جرائم سرقة وتزوير: «ماراثون» البحث عن جان همام

طُلِب من وسائل إعلام عدم التطرق إلى الملف وتجاهله كلياً (هيثم الموسوي)
طُلِب من وسائل إعلام عدم التطرق إلى الملف وتجاهله كلياً (هيثم الموسوي)


أين جان همام؟

سؤال يشغل الوسط الرياضي رغم تجنّب المعنيين الغوص في تفاصيل الدعوى القانونية التي تطاول الرجل الأقوى على الساحة الرياضية اللبنانية، وذلك منذ صدور مذكّرة توقيف غيابية بحقه في 4 تشرين الثاني الجاري. صحيح أن الشكوى المقدّمة من قبل شركة «ديما تسويق وتوزيع ش.م.ل.» بحق رئيس اللجنة الأولمبية اللبنانية لا ترتبط بمهامه في المجال الرياضي، بل بعمله فيها كمدير مالي لعقود، إلا أن تساؤلات كثيرة بدأت تُطرح حول هذه القضية والتي يتداخل فيها السياسي بالإعلامي بالرياضي، والتي قد تكون لها انعكاسات كبيرة على انتخابات اللجنة الأولمبية اللبنانية المرتقبة بعد شهرين.

ليس جان همام اسماً عابراً أو هامشياً في الحياة الرياضية اللبنانية، وهو الذي تمتد مسيرته في هذا العالم منذ ما يقارب نصف القرن شغل خلالها أعلى المناصب الرياضية وأبرزها رئاسة اتحاد الكرة الطائرة ورئاسة اتحاد كرة السلة، وصولاً إلى تتويج مسيرته بترؤّس اللجنة الأولمبية اللبنانية، المنصب الأرفع في الرياضة اللبنانية، منذ عام 2012.

نجح همام طوال هذه السنوات في مراكمة النفوذ والقوة في الحقل الرياضي اللبناني الذي تغيّب الرياضة عن الكثير من كواليسه، وهو ما ساعده، على ما يقول مطلعون في المجال، على مدّ هيمنته على الكثير من وسائل الإعلام. يبرز ذلك، على ما يشيرون، من خلال شبه التعمية الإعلامية على الدعوى القضائية التي رفعتها شركة «ديما» الإعلانية بحق همام الذي عمل، على مدى عقود، مديراً مالياً فيها. يتجاهل الإعلام اللبناني ذلك، «كما يتجاهل أن الرجل يبرر غيابه عن جلسات التحقيق واضطراره إلى السفر بمهامّ رياضية رسمية تبيّن المعطيات عدم صحتها». وفي هذا السياق تكشف مصادر «الأخبار» أنه «جرى التواصل مع عدد من وسائل الإعلام والإعلاميين وعلى أعلى مستوى لعدم التطرق إلى القضية بتاتاً».

في تفاصيل القضية

تقدّمت شركة «ديما تسويق وتوزيع ش.م.ل.»، وهي شركة تتعاطى الأعمال التجارية وبيع السلع، والممثل التجاري للعديد من الشركات الأجنبية في لبنان، في حزيران 2018 بشكوى جزائية أمام النيابة العامة التمييزية ضد كل من المدير المالي السابق لديها جان همام (يشغل المنصب منذ عام 1983) ورئيس قسم المحاسبة وديع صقر ورئيس قسم المعلوماتية عصام أبو جوده بجرائم سرقة وتزوير واستعمال مزور سُجلت برقم 2018/3289. وتطالب الشركة المدعى عليهم بأموال تتخطّى قيمتها مع الفوائد الـ 30 مليون دولار أميركي.

أحالت النيابة العامة التمييزية الملف بعد أن ختمت التحقيق إلى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، حيث ادعى النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان على المدعى عليهم بجرائم السرقة والتزوير وإساءة الأمانة والاحتيال واستعمال المزور وأحالهم على قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، الذي أحال بدوره الملف على أحد قضاة التحقيق في جبل لبنان للسير بالتحقيقات.

بعد مرور أكثر من عامين على تقديم الشكوى لم يحضر همام شخصياً أي جلسة تحقيق، مكتفياً بحضور وكيله المحامي بول كنعان، شقيق النائب إبراهيم كنعان، وهو ما يدفع البعض إلى الغمز من هذه الزاوية للحديث عن تدخلات سياسية للمماطلة في بتّ الملف وتركه نائماً في الأدراج قدر المستطاع، وخاصة إلى حين انقضاء ولاية اللجنة الأولمبية الحالية التي يفترض أن تعقد انتخاباتها في 21 كانون الثاني 2021 المقبل، أي قبل أيام من جلسة التحقيق الجديدة المرتقبة مع همام التي حُدد موعدها في 29 من الشهر نفسه. وما يُقال في الكواليس هو أن قضية همام ستبقى خافتة، بهدف نيل دعمه لمرشح يخلفه، هو تحديداً جهاد سلامة، رئيس لجنة الرياضة في التيار الوطني الحر.

يتذرّع همام بمشاركته في نشاطات في الخارج لتبرير سفره قبل الجلسات القضائية

اللافت أن همام يتذرّع في كل مرة باضطراره إلى السفر لضرورات مهنيّة مرتبطة بمنصبه الرياضي للتهرّب من حضور الجلسات، ليعود إلى لبنان بعد أيام من انعقادها، وهو ما تدحضه الكثير من الوقائع. فبحسب الجهة المدعية، و«قبل جلسة التحقيق في 29 أيلول المنصرم قدّم وكيل همام معذرة بحجة أنه مسافر لحضور اجتماعات الدورة الـ21 للألعاب الآسيوية عام 2030 بصفته رئيس اللجنة الأولمبية اللبنانية وعضواً في لجنة تقييم الألعاب الآسيوية (التي من مهامها استعراض ملف كل من السعودية وقطر، البلدين المتنافسين على استضافة هذه الألعاب). إلا أن مراجعة الكتابين اللذين تقدم بهما همام عبر وكيله تبيّن أنهما غير موجّهين إلى همام، إنما إلى رئيسَي اللجنة الأولمبية في السعودية وقطر، ويتضمنان إبلاغ الطرفين السعودي والقطري قرار المجلس الأولمبي الآسيوي تشكيل لجنة تقييم فيما خصّ الألعاب الأولمبية لعام 2030، ولم يتضمنا أي دعوة لهمام لحضور أي اجتماع، خاصة أن الكتابين ذكرا بأن الاجتماعات ستُعقد بعد انتهاء جائحة كورونا. كما أنه من اللافت أن تذاكر سفر همام تُظهر بأن وجهة سفره كانت فرنسا وكندا وليس الكويت حيث مقر اللجنة الأولمبية الآسيوية».

ووفقاً للجهة المدعية «تقدم وكيل همام قبل جلسة التحقيق بتاريخ 3 تشرين الثاني الجاري بالمعذرة نفسها التي سبق أن أدلى بها في الجلسة السابقة، مبرزاً صورة لجواز سفر همام تبيّن أنه غادر لبنان قبل يومين من تاريخ الجلسة، وهو ما دفع بقاضي التحقيق إلى إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه. تقدم همام بطلب استرداد مذكرة التوقيف الغيابية بحقه إلا أن قاضي التحقيق قرّر رد الطلب».

يؤكد وكيل همام المحامي بول كنعان أن «همام سيعود هذا الأسبوع إلى لبنان وهو لم يتهرب من حضور الجلسة وقدّم معذرة لقاضي التحقيق للمشاركة في نشاط رياضي بحكم منصبه كرئيس للجنة الأولمبية». وينفي كنعان كل ما يقال عن الموضوع، خاصة أن «القانون يسمح لنا بتقديم دفوع شكلية واستئنافها وتمييزها، إضافة إلى أن عمل المحاكم تعطّل لأشهر بسبب الثورة وفيروس كورونا وبالتالي لا صحة لأي حديث عن مماطلة وضغوط، عدا أن الدعاوى تأخذ سنوات عدة في لبنان ليُبَت بها».

من جهته، ينكر هاشم حيدر، نائب رئيس اللجنة الأولمبية اللبنانية أن يكون همام مكلفاً من قبل اللجنة الأولمبية اللبنانية بالقيام بمهمة في الخارج. ومع تأكيده أنه لا يعلم مكان وجود همام، يرجح «أن يكون مع لجنة تقييم الألعاب الآسيوية التي قصدت السعودية وقطر، لكن لا أعلم إن كان حاضراً مع الوفد أو لا».

إلا أن بحثاً بسيطاً يكشف أن همام لم يكن ضمن وفد لجنة التقييم الآسيوية التي زارت الرياض (من 7 إلى 10 تشرين الثاني) ومن بعدها إلى الدوحة (من 10 إلى 14 تشرين الثاني)، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن المهمة الرياضية المكلّف بها في الخارج، وفي أي بلد تحديداً، خاصة أن غالبية الاجتمعات الرياضية تُعقد عن بُعد، عبر تطبيق ZOOM.

سلامة يخلف همام؟

لا يوجد نص في قانون اللجنة الأولمبية اللبنانية يسمح «بتنحية الرئيس في حال كان طرفاً في نزاع قضائي، كون كل متهم بريئاً حتى تثبت إدانته»، وفقاً لحيدر. أما جهاد سلامة، رئيس لجنة الرياضة في التيار الوطني الحر، فيعتبر أن «الكثير من الأشخاص في مواقع أعلى من همام، وبعضهم في اللجنة التنفيذية للجنة الأولمبية الدولية وفي الجمعية العمومية للجنة الأولمبية الدولية من يابانيين وصينيين وغيرهم، كانوا أطرافاً في نزاعات قانونية بتهم فساد وغيرها وحافظوا على مواقعهم، والبعض الآخر حين أدينوا استقالوا أو أقيلوا». أما وزارة الشباب والرياضة فلا سلطة لها في هذا المجال ولا يمكنها التدخل في اللجان الأولمبية أو الاتحادات الرياضية. وفي حال أي تدخل سياسي فإن اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي الخاص بالرياضة المعنية يقومان بتجميد النشاط الرياضي وتمثيل البلاد في الخارج على مختلف الأصعدة.

حتى اللحظة يكشف كثير من السياسيين المعنيين بالشأن الرياضي عن نيتهم دعم جان همام في حال ترشّحه لانتخابات اللجنة التي ستُعقد في 21 كانون الثاني المقبل، ومنهم حيدر الذي يؤكد «إننا نتمنى أن يعاود همام الترشح لكن في حال عدم رغبته سنتوافق على شخصية تخلفه». أما سلامة، والذي يُعَد مِن الشخصيات الأكثر نفوذاً والأقوى في انتخابات الاتحادات الرياضية في لبنان، فيشدد على أن لا نية لديه ليكون رئيساً للجنة الأولمبية «بل أسعى لأن أكون من خلال من أمثل أن أكون وزيراً للشباب والرياضة في الحكومة المرتقبة، لأنني أومن أنني قادر على العمل بفعّالية أكبر وتنشيط العمل الرياضي من الوزارة أكثر من اللجنة الأولمبية».

لكن ماذا لو لم يترشح جان همام؟

سيناريو كهذا قد يفتح الباب واسعاً أمام خيارات متعدّدة. ففي حال عدم تشكيل حكومة قبل موعد انتخابات اللجنة فإن سلامة قد يكون المرشح الأوفر حظاً، وهو أمر لا ينكره بقوله إن «هناك رغبة كبيرة من مختلف الأفرقاء ومنهم القوات والكتائب أن أترشح لرئاسة اللجنة الأولمبية نظراً إلى مسيرتي ووقوفي إلى جانبهم. وفي حال ترشحي لرئاسة اللجنة، لن يترشح أحد في وجهي، لكن في حال لم أترشح سيكون هناك صراع على هذا الموقع وهو ما قد يفرض عليّ الترشح لتجنّب المعركة».

تعليقات: