت الأوساط الأمنية المحلية والدولية باهتمام بالغ حيال ما اعلنه الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" الدكتور أيمن الظواهري في تصريحه الأخير ان لبنان "سيكون له دوره المحوري في المعارك المقبلة مع الصليبيين واليهود"، وطلب فيه ايضاً من "الجيل الجهادي" في لبنان "ان يطرد القوات الغازية الصليبية التي يزعمون انها قوات حفظ السلام وألا يقبل بالقرار 1701"، وايقنت الاوساط نفسها ان "القاعدة" تسعى فعلاً لتحويل لبنان ساحة "جهادية"، من ساحاتها المفتوحة في العالم لقتال "الكفار والطواغيت"، وخصوصاً في هذه الفترة التي شهد فيها لبنان صراعات دموية داخلية.

وجود "القاعدة" في لبنان بات يشكل منذ سنوات مادة تجاذب وسجالات داخل الساحة اللبنانية، تضاف الى غيرها من المشاكل والخلافات، اذ اعتبرت اوساط سياسية ان موضوع وجود "القاعدة" في لبنان، شأنه شأن التوطين الفلسطيني من حيث توظيفه في النقاشات والسجالات الداخلية، وجعله "فزاعة" من الفزّاعات التي تقلق اللبنانيين وتقض مضاجعهم. فيما ترى جهات اخرى مقربة من "المعارضة"، واستناداً الى تقارير أمنية محلية ودولية، أن المعطيات الواقعية تشير الى ان وجود "القاعدة" في لبنان، وهذا الوجود بات ملموساً. واذا كان تنظيم "القاعدة" لم يعلن عن وجوده في هذا البلد صراحة، الا انه يتمثل في لبنان من خلال جماعات وتنظيمات اصولية فلسطينية ولبنانية تتخذ تسميات مختلفة وتدور في فلكه وتعمل وفق ادبياته، في الوقت الذي تتلقى فيه تعليمات واوامر من "المجلس الجهادي العالمي للقاعدة" الذي يضم: اسامة بن لادن، ايمن الظواهري، ابو عمر البغدادي، ابو اليزيد المصري، عبد الله احمد عبد الله، رضوان عصام الدين، عبد الرحيم الناشري... وآخرين.

الجنوب ساحة ناشطة؟

واليوم تطرح تساؤلات لدى اوساط امنية عما اذا كان الجنوب اللبناني بات يشكل الساحة الناشطة للاصوليين، وما اذا كانت القوات الدولية هدفاً لعملياتهم واعتداءاتهم الارهابية، كالاعتداء الذي استهدف بتاريخ 24 حزيران 2007 دورية للكتيبة الاسبانية العاملة في نطاق القوات الدولية لدى مرورها في سهل الدردارة قرب بلدة الخيام وادى الى مقتل سبعة من افراد الدورية وجرح عدد آخر، والتعرض لدورية لـ"اليونيفيل" قرب جسر القاسمية في 16 تموز 2007، وانفجار عبود ناسفة في 8 كانون الثاني 2008 في بلدة الرميلة استهدفت سيارة لقوات الطوارئ، واطلاق صواريخ كاتيوشا في اتجاه المستوطنات الاسرائيلية. ويعتقد بعض الخبراء المتابعين لنشاط "القاعدة" في بلاد الشام ان المؤسس لتنظيم "القاعدة" في لبنان شخص يلقب بأبي الرشد الميقاتي، وهو لبناني الأصل كان منخرطاً في "الجماعة الاسلامية" في لبنان قبل ان ينفصل عنها. وبعد رحلة علمية قصيرة له الى باكستان عام 2000، حيث تم تجنيده هناك، عاد ليؤسس خلايا تنظيمية تابعة لجماعة "قاعدة الجهاد" عام 2001، حيث شرع في تجنيد وتنظيم خلايا جهادية عادت من العراق. وان الاستراتيجية التي يعمل لها هي تأسيس خلايا جهادية مهمتها العمل خارج الأراضي اللبنانية، اي تصديرها الى الدول العربية المجاورة، وخصوصاً العراق، حيث تمركز قاعدة "الجهاد" في بلاد الشام والرافدين. هذا وقد بلغ عدد الخلايا التي استطاع تجنيدها عام 2003 حوالى 13 خلية. وثمة مراقبون يقولون بان اللقاءات بين افراد "القاعدة" يتم عبر اناس لبنانيين يعيشون في اوروبا، حيث يترددون على لبنان بين الفينة والاخرى وينقلون اثناء وجودهم في لبنان رسائل القيادة والاوامر الى خلايا التنظيم النائمة في لبنان".

تعزيز بنية "القاعدة"

وفي الوقت الذي تشتد فيه السجالات والنقاشات حول مدى وجود تنظيم "القاعدة"، ام لا في لبنان، فان هذا التنظيم الذي يتبع السرية في عمله ونشاطاته والتركيبة العنقودية في تراتبيته الامنية، مستمر في تأسيس بنيته التنظيمية والاستراتيجية والامنية على الساحة اللبنانية، بإشراف مسؤولون يترددون الى لبنان تحت ستار رجال اعمال ودعاة تبشير. ويؤكد احد الزملاء (رفض الكشف عن اسمه) انه شاهد عددا من هؤلاء في مناطق في البقاع الغربي برفقة رجل دين لبناني من تلك المنطقة، كانوا يقومون بزيارات وعقد لقاءات دينية في منازل في بعض قرى البقاع الغربي، ومنهم من قدم تبرعات مالية لانشاء مستوصفات ومراكز صحية ومراكز للتعليم الديني كي يتم استخدامها في نشاطات مستقبلية "للقاعدة".

ويعتبر تنظيم "القاعدة" ان مخيم عين الحلوة في مثابة نقطة الانطلاق والتجمع لكوادر وعناصر "القاعدة" من مختلف الجنسيات، اضافة الى اتباع "القاعدة" طريقة جديدة تقضي بايجاد مقرات، هي كناية عن شقق عادية في مناطق ذات اغلبية شيعية او مسيحية، لإبعاد الشبهات وتجنب اثارة الشكوك.

وبحسب عدد من الباحثين والمحللين فان تنظيم "القاعدة" بات في حاجة الى ايجاد ساحات "جهادية" اخرى بديلة او مضافة الى الساحة العراقية بعدما تلقى ضربة كبرى في الساحة العراقية، واستطاعت القوات الحكومية العراقية المدعومة من الاميركيين اخراجه من مناطق الانبار ومن بغداد وفي اعتقال عدد كبير من قادته ومسؤوليه، ودفعه للانكفاء الى مناطق الموصل ومحافظة ديالى، في وقت تستعد فيه "القاعدة" لمواجهة الحملة الامنية العسكرية التي تعدها القوات العراقية – الاميركية للقضاء عليه نهائيا، بعد الانتهاء من مواجهة ميليشيات جيش المهدي التابعة لمقتدى الصدر.

وتعتبر الساحة اللبنانية بالنسبة الى "القاعدة" من الساحات التي يمكنه منها ان يوجه رسائله للعالم مستغلا وجود حالة سنية لبنانية تعتبر نفسها موضع استهداف وتهديد، وزاد هذا الشعور لدى "سنّة لبنان" بعد التطورات الدراماتيكية الاخيرة التي شهدها لبنان وقيام عناصر "المعارضة" بالسيطرة على بيروت واقفال مكاتب "المستقبل" في الاحياء البيروتية. ويعتقد الكاتب قاسم قصير ان المتغير الاكثر خطورة في المرحلة المقبلة وبعد مرور ثلاثة اعوام على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هو ازدياد المعطيات السياسية والامنية حول دخول تنظيم "القاعدة" على خط الصراع في لبنان من بابه الواسع وخصوصا عبر البوابة الجنوبية، فالاوساط الاسلامية المطلعة تعتبر "أن تكرار اهتمام قادة تنظيم "القاعدة" وفي مقدمهم الدكتور ايمن الظواهري بالوضع في لبنان والحملة التي يشنها على القرار 1701 والقوات الدولية، يشكلان بداية تحول في دور "القاعدة" في لبنان والتحول من اعتماده كممر او بلد وسيط للتنقل والتحرك، الى مركز استقطاب وتحرك ميداني، له الاولوية الى جانب العراق ودول عربية واسلامية اخرى".

فيما اعتبر الزميل محمد ابو علان انه من الواضح ان الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" يعيش ظروفاً في غاية الامن والاطمئنان و"الا لما استطاع ان يكّرر ظهوره الاعلامي في الفترة الاخيرة، والذي اصبح بمعدل مرتين في الشهر تقريبا بعدما كان ظهوره يقتصر مرة كل شهور عدة. وقد خصّص جزءا رئيسيا من رسالته الاخيرة للبنان وعن "دوره الجهادي" في المرحلة المقبلة وفق رؤية "القاعدة" والرجل الثاني فيها. وهذا الكلام تزامن مع تصريحات مساعد وزيرة الخارجية الاميركية ديفيد ولش الذي حذر اللبنانيين من صيف ساخن هذا العام، ولا أعتقد أن هذا التزامن في خطاب "القاعدة" والاميركيين جاء بمحض الصدفة، بل جاء ليؤكد الدور الذي يلعبه تنظيم "القاعدة" في خدمة السياسة الاميركية سواء كان بقصد أو بغير قصد. فتصريحات "القاعدة" عن "الدور الجهادي" للبنان في المرحلة المقبلة ضد الصليبيين فيه الكثير من الخدمة المجانية (إن لم تكن مدفوعة) للولايات المتحدة الاميركية وحلفائها، وخصوصا في دولة كلبنان تقوم على أسس ونسيج من العلاقات الطائفية ثبتت بدستور احتلالي منذ عشرات الاعوام".

قضية فلسطين

وترى أوساط اعلامية متابعة "أن حرب تموز 2006 وما تداعى عنها في الجنوب، وخصوصا مع وجود نحو 12 الف جندي ينتمون الى جنسيات مختلفة، يخلق واقعا أمميا يجذب أنظار العالم كله، ويحظى باهتمام عواصم شتى، وبالتالي يجعل الحراك في المنطقة الجنوبية وان في شكل غير مرئي له صدى وقيمة. كما ان لبنان ولا سيما الجزء الجنوبي منه هو خط "تماس" مباشر مع القضية الفلسطينية التي ما زالت تستأثر بعطف العرب والمسلمين وتثير اهتمامهم. وقد أحسن "حزب الله" ومقاومته على مدى نحو ربع قرن من خلال شبك علاقة وثقى مع هذه القضية عبر مقاومته ورفع الشعارات المتصلة بها، مما وسّع حضور الحزب في المجال العربي والاسلامي، وهو واقع أثار حسد كثيرين، ودفعهم الى اعادة التفكير في سبيل استرداد "مشعل" هذه القضية المستدرة لعطف المسلمين أجمعين".

ولم يعد جديدا القول ان تنظيم "القاعدة" يعاني أساسا عقدة نقص رئيسية، في هذا المجال، إذ تناهى حكما الى زعماء هذا التنظيم الذي نشأ وتبلور في شكل أساسي بعد "تحرير" افغانستان من الاحتلال السوفياتي في نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي، انهم قاتلوا في أكثر من مكان، وواجهوا أكثر من عدو وخاضوا عددا من المنازلات، ولكنهم لم يوجهوا سهما الى العدو الاساسي الذي لا جدل فيه ولا سجال حوله، وهو اسرائيل. لذا، ليس مستغربا، ان يكون هذا التنظيم أصبح من الآن فصاعدا في وارد البحث الجاد عن مطرح له في هذه المواجهة، ولكي يدفع عن نفسه تهمة انه "قتل من المسلمين أكثر من الاعداء سواء في العراق او في سواه". ويسعى تنظيم "القاعدة" الى ايجاد موطىء قدم له على الساحة الفلسطينية سياسية، وانتهاج سياسة تختلف عن حركة "حماس"، وبدا ذلك من خلال قيام عدد من مسؤولي "القاعدة" بتوجيه سهام الانتقاد الى سلوك "حماس" والى نهجها واعتبارها مجرد مشروع ايراني على الساحة الفلسطينية. وكانت "القاعدة" أعلنت عن تأسيس تنظيمها في الاراضي الفلسطينية برئاسة شخص من آل غزاوي.

وبرأي مسؤول أمني لبناني رسمي ان تنظيم "القاعدة" لن يجد صعوبة في التموضع في عدد من المخيمات الفلسطينية في لبنان بسبب وجود كبير لتنظيمات أصولية متعاطفة معه، وهي في الاصل تتلقى دعما ماليا منه، كما ان معظم التحركات والاعمال الارهابية التي جرت في لبنان في الماضي أظهرت دورا أساسيا لـ"القاعدة" في تمويل هذه الاعمال الارهابية.

ووفق تقارير أمنية رسمية فان لدى "القاعدة" مجموعة من القياديين المكلفين بتمويل الخلايا والمجموعات والتنظيمات الاصولية في لبنان، ومن بين هؤلاء أمين أ. د.، وهو كان مقيما في المملكة العربية السعودية، وانتقل الى منطقة تقع بين باكستان وأفغانستان، ويقوم بالتعاون مع مسؤول أحد التنظيمات الاصولية في مخيم عين الحلوة أسامة ش. بدعم مجموعات وحركات اسلامية سلفية وتدريبها في أحياء عدة في مخيم عين الحلوة باشراف مدربين عسكريين من بينهم شحادة توفيق جوهر (المطلوب للسلطات اللبنانية بموجب مذكرات توقيف).

وكانت تقارير اخرى ذكرت منذ مدة ان خلايا ومجموعات "فتح الاسلام" التي لجأت الى مخيم عين الحلوة بعد سقوط مخيم نهر البارد، اعلنت مبايعتها للشيخ اسامة بن لادن، وبدأت تنشط وفق توجيهات وتعليمات "القاعدة"، وهي تستعد لمهمات عدة في لبنان وخارجه، ويتولى الاشراف عليها الفلسطيني عبد الرحمن محمد عوض المعروف بـ"ابو محمد شحرور"، و"ابو محمد عوض"، و"ابو محمد عبد شحرور"، وهو يقيم في مخيم عين الحلوة.

مخاوف أمنية مبررة

وابدت اوساط امنية مخاوفها من ان تستغل "القاعدة" الدعوات التي ارتفعت اخيراً في الوسط السني اللبناني وعبر عدد من المواقع الالكترونية الاسلامية الاصولية، والنداءات التي اطلقها عدد من الدعاة السلفيين والمشايخ لـ"اهل السنة" للتسلح وللدفاع عن انفسهم، ومنها دعوة النائب السابق خالد ضاهر باسم "اللقاء الاسلامي المستقل" "... لاطلاق مقاومة اسلامية وطنية من اجل حماية لبنان والدفاع عن اهله ومنع المشروع الفارسي من مد يديه الى عاصمة عربية، لان من احتلوا بيروت هم فريق من جيش فارسي". وكذلك دعوات الشيخ الشهال ودعوات بعض الجماعات الاسلامية المتطرفة. واليوم تبدي اوساط امنية مخاوفها من ان تكون الحوادث الدامية التي شهدتها بيروت والجبل والشمال وغيرها من مناطق لبنانية نافذة لدخول التطرف الاصولي الى الساحة اللبنانية، وان يشهد لبنان بسبب ذلك اعمالاً ارهابية مشابهة لما يجري في العراق تشارك بدعمها وتمويلها جهات استخباراتية اقليمية ودولية بطريقة غير معلنة، وتعم الاضطرابات والتفجيرات والاغتيالات على الساحة اللبنانية ودائماً بتوقيع "تنظيم القاعدة".

تعليقات: