دراسة لتوفيق كسبار: الدولة أقرضت مصرف لبنان... لا العكس!

الخبير الاقتصادي توفيق كسبار
الخبير الاقتصادي توفيق كسبار


بعد أن تبيّن أنّ المصارف تكذب، وبأنّها لم تُوظّف دولارات المودعين لديها في سندات الدين العام، أظهرت دراسة أعدّها الخبير الاقتصادي توفيق كسبار أنّ مصرف لبنان يخدع اللبنانيين أيضاً. فعوض أن يكون هو من يُقرض الدولة، حصل العكس. وتبادل «المركزي» مع وزارة المال سندات دين بالليرة بسندات بالعملات الأجنبية، قبل أن يبيعها في السوق. عملية لو لم يلجأ إليها المركزي، لما كانت الأزمة بأوجهها الحالية

تكثر المعلومات حول الوضع المالي والنقدي في لبنان، حتّى بات يصلح لأن يكون «نموذجاً» يُدرّس في كليات الاقتصاد العالمية، حول كيف يجب «أن لا» يتصرّف المسؤولون النقديون. ورقة جديدة بعنوان «الانهيار المالي في لبنان: دراسة تشريحية» عَمل عليها الخبير الاقتصادي توفيق كسبار، وصدرت بالتعاون بين «بيت المستقبل» ومؤسسة «كونراد آديناور». أبرز ما جاء في الورقة البحثية، دحض «بروباغندا» القطاع المصرفي بأنّ الأزمة سببها تخلّف الدولة اللبنانية عن تسديد قروضها للمصارف، ما حال دون أن تفي الأخيرة بالتزاماتها مع المودعين. فقد تبيّن بعد عَرض الأرقام والمُعطيات، أنّ الدولة هي التي أقرضت مصرف لبنان الدولارات، وليس العكس. هذه عملية يستحق عليها الحاكم رياض سلامة جائزة استثنائية!


ما هو مصدر أموال مصرف لبنان بالدولار الأميركي؟ دَرس كسبار الفترة الممتدة بين الأعوام 2009 حتى 2019، وتبيّن أنّه يوجد:

- ودائع المصارف لدى مصرف لبنان بالدولار: 69.3 مليار دولار

- الفائدة على احتياطيات مصرف لبنان بالدولار: 7.2 مليارات دولار

- سندات «اليوروبوندز» (الدين بالعملات الأجنبية) الناتجة عن عملية المبادلة مع سندات الخزينة المقومة بالليرة: 17.5 مليار دولار

كيف استخدم مصرف لبنان الأموال التي لديه بالدولار الأميركي؟

- الفائدة على ودائع المصارف بالدولار: 23.3 مليار دولار

- تكلفة الفوائد الأخرى: 1.6 مليار دولار

- قروض بالدولار لصالح الحكومة: 13 مليار دولار

- التغيير في إجمالي الاحتياطيات: 12.9 مليار دولار

- التغيير في حيازة سندات «اليوروبوندز»: 4 مليارات دولار

أما الأموال غير المحتسبة بالدولار، مُضافاً إليها التدفقات الخارجية بالدولار من مصرف لبنان، فقد بلغت 39.2 مليار دولار.

وقد عَرض كسبار المدفوعات والإيرادات لمصرف لبنان بالدولار في مجمل سنوات الـ2009 - 2019، فأتت على الشكل التالي:

- عمليات استيراد الفيول لصالح مؤسسة الكهرباء: 17.5 مليار دولار (سددتها الدولة، بالليرة).

- تحويلات إيرادات وزارة الاتصالات إلى الخزينة: 14.2 مليار دولار

- عمليات الاستيراد لصالح الحكومة: 2.5 مليار دولار

- ميزان المدفوعات: ناقص 6.3 مليارات.

ما هو التفسير العملي لهذه الأرقام؟ يُوضح كسبار في ورقته أنّ «المصارف شكّلت المصدر الرئيسي لأموال مصرف لبنان بالدولار. السبب الأبرز للتدفقات الخارجية كان تكلفة الفائدة على المصارف نفسها، والتدفقات الخارجة غير المحسوبة والتي حصلت أيضاً لصالح المصارف إلى حدّ كبير». وإضافةً إلى المصارف، شكّلت عمليات مبادلة مصرف لبنان لسندات خزينة بالليرة يملكها بسندات «يوروبوندز» تُصدرها وزارة المالية، «مصدراً مُهمّاً للدولار بالنسبة إلى مصرف لبنان». 17.5 مليار دولار هي قيمة الأموال التي أقرضتها الدولة اللبنانية لمصرف لبنان بين 2009 و2019. وكان الأخير «يعمد إلى بيع اليوروبوندز في السوق، وقام ببيعها إلى المصارف في مرحلة لاحقة». في المقابل، أقرض «المركزي» الدولة 13 مليار دولار (سُدّدت جميعها، ولكن بالليرة اللبنانية)، لتكون النتيجة «إقراضاً صافياً من الحكومة للمصرف يُساوي 4.5 مليارات دولار». معلومات كسبار تتقاطع مع تحقيق نشرته «الأخبار» في 22 أيلول حول كَذب القطاع المصرفي بأنّ دولارات المودعين بُدّدت في إقراض الدولة، وأنّ الدَّين العام الذي تحمله المصارف ومصرف لبنان بالعملات الأجنبية يبلغ نحو 17 مليار دولار.

المصارف مثّلت المصدر الرئيسي لأموال مصرف لبنان بالدولار

يعتبر كسبار في ورقته أنّه لولا مبادلة سندات خزينة بالليرة بـ«يوروبوندز» لكانت ديون لبنان بالدولار «أقلّ بما لا يقلّ عن 25 مليار دولار، وصولاً إلى حوالى 5 مليارات دولار فقط في نهاية أيلول 2019، وبالتالي لكان من الممكن تفادي أول تخلّف عن السداد في تاريخ لبنان».

الاستنتاج الثاني لدى كسبار أنّ جميع التدفقات الداخلة إلى مصرف لبنان والخارجة منه في تلك الفترة، «تُقدّر على أنّها تدفقات صافية خرجت من مصرف لبنان بنحو 40 مليار دولار لا يُمكن معرفة طبيعتها بالكامل. وبما أنّ مصرف لبنان يتعامل بشكل أساسي مع المصارف فقط، فإنّ معظم هذه الأموال يجب أن تُمثّل عمليات مع المصارف». ومنها ما قد يكون تدخّلاً من «المركزي» في سوق الصرف الأجنبي، والتحويلات إلى الخارج خلال الأشهر الأخيرة من 2019. «تُعتبر أرباح المصارف إلى حدّ كبير صورة طبق الأصل عن خسائر مصرف لبنان، و90% من الأموال التي أقرضتها له بالدولار عادت إليها على شكل إيرادات فوائد وأرباح».

أربعة أقسام تضمنت دراسة كسبار؛ فإضافةً إلى الجزء المذكور عرض كيف أنّ «سياسات مصرف لبنان والمصارف أدّت إلى تعثّر القطاع المصرفي»، ثمّ شرح أنّ «السياسات الحكومية أدّت إلى انهيار الليرة»، وختم سائلاً إن كان من «تعافٍ من دون سيادة؟». السيادة التي يعرضها كسبار لا تأتي على ذكر الضغوط السياسية التي يتعرّض لها لبنان من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في المنطقة، والمشروع الفرنسي للبنان بما فيه من ضمانة لمصالحها في شرق المتوسط، والحصار الاقتصادي المفروض بطريقة غير مُقوننة، والتضييق على القطاع المصرفي وصولاً إلى هزّه بصورة عنيفة مع «إعدام» مصرف الجمّال، ومنع دخول العملة الصعبة إلى لبنان، والابتزاز الذي يمارسه بعض الدول العربية والخليجية لانتزاع تنازلات سياسية / سيادية. فجُلّ ما يعني كسبار سياسياً لتحقيق التعافي هو «سيطرة القوات العسكرية النظامية بشكل فعّال وشامل على جميع الحدود اللبنانية»، لأنّ لبنان «فقد سيادته السياسية والعسكرية لصالح إيران من خلال حزب الله الذي يُسيطر على الحكومة ويُدير علانية جيشاً كبيراً خاصاً به».

الخبير الاقتصادي توفيق كسبار
الخبير الاقتصادي توفيق كسبار


تعليقات: