هل تصهينت قبائل ساحل القرصان؟


كانت المنطقة التي هي اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة، تسمى "مشيخات الساحل العماني"، لأنها كانت جزءا من سلطنة عمان، ثم أطلق عليها الاستعمار لاحقا إسم "ساحل القرصان"، ثم تغير هذا الاسم ليصبح "مشيخات الساحل المهادن".

في الثامن عشر من شهر تموز (يوليو)، عام ١٩٧١م، قرّر حكّام ست إمارات من الإمارات المتصالحة، وهي: أبو ظبي، ودبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، والفجيرة، تكوين الإمارات العربية المتحدة.

وفي الثاني من شهر كانون الأول (ديسمبر)، عام ١٩٧١م، اجتمع حكام الإمارات الست، وتمّ الإعلان رسمياً عن تأسيس دولة مستقلة ذات سيادة، هي الإمارات العربية المتحدة.

تولى الشيخ زايد بن سلطان بن زايد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان آل نهيان (١٩١٨-٢٠٠٤)، أول رئاسة لدولة الإمارات العربية المتحدة، الذي كان له الدور الكبير في توحيد الدولة مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وأسس أول فيدرالية عربية حديثة.

سبق أن تولى الشيخ زايد مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، في السادس من شهر آب (أغسطس)، عام ١٩٦٦، بإجماع وموافقة من العائلة الحاكمة، خلفا لشقيقه "المخلوع"، الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، الذي آثر الإنكفاء عوضا عن معاصرة الحضارة، وعدم الإنفتاح على العالم المتقدم. وتمكّن الشيخ زايد لاحقا من تحقيق إصلاحات واسعة، منها تطوير قطاعات التعليم والرعاية الصحية والإسكان الشعبي وتحديثها.

كان الشيخ زايد عربي النزعة، داعما قويا للقضية الفلسطينية المركزية، وداعيا لتحرير فلسطين من نير الصهاينة.

لم يضع الشيخ زايد قيودا أو شروطا أو معابير على هويات الشركات العالمية التي شاركت في نهضة إعمار وتحديث بلاده، مما أدى إلى ترسيخ الإستثمار الصهيوني العالمي في كل القطاعات العامة والخاصة، الصناعية منها والتربوية، متخفيا وراء هويات وجنسيات غربية عديدة، منها: أميركية، وكندية، وأوروبية، وأوسترالية، ونيوزيلندية.

أستطيع الجزم حول واقع وصدقية هذا التواجد الصهيوني المتمكن، من خلال تجربتي التعليمية، في مؤسسة تربوية جامعية إماراتية، حيث كان معظم، لا بل جميع، أفراد هيئة التدريس الأجانب من التابعية اليهودية الصهيونية، لكنهم كانوا يحملون جوازات سفر غير صادرة عن مؤسسات الكيان الغاصب، ويمضون عطلاتهم السنوية دائما في الكيان، وكانوا يفصحون عن ولاؤهم للكيان أمامنا جهارا، ودون مواربة.

لا أعجب من حادثة توقيع اتفاقية السلام الإستسلامية مؤخرا بين الإمارات والكيان الغاصب، بل أرى أن الإعلان والمجاهرة بها قد تأخر عقودا عديدة، إنما تعود أسبابها الآن الى الظروف السياسية العربية الداخلية التي تردت حاليا إلى هذا الدرك الأسفل من غياب، بل فقدان، الشعور بالكرامة والنخوة العربية التي تربينا عليها طوال الزمن المعاصر.

نعم، لقد روضت وخدرت تلك المؤسسات الإستثمارية الصهيونية قبائل الخليج العربي، ورسخت لديها، الولاء الضيق للشيوخ والأمراء المتخاصمين، ومحت من ذاكرتها خريطة فلسطين والعروبة.

نعم أيضا، لا عجب أن ترضخ كل مشيخات الخليج الفارسي إلى توقيع اتفاقيات "إستسلام" مشابهة للحاصلة حاليا مع الإمارات، لأن نفوذ الحماية والأمن والغذاء والبقاء لديها، يقتصر على التواجد الصهيوني المتجذر أمنيا، وعسكريا، واقتصاديا، وحمائيا، وتربويا، وصحيا، وصناعيا، واستراتيجيا.

يبدو أن امتداد مساحة دولة الكيان الغاصب لن تقتصر، كما يدعون، من الفرات إلى النيل، بل من المحيط إلى الخليج، وخاصة بعد توقيع إتفاق الإستسلام الداهم، بين السودان والكيان!

هذا ما نشهده في الأفق الوجودي العربي القريب، لكن لا زالت جذوة التحرر والعصيان، وقادة، ومشتعلة تحت رماد طغيان الحكام، وستحرق عروشهم في المستقبل القريب الحاصل حتما، الظاهر وراء الأفق الواعد بعزائم، وإرادة الجيل العربي الثائر!

إنهض أيها الشعب العربي من رقادك تحت أنقاض الذل، والخضوع، والخنوع!

إنهض أيها الفلسطيني من تحت ركام العطاءات الدولية ومحادثات الإستسلام!

لن تقوى جائحة العبرية على لقاح العربية والعروبة!

يحيا العرب! تحيا فلسطين!

* سعد نسيب عطاالله

تعليقات: