في قلب الجحيم: الإصابات إلى أكثر من عشرة آلاف يومياً «إغلاق حديدي» بعد انهيار القطاع الإستشفائي


مع إقرار لجنة الصحة النيابية، اليوم، قانون استعمال اللقاح المخصص لفيروس كورونا بصورة طارئة تمهيدا لتسريع وصوله قبل منتصف الشهر المُقبل، تبدأ أولى خطوات حالة التأهب القصوى التي فرضتها أرقام الإصابات اليومية التي تضخّمت بشكل كبير خلال الأيام الماضية وتجاوزت نسبتها في المليون تلك المُسجلة في بلدان تحتل المراتب العشر الأولى عالمياً في نسب الإصابات الإجمالية. ومع التقديرات بإمكان تجاوز أعداد المصابين العشرة آلاف يومياً في الفترة المُقبلة، في ظل انهيار شبه تام للقطاع الاستشفائي، أوعز وزير الصحة حمد حسن، ليل أمس، بـ«إخلاء» المُستشفيات الحكومية من المرضى غير المُصابين بـ«كورونا» وتخصيصها لضحايا الوباء، فيما التوجه إلى الإعلان اليوم عن تعديل قرار الإقفال التام نحو إجراءات أكثر صرامة قد تصل إلى إقفال المطار لمدة 7 أيام ومنع تام للتجوال والتشدد في الاستثناءات.

قبل عشرة أشهر، عندما كانت الدعوات إلى «عدم الهلع» تسيطر على الخطابات الرسمية، وفي المقابل كان ثمة من يدعو الى وضع خطط استراتيجية تقي من السيناريوات الأقسى التي كانت تشهدها بقية بلدان العالم. طوال هذه الفترة، لم تلقَ المطالبات بـ«منهجة» إدارة الأزمة آذاناً صاغية لدى صناع القرار الذين امتهنوا القرارات بـ«المفرّق» وبطريقة عشوائية. اليوم، يحصد البلد ثمار «اللاخطة»، فيما لمس المُقيمون تداعيات التفلّت من الإجراءات والتدابير الوقائية.

الجمعة الماضي، تجاوزت أعداد الإصابات اليومية في المليون تلك المُسجلة في إيطاليا التي تحتل المرتبة الثامنة عالمياً في تسجيل الإصابات الإجمالية وألمانيا (المرتبة العاشرة) وإسبانيا (المرتبة التاسعة)، وتجاوزها تلك المسجلة في كندا وفرنسا وسويسرا وبلجيكا. وهذه كلها بلدان ذات قدرات استشفائية عالية، ولا تُقارن بالقطاع الاستشفائي المنهار بشكل كامل بفعل تواتر الضربات عليه منذ أكثر من سنة، بدءاً من الأزمة الاقتصادية وما لحقها من «موسم» هجرة الطواقم الطبية وصرف مئات الممرضين والممرضات وتراكم المستحقات المالية وأزمة انقطاع المُستلزمات الطبية، مروراً بانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب، ووصولاً الى استنزاف مخزون المواد والمعدّات و«امتلاء» أسرّة العناية الفائقة.


نسبة الإصابات في المليون تجاوزت تلك المُسجلة في البلدان العشر الأولى في إجمالي الإصابات

إشارة إلى أن هذه البلدان التي «ينافسها» لبنان، تملك، خلافاً لما لدينا، ما يُسمّى «مصادر تشخيصية موثوقة» لجهة المسح المنظم الذي يحكم أعداد الفحوصات المخبرية، «فيما يوجد لدينا مناطق شبه مفتوحة ودائمة التمرد على إجراءات الوقاية ولا قدرة على إجراء مسح دقيق لها، كالمخيمات والأحياء السكنية المكتظة التي لا يملك أهلها المنسيون من السلطة ترف إجراء الفحوصات المخبرية»، وفق مصادر طبية. وعليه، فإن الأرقام الحالية، رغم ضخامتها مقارنة مع نسبة الفحوصات المخبرية (أكثر من 13%) ومقارنةً مع عدد المُقيمين (31 ألف مُصاب في المليون)، نبقى أقلّ بكثير مما هي عليه فعلياً. ومع الانفلات الذي رافق فترة الأعياد، والتوجه الحتمي الى تكثيف الفحوصات المخبرية، لن يكون مستغرباً أن تصل أعداد الإصابات الى عشرة آلاف إصابة يومياً، وفق مصادر اللجنة الوزارية المخصصة لمواجهة كورونا. واللجنة لم تجد إلا في توصية الإقفال الحديدي وسيلة يتيمة لتدارك الوضع المتهالك، مع «بداية دخولنا السيناريو الإيطالي»، بحسب عضو اللجنة مازن بو درغم.

ووفق المعلومات، فإنّ اللجنة رفعت توصية بإقفال تام للمطار لمدة سبعة أيام بعد خلاف طويل بين أعضاء اللجنة الذين اتفقوا على عدم قدرة ضبط الوافدين بسبب انشغال القوى الأمنية خلال فترة التشدد بالإقفال. كما رفعت توصية بإلغاء الاستثناءات التي يتضمنها قرار الإقفال الحالي، كالإدارات والمؤسسات الرسمية ومحال الشتول وميكانيك السيارات وصولاً إلى التوصية بإقفال الأفران ومحال السوبرماركت على أن يكون منع التجول لمدة 24 ساعة.

هذه التوصيات ترافقت مع إصدار اللجان الطبية في 15 من المُستشفيات الرئيسية بياناً دعت فيه إلى العمل بشكل فوري على تحويل مُستشفيات بكليتها لاستقبال مرضى كورونا (تحديدا تلك التي لديها البنية الهندسية والكوادر اللازمين) بحسب خطة تحمي المُستشفيات التي تقدم الرعاية لمرضى الحالات السرطانية والحالات الطارئة القلبية والجراحية وتسهيل وتيسير الاعتمادات لشراء المعدات الطبية والأدوية الضرورية والمُستجدة ولتأمين مُستلزمات الوقاية الكاملة للجسم الطبي والتمريضي. كما طالب البيان بوقف العمل الطبي إلا للحالات الطارئة لتفريغ جميع الطاقات لمعالجة مصابي «كورونا»، على أن يستثنى فقط غير اللبنانيين الذين حضروا للاستشفاء ولمدة أسبوع من تاريخه. كما أوصت بالطلب من مجلس النواب الاجتماع بشكل فوري لملاقاة الحكومة وإصدار قانون يشرع اللقاحات بشكل طارئ من دون أي عقبات أو ملاحقات للشركات المصنعة للقاحات، وإلزام مصرف لبنان بفتح اعتمادات فورية للقاحات والاحتياجات الطبية، إضافةً إلى تشريع غرامات مالية باهظة جداً، كما في دول أخرى، على الأفراد المخالفين لقرارات الإقفال وتفعيل القانون الخاص بالعقوبات في حال نشر الوباء، مع التشدّد في التطبيق من دون استثناءات. والأهم، التشريع لتوفير الاعتمادات والمساعدات المالية الضرورية للمواطنين للصمود في بيوتهم خلال الإقفال العام».

هذه الدعوة، إضافة إلى مطالبة نقيب الأطباء في بيروت، شرف أبو شرف، بتجهيز المُستشفيات الحكومية «التي أنفق عليها سابقاً المليارات (...) والتي لا تتجاوز نسبة إشغالها الـ15%»، سبقت القرار العاجل الذي اتخذه وزير الصحة حمد حسن، ليل أمس، بوقف استقبال الحالات المرضية العادية في كل المُستشفيات الحكومية التي توجد فيها أقسام لمعالجة مرضى كورونا، وتحويل هذه المُستشفيات حصراً إلى مراكز خاصة بمرضى «كوفيد 19».


تهافت على «الأوكسيجين» للتخزين... وأجهزة «مزوّرة»

النقص الكبير في أجهزة تصنيع الأوكسيجين سببه الرئيس التهافت على تخزينها، «ما يتسبّب في حرمان المرضى الذين قد يحتاجون إليها فعلاً». وأكدت رئيسة تجمع نقابة مُستوردي المعدات والأدوات الطبية سلمى عاصي «الاقتراب من نفاد الكميات المتوافرة في السوق بسبب الطلب الكبير». وأوضحت أن 70% من الطلبات خلفيتها التخزين الاحتياطي، «لذلك نتمنى من الجميع ترك هذه الكميات للأشخاص الذين يستحقونها فعلاً».

وفيما لفتت إلى وجود كميات «في طريقها إلى لبنان»، أملت من الوزارات المعنية تسهيل إجراءاتها ومعاملاتها لتسليمها للمرضى المحتاجين. ووزّعت النقابة لائحة بأسماء الشركات التي توفّر تلك البضائع، متمنية الالتزام بها، «لأن هناك الكثير من الجهات في السوق التي تبيع أجهزة مستعملة، وقد وردتنا اتصالات وشكاوى عن أجهزة تزوّد المريض بالهواء وليس بالأوكسيجين».

تجدر الإشارة إلى أن مصرف لبنان لا يدعم استيراد أجهزة تصنيع الأوكسيجين، ما يعني أن أسعارها تُحدّد وفق سعر دولار السوق.

هل تُصادَر المُستشفيات الخاصة؟

مع تعنّت عدد كبير من المُستشفيات الخاصة وإصرارها على عدم استقبال مرضى كوفيد 19 بحجة عدم تسديد مُستحقاتها المالية المتراكمة، يُطرح نقاش بشأن الصلاحيات التي يُمكن أن تمارسها وزارة الصحة في هذا الصدد. مصدر مُطّلع أكد أن الدولة يمكنها أن تستند إلى قانون الطوارئ الذي أقرّ في بداية الأزمة لإجبار المُستشفيات على فتح أبوابها أمام المرضى، «وهي تستطيع بموجب هذا القانون مصادرتها وتخصيصها بالكامل لمرضى كورونا حفاظاً على استمرارية الحياة العامة». إلّا أن المُشكلة، وفق المصدر نفسه، تكمن في كيفية إدارة هذه المُستشفيات «فالنقص الكبير في الطواقم الطبية وغياب خطة توزيع الموارد المالية المتاحة لإدارة الأزمة سيخلقان عوائق عديدة تحول دون إمكانية تحقيق الهدف المنشود ما لم تتخذ إجراءات بديهية كان يجب أن تتخذ مع بداية الأزمة، كتخصيص مستشفيات كاملة لكورونا، والإعلان عن توظيف جزئي لأطباء وممرضين وفق خطة عمل محكمة».

إقرار «أوّليّ» لقانون الإعفاء من مسؤولية تداعيات اللقاح

قبل أسابيع، كانت إحدى الجامعات في لبنان تُنظّم اجتماعاً مع ممثلي شركة «موديرنا» للمساهمة في وضع آلية أوّلية لاستقدام اللقاح قبل أن يتم إلغاؤه لعدم وجود قانون يعفي الشركات المصنعة للقاحات من مسؤولية تحمل آثارها الجانبية.

وتتجه لجنة الصحة النيابية اليوم إلى إقرار مشروع قانون «تسيير» اللقاح عبر إعفاء الشركات المصنّعة من المسؤولية وإجازة استخدامه في الظروف الطارئة، فيما تُفيد معلومات «الأخبار» بأن الصيغة الأولية للمشروع كانت تتضمن شروطاً تفصيلية تتعلق بتعهدات تُقدمها الشركات قبل توقيع الاتفاقيات معها، «وهو أمر كان سيؤدي إلى عدم حصول لبنان على أي لقاحات في ما بعد»، بحسب أحد أعضاء اللجنة، قبل تعديل هذه الشروط والاكتفاء بصيغة عامة تجيز استخدام اللقاح. ومن المعلوم أن 250 ألف جرعة من لقاح «فايزر» يتوقع وصولها منتصف شباط المُقبل، على أن توزع وفق الأولويات التي حددتها اللجنة العلمية في وزارة الصحة، وهي كبار السن والطاقم التمريضي والطبي وأصحاب الأمراض المزمنة، وهم الفئات الأكثر عرضة لوضعهم على أجهزة التنفس الصناعي. وفيما يبلغ عدد الشحنات الكامل للقاح مليوني جرعة، يقدر رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي حصول لبنان على مليون و500 ألف جرعة من اللقاحات المعتمدة من منصة «كوفاكس»، على أن تسدد كلفتها من أموال البنك الدولي.

تهافت على «الأوكسيجين» للتخزين... وأجهزة «مزوّرة» (أ ف ب )
تهافت على «الأوكسيجين» للتخزين... وأجهزة «مزوّرة» (أ ف ب )


تعليقات: