المقاومة والأسرار الكثيرة…


الرواية التي سأتطرّق إليها الآن عمرها عشرون عاماً، عمر الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب في 24 أيار 2000، ولأهميتها لا أريد أن أجتهد أو أحلل كي لا تخرج الأمور عن مسارها الحقيقي، بل سأروي ما حصل لي ولأحد المجاهدين من حزب الله في مزارع شبعا بعد الانسحاب من منطقة العرقوب في العام 2000 وفي التفاصيل:

بعد الانسحاب الإسرائيلي بأسبوعين تقريباً وتثبيته للأسلاك الشائكة في محيط بركة كفرشوبا في أعالي العرقوب، والتي تحول دون وصول المواطنين من أهالي هذه المنطقة الى أرزاقهم، تداعى أهالي العرقوب إلى الاعتصام عند بوابة الحديد التي ثبّتها العدو هناك احتجاجاً على قضم أراضيهم واحتلالها، وكنا ما يزيد عن المائة شاب، أثناء ذلك تقدّم مني أحد المجاهدين من حزب الله والذي كان يرتدي لباساً مدنياً وهمس لي: ما رأيك أخ سعيد أن نذهب وإياك إلى خلف هذه التلال لنستطلع المكان؟ فكان له ما أراد دون تردّد، ومشينا في هذا الاتجاه دون ان يتنبّه لنا أحد من المعتصمين، وسرنا الى جانب السياج الشائك هناك حتى أدركنا مهبطاً للمروحيات يستعمله جيش العدو في وقت حالة الطوارئ، فاستمرّينا بالمشي بجانبه حتى وصلنا الى شبكة من الألغام المضادة للأشخاص زرعها العدو في الجانب المحرّر من الاراضي اللبنانية ومربوطة جميعها بالسياج الشائك، فتجاوزناها بحرفية عالية، وما هي إلا دقائق حتى ظهرت لنا آلية عسكرية إسرائيلية قادمة من عمق مزارع شبعا المحتلة وهي في طريقها إلينا وصلت المكان وتوقفت على بعد مترين منا فقط لا يفصلنا إلا السياج، وإذ فيها ضابطان إلى جانب السائق الأسمر البشرة، وبعد أن نظروا إلينا بتمعّن أقلعت السيارة باتجاه موقع مزارع زبدين على بعد كيلومترين من المكان الذي نحن فيه ورغم ذلك أكملنا طريقنا ولكن بهدوء أكثر، وإذ بالآلية العسكرية تعود من الموقع باتجاهنا وكان سائقها الأسمر بمفرده فتقدّم باتجاهنا حتى لامس الشريط الشائك ونادانا باللغة العربية ارجعوا (غاد) (وهو مصطلح عربي قديم) يعني عودوا من حيث أتيتم، لأنهم يتهيّأون للمجيء إلى هنا لقتلكم، وغادر المكان على الفور وكذلك نحن غادرنا على جناح السرعة وعدنا الى محيط البوابة حيث يقف المعتصمون.

هذا هو الشطر الأول من الرواية، أما الشطر الثاني فهو عندما قام رجال المقاومة بعملية اختطاف لثلاث عسكريين إسرائيليين في تشرين الأول 2000 عند بوابة مزارع شبعا المحتلة، بعد ذلك تعرّفت من صور هؤلاء الجنود الثلاثة من خلال وسائل الإعلام على صورة ذلك الجندي الإسرائيلي (الأسمر) الذي نصحَنا قبل أشهر قليلة بالابتعاد عن المكان الذي وصلنا إليه داخل المزارع، ليتبيّن لي لاحقاً انّ هذا الجندي الأسمر هو فلسطيني من بيئة البدو. ويبقى هناك أكثر من احتمال لوجود هذا الجندي في الجيش الاسرائيلي وما إذا كان تصرفه معنا بدافع ذاتي أم أنّ هناك صلة ما تربطه بالمقاومة، الإجابة ليست بحوزتي فبدون أدنى شكّ هي عند أولياء الأمر.

تعليقات: