سوقٌ افتراضية للسلع المستعمَلة على \"إنستغرام\" من أغراض اللبنانيين


عدد هائل من الزبائن...

لا شكّ في أنه مع كل أزمة اقتصادية تظهر أعمال جديدة يستفيد منها أصحابها، لم تكن لتخطر على بالهم لولا هذه الأزمة. فمع ارتفاع سعر ال#دولار في لبنان، أصبح من الصعب جداً على النساء والفتيات والأمهات شراء ال#ثياب وأدوات التجميل وأغراض الأطفال والمنزل، بأسعارٍ معقولة، وأصبحن يبحثن عن الأرخص. وفي الجهة المقابلة، هناك أشخاص رغبوا في زيادة مدخولهم أو إيجاد مدخول يغطي مصروفهم في ظل الغلاء الفاحش الذي نعيشه. رغبةٌ تُرجمت بإنشاء صفحات على إنستغرام لبيع أغراضهم وثيابهم المستعمَلة، ما خلق سوقاً افتراضية للسلع المستعمَلة على المنصة، وما أكثر هذه الصفحات! عيّنة من هذه السوق المنوّعة في هذا المقال.

تخرجت حنان، صاحبة صفحة Wardrobebyghazal من الجامعة منذ سنة، ولم تجد فرصة عمل. وبعد رؤيتها صفحة لبيع الملابس المستعمَلة على إنستغرام، جرّبت حظّها. بدأت ببيع ثيابها وثياب أختها ووضعتها بأسعار رخيصة جداً لتشجيع الناس على الشراء. وبعد أن جمعت رأس مالٍ صغير، أصبحت تشتري الثياب المستعمَلة من المحلات، وتبيعهم على صفحتها.

لا تتعدى أسعار الثياب لديها الـ 60 ألف ليرة للقطعة، وهذا ما ميّزت نفسها به. انطلقت بصفحتها منذ نحو 5 أشهر، وبدأ المتابعون يزدادون يوماً بعد يوم، "فالناس يطلبون الثياب المستعمَلة لا سيّما الرخيصة بكثرة، وأحياناً تصل فاتورة زبون إلى نحو 400 ألف ليرة، وهو مبلغ يجهّز به لموسم الشتاء كلّه"، بحسب صاحبة الصفحة، حنان. وفي ظل هذه الأزمة الاقتصادية، أصبح من الصعب شراء الثياب من المحال التجارية المعروفة والمعهودة، بينما هي تبيع السروال كحدٍ أقصى بـ 45 ألفاً.

أمّا مايا، صاحبة صفحة detoutetpartout، فبدأت ببيع جميع أنواع الأغراض بشكلٍ عفوي منذ شهر نيسان، وانطلقت بصفحتها رسمياً على إنستغرام في شهر تموز، إذ كانت تبيع أغراضها وأغراض أولادها المستعمَلة.

مرّت مايا وزوجها في فترةٍ دون تقاضي راتبيهما بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة، ما دفعها إلى التفكير في استغلال الأغراض التي تخزّنها، والتي تساوي بكميّتها "بيت تاني"، وفق تعبيرها. وكانت بحاجةٍ إلى مصدرِ دخل آخر يغطي مصاريف بيتها. فبدأت تبيع أغراض أصحابها وأقاربها لاحقاً، واختارت بيع جميع السلع المستعمَلة من أدوات إلكترونية، إلى أغراض المطبخ وأكسسوارات المنزل، إلى أغراض خاصة بالأطفال، شرط أن تكون بحالة ممتازة أو جيدة جداً.

تردّدت في الفترة الأولى في إطلاق صفحتها لمعرفتها بعقلية اللبنانيين، فهم يهتمّون بالمظاهر و"البريستيج"، لكنّها لاحظت الآن أنّهم بدأوا يطلبون كلّ شيء مستعمَل لأنّه أرخص، وأصبح الطلب يزيد على الأمور العملية وليس على طقم من الكريستال مثلاً. وبما أنّ صفحتها انطلقت بشكلٍ قوي، أصبحت تعرض سلعاً لأشخاصٍ يودّون بيع أغراضهم وتضع نسبة من الأرباح لها. وإذا كان البائع لا يدري كيف يسعّر أغراضه المستعمَلة، تساعده مايا في ذلك من خلال البحث عن سعر السلعة في السوق وتخفّض 50% من ثمنها إذا كانت بحالة ممتازة، وقد ترتفع النسبة كلّما انخفضت نوعية السلعة.

الفكرة نفسها راودت سينتيا، صاحبة صفحة pas.de.2 لبيع مستلزمات الأطفال المستعمَلة، بعد رؤيتها صفحات مماثلة على فيسبوك. بدأت ببيع أغراض أولادها المستعمَلة وأرادت خوض التجربة ببضعة أغراض ونجح الأمر معها، ما دفعها إلى إنشاء صفحة على إنستغرام لتبيع فيها أغراض أولادها المستعملة وأولاد أصحابها ومَن يرغب. بعد توقّفها عن العمل، كان لا بدّ من إيجاد عمل آخر. وبما أنّها اكتفت بولدين اثنين فقط، قرّرت الاستفادة من أغراضهما المهجورة، كما بدأت تبيع بعض الإلكترونيات المستعمَلة لديها ومن أشخاص تعرفهم.

"تفاجأت كثيراً، لم أكن أتوقّع أنّ الناس مستعدّون لشراء ما هو مستعمَل، وخصوصاً أغراض الأولاد"، تقول سينتيا. فأغراض الأطفال بالتحديد، أصبحت باهظة الثمن، ولا يمكن شراؤها جديدة وغير مستعملة. وتضع أسعاراً أقلّ من نصف ثمن السلعة الأساسي، لتشجيع الناس على الشراء ولتسييل مخزونها من الأغراض.

أدوات التجميل المستعمَلة لها مكانها في السوق الافتراضية

أدوات التجميل المستعمَلة لها مكانها أيضاً في السوق الافتراضية. ومثال على ذلك صفحة thrift_by_sarah لبيع أدوات التجميل والعطور المستعمَلة. فصاحبة الصفحة، سارة، تعمل أساساً في مجال التجميل، وفكّرت في بيع ما لديها من فائضٍ ممّا هو غير مستعمَل، ومنه مستعمَل بحالة جيدة، ومنه هدايا لم تفتحها بعد. الفكرة راودت سارة بعد متابعة إحدى الصفحات التي تبيع الثياب المستعمَلة، وبدأت تظهر أعداد كبيرة من الصفحات المشابهة أمامها. وبعد أن اشترت من هذه الصفحات، لمعت برأسها فكرة أن تبدأ ببيع أغراضها المستعمَلة.

كان لديها #مساحيق تجميل كثيرة مستعمَلة ومتروكة منذ أكثر من ثلاث سنوات. "لا يمكن تصديق الكمّ الهائل من الزبائن الذين طلبوا شراء أغراضي، فاللبنانيات وإن كنّ في أزمة كالتي نمرّ بها حالياً، يرغبن دائماً بالاهتمام بمظهرهنّ"، تروي سارة. فأسعار هذه السلع أصبح باهظاً جداً، فمثلاً عبوة العطر ثمنها الآن مليون أو مليون ونصف مليون ليرة، ولا أحد يمكنه شراء عطر بهذا السعر. ومتابعوها ينتظرون يومياً ماذا ستعرض على الصفحة ويسألونها عن كلّ جديد.

وتحدّد سارة أسعارها بحسب السعر الذي اشترتها به، وتخفّض منه نحو نصف السعر، ولا تبيع حسب الأسعار الحالية، "فمن الجانب الإنساني لا أفيد أحداً بهذه الطريقة"، إذ إن جانب الاستفادة في بيع المستعمَل هو للطرفين، ولعلّ الاستفادة هي لمَن يشتري أكثر ممن يبيع، ولا شك أنّ هذا دخلاً إضافياً، لكن من الصعب جداً أن يرغب أو يحتاج الشخص شيئاً لا يقوى على شرائه، "خصوصاً نحن كلبنانيين تعوّدنا أن ندلّع أنفسنا وأن نؤمّن حاجياتنا دائماً". وتلفت إلى أنّ الزبونات لا يجدن أي مانع من شراء مساحيق التجميل المستعمَلة، لناحية السلامة الصحية.




تعليقات: