ديمومة الأبطال واندثار الزعران

يسيطر أمراء الحرب وزعرانهم على قاطرة التخلف والفساد في هذا الوطن الجريح، والمنهوب، والمنكوب منذ عقود عديدة
يسيطر أمراء الحرب وزعرانهم على قاطرة التخلف والفساد في هذا الوطن الجريح، والمنهوب، والمنكوب منذ عقود عديدة


لست في سياق الحديث عن الرجل الأزعر ، الذي هو قليل الشعر متفرقه، ولا عن مكان قليل النبات، ولا عن الحيوان المبتور ذنبه، إنما عن البشري السيِّىءُ الخلُق، الذي قل وجوده في مجتمعنا اللبناني، ولكن زاد شره، وضره، وغدره!

يعيدني هذا الكلام إلى عملي سابقا كأستاذ في أكثر من كلية في الجامعة اللبنانية، لأتحدث عن النشاط الطلابي الفوضوي المتسلط فيها، حيث يسيطر كل حزب بواسطة حفنة قليلة من محازبيه، على حركة الأكثرية العظمى من الطلبة، بفضل الدعم الحزبي المناطقي المسيطر على موقع الكلية، جغرافيا، وديموغرافيا، وطائفيا، ومذهبيا، وحتى إقطاعيا، ولا حول ولا قوة أمام الأكثرية الصامتة، سوى الصمت، والتغيب عن حضور لقاءاتهم الموجهة المشبوهة، البعيدة كل البعد عن المطالب الجامعية الملحة!

ينطبق ذلك أيضا على مجمل المجتمع اللبناني، من أقصاه إلى اقصاه، وفي كل دسكرة، وصولا إلى كل مدينة!

يمتاز المجتمع اللبناني بخميرة الاكثرية العظمى الصامتة من شبيبة الغد الصالحين، المناضلين من اجل التوصل إلى نظام عادل، يطمح إلى تطبيق المساواة في الحقوق والواجبات على كل المواطنين، وليس على مبادئ بالية تعتمد الإقتصار على اكتساب امتيازات المذاهب والطوائف.

لا يخلو هذا التميز المجتمعي المتقدم من وجود عدد قليل من البشر الطفيليين الهامشيين الذين يعمد أمراء الحرب إلى احتوائهم ضمن منظوماتهم المافياوية الميليشياوية، فيقدمون لهم السلاح وفتات الطعام، من أجل توفير امنهم الشخصي والعائلي، وحماية مصالحهم المقيتة الضيقة. لا يسعني وسم هؤلاء السوقة سوى بكلمة منحطة، سيئة، ودنيئة، وهي: "الزعران"!

يسيطر أمراء الحرب وزعرانهم على قاطرة التخلف والفساد في هذا الوطن الجريح، والمنهوب، والمنكوب منذ عقود عديدة، بداعي الحفاظ على حقوق طوائفهم، ومذاهبهم، وبمساندة ودعم من رجال الدين لهم، والدفاع عنهم بكل شراسة ووقاحة، فيرسمون حولهم هالات من الخطوط الحمراء المرفوضة من الأكثرية الشعبية من اللبنانيين النبلاء والشرفاء!

تقهرني موجات هجرة الشبيبة - أصحاب العلم والمعرفة - إلى أقاصي الدنيا ومجاهلها، هربا من تعسف، وتسلط، وفساد هذه الزمر الحاكمة، بينما لا أشاهد حقيبة سفر هجرة واحدة، لأحد من ذرية هذه الطغمة الشيطانية!

المؤسف ايضا، هو دور برامج شاشات الإعلام في ترويج الهجرة والحديث عن فضائلها، ومحاسنها، كمخرج وأفق واعد، فيما جل هدفهم هو الحصول على المال الرخيص، وإفراغ هذا المجتمع من أصحاب الكفاءة، والجرأة، الذين نبني عليهم كل آمال التخلص من هذه الدمى المتسلطة، التي تسابقت إلى طاولة "ماكرون" بإذعان مشين وحقير!

كلا، لن نترك الوطن، ولن نقتلع من جذورنا، ولن نهاجر، لأن ساعة سقوطهم العظيمة قد آن أوانها!

للظالم وزعرانهم يوم قريب، وللأبطال في الجامعات وأماكن العمل ديمومة الدهور، والسابع عشر من تشرين الأول، عام ٢٠١٩، هو بداية انطلاقتهم المجيدة!

* سعد نسيب عطاالله

تعليقات: