اتفاق الدوحة: رماد التوافق هل يخمد جمر الخلافات؟


في العشرين من ايار مايو، دخل لبنان مرحلة جديدة في تاريخه . فقد استطاع الحل العربي الذي انطلق من الدوحة عاصمة قطر في جمع اللبنانيين على ضرورة انهاء الازمة السياسية المستفحلة في لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 . وصحيح ان الدوحة احتضنت اللبنانيين المتنازعين فيما بينهم على النظام السياسي اللبناني، وان اميرها الشيخ حمد ورئيس وزرائها لعبا دورا محوريا رئيسا في اتفاق اللبنانيين لكن لايمكن اغفال قوة الدفع العربي والدولي التي مكنت الطرفان المتخاصمان من الوصول الى اتفاق يعيد للمؤسسات الدستورية اللبنانية دورها ويطلق دينامية جديدة في لبنان على انقاض مرحلة من النزاعات التي لم تخلو من الدم ورائحة الموت والبارود . فلقد ارسى اتفاق الدوحة اسس الخلاف داخل المؤسسات التي يستظل تحت قبتها اللبنانيون بعيدا عن التناحر في الشارع او عبر تعطيلها وشلها . واهمية اتفاق الدوحة انه حل عربي في بلد عربي للتاكيد على ان العرب قادرون على ايجاد حلول فيما بينهم دون اي ان يكون التدخل الاجنبي فاعلا سواء في العرقلة او الحل . وميزة الحل العربي الاتي من الدوحة انه محصور في نطاقه اللبناني مع العلم ان لبنان ساحة تعكس الخلافات العربية والاقليمية والدولية، فالاتفاق ليس له صلة ولاتاثير بما يدور في المنطقة ولا اشارة على اطفاء الحرائق الاقليمية لاسيما في فلسطين المرشحة الاوضاع فيها الى مزيد من التصعيد الدامي وخصوصا في غزة . فاتفاق الدوحة هو اتفاق اللحظة الاخيرة قبل ان يعلن المسؤولون فرط الحوار وفشله ووجد اللبنانيون وبضغط قطري وعربي ان اتفاقهم قدر لان الجميع يدور في حلقة مفرغة بعدما استنفدت اساليب الخلافات فعاليتها وبات الطرفان اسرى الافكار والطروحات العقيمة . فقد كان لبنان على فوهة المدفع وعلى مرمى رصاصة من دوامة الفوضى المسلحة مجددا بكل ما تعني هذه الكلمة وان الجميع معارضة وموالاة يقفون على حافة الهاوية فبات الخيار الوحيد امامهم الاتفاق والا دخل لبنان في المحظور الذي كان قد اطلق عليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في اب اغسطس الماضي الشر المستطير . او وقف مجددا امام جملة المبعوث الامريكي الى لبنان عام 1988 ريتشارد مورفي عندما قال اما مخايل الضاهر او الفوضى وكان يخير اللبنانين بين اثنين ام انتخاب الضاهر رئيسا للجمهورية او الفوضى ولكن لبنان كان على موعد مع الفوضى التي انتهت باتفاق الطائف في العام 1989 . واتفاق الدوحة اليوم لجم الفوضى قبل اندلاعها لكنه لم ينزع الغاما في طريق الاستقرار الاهلي والمصالحة الوطنية الشاملة . ومخطىء من يظن ان الاشتباك السياسي في لبنان هو على زيادة وزير او نائب لهذا الفريق او ذاك لزيادة الحصص في الدولة وانما هو من اجل اعادة تشكيل هذا البلد من جديد . وليست المشكلة في لبنان انتخاب رئيس بالثلثين او بالنصف زائد واحدا، ولا في صعوبة اختيار رئيس توافقي يؤيده الجميع وانما في طبيعة المجتمع اللبناني المفتقر دائما الى السلام الداخلي والتصالح مع النفس . ولذلك يبقى لبنان دائما مفتوح على التوتر والاهتزاز الملجوم بتسويات . فهناك الان مشكلة سلاح حزب الله الذي يتهمه اخصامه باختطاف قرار الحرب والسلم من يد الدولة اللبنانية وفرض خياراته على كل اللبنانيين وتقويض دعائم الدولة لمصلحة دولته التي تقوم في المناطق التي يسيطر عليها . فلبنان هو في لجج انقسام سياسي حاد تصاعدت وتيرته بعد حرب يوليو مع ظهور حزب الله كنخبة قتالية تشكل قوة عسكرية تتجاوز قوة بلد صغير كلبنان، وهذا ما زاد اسئلة الفريق الاخر الخصم السياسي للحزب عن الهدف الابعد من وجود ترسانة اسلحة في يد فريق من الافرقاء اللبنانيين تجعله اقوى من الدولة ؟ و اجوبة حزب الله على هذه التساؤلات والتي تؤكد على الدور التحريري لسلاحه والدفاعي عن لبنان بوجه الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة لم تضع حدا للجدل والتباين في وجهات النظر خصوصا وان الانقسام حول سلاح حزب الله ليس معزولا عن خلاف اساسي وحوهري في لبنان هو عن الدور الذي ويلعبه و سيلعبه . ولاتقل قضية العلاقة اللبنانية السورية بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان اهمية عن سلاح حزب الله لاسيما في ظل الاتهامات المتزايدة لسوريا من قبل الموالاة باستمرار ضخ الاسلحة الى الحزب وفئات لبنانية اخرى . وعلى الرغم من اقرار محكمة الحريري الدولية ووضعها تحت الفصل السابع وقول البعض انها اصبحت وراءنا الا انها ماتزال مادة خلافية في لبنان وقد كانت احد عناوين الازمة السياسية التي عصفت بلبنان وخرج التحالف الشيعي امل وحزب الله من الحكومة احتجاجا على عدم مناقشة قضية المحكمة في مجلس الوزراء . ويخشى حزب الله المحكمة من ناحية سياسية مخافة ان تكون بواجهة جنائية واهداف سياسية اي محاكمة للمقاومة اللبنانية التي تقاتل اسرائيل وتسعى امريكا للانتقام منها . وانطلاقا من هذه المعطيات فان اتفاق الدوحة هو تسوية لبنانية لبنانية لانتخاب رئيس للجمهورية وملء الفراغ في كرسي الرئاسة لان استراره يعني استمرار الخطر محدقا بضياع لبنان الواحد الموحد . وتشكيل حكومة وحدة وطنية من شانها ان تكون اطارا يجمع الطرفين المختلفين على طاولة واحدة من اجل التوصل الى صيغة واحدة في ظل الحرص على ان تشكيل مجلس نيابي جديد يواكب المرحلة التي دخلها لبنان . واستمرار الحل العربي على فاعليته وتطبيق بنود اتفاق الدوحة بالكامل منوط باللبنانيين اولا الذين عليهم الاستفادة من الفرصة التاريخية الحالية التي سنحت لهم الافتاق على معالجة خلافاتهم تحت سقف الدولة الواحدة وفي حضنها.

تعليقات: