اضمحلال الامبراطورية الاميركية وصعود أخرى: مؤشرات وتوقعات


مع تسارع الاحداث في البر الأميركي منذ انتهاء مفاعيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، خيّم السؤال التالي بإلحاح: هل بدأ العد العكسي لإندحار امبراطورية يقترب عمرها من ٢٥٠ سنة خلت، وتصدرت المشهد العالمي بإنتهاء الحرب الكونية الثانية منتشيه بالنصر بأقل الخسائر التي فتت عضد حلفائها قبل أعدائها، وعاشت عصرها الذهبي مع هدم جدار برلين ورحيل الدب الروسي عن المسرح العالمي.؟

تقهقر السطوة الأميركية في العالم، وتضعضع اوضاع الاتحاد الاوروبي وفشله في احتضان منظومته الداخلية على وجه الخصوص، بالطبع سيستدعي ظهور فراغ كبير على المستوى الدولي، ستحاول العديد من الإمبراطوريات الناشئة من تعبئة الفراغ المستجد، ولكن بكل تأكيد، لن تستطيع امبراطورية بمفردها تعبئة هذا الفراغ الهائل الطارئ، وستنهش كل امبراطورية ما هو باستطاعتها من التركة الثقيلة.

فمثلا: الصين بدأت منذ تم طرح مبادئ العولمة بملء الفراغ الاقتصادي، وتصدرها بلا منازع يذكر لقائمة الدول الأكثرتصديراً في العالم، وبالتالي ظهور الارتفاع الايجابي المتسارع في ميزانها التجاري.

روسيا الاتحادية، وبعدما استدركت كبوتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بدأت فعليا بملء الفراغ العسكري الذي بدأ يظهر جلياً في أماكن متفرقة (مثال ذلك التدخل الراجح للقوات الروسية في المتاهة السورية)، وبناء عليه ستصبح مؤهلة لتصبح شرطي العالم الجديد من غير منازع يذكر.

بينما استحوذت المجموعة الشرق أسيوية (تايوان، سنغافورة، الصين، اليابان، وكوريا الجنوبية) على أكبر كتلة من العملات الصعبة في العالم ومن ثم سيصبحون بلا شك المسيطرون على المُكون المالي ويتحكمون بالجانب المصرفي للكون بأسره.

اليابان وكوريا بالدرجة الأولى (ويتبعهم بمساحة أقل باقي دول المنظومة الاسيوية - الصين، تايوان وسنغافورة) تربعوا على عرش التكنولوجيا المنطلقة بسرعة نفاثة نحو اللامحدود منذ بداية الألفية الثانية.

كما ونجد أن النواحي الاعلامية بما فيها التواصل الاجتماعي المستحدث والذي اصبح حلقة وصل بين براثن الاعلام المتوحش واستحواذه على الرأي العام بصفة عامة وتمكنه بإرادة مطلقة في بناء الثقافة الضحلة التي تصبغ الجيل الصاعد وبالإضافة لسيطرته على المدلولات الاجتماعية المفككة التي تطفح بها المجتمعات المترامية على وجه المعمورة، ولهذا ستبقى تلك الوسائط المتعددة وربيبتها شبكة الانترنت ذات الرمال المتحركة، ستبقى ولو لفترة ليست بالقصيرة مستحوذة من قِبَّل العالم الغربي المتداعِ الأركان المتمثل بالولايات المتحدة وحليفها الاتحاد الاوروبي.

ولكن هناك الجوانب الاخرى في حضارة القرن الواحد والعشرين لم يُحسم السباق بها، وقي طليعتها التقنية الطبية، فافتضحت مقدرات تلك الامبراطوريات ولم تسطع أن تصرع جائحة كورونا بالضربة القاضية مثلما كان يحصل في المائة سنة الأخيرة، من التغلب على جميع الأوبئة التي دكت العالم بين الحين والأخر، سواء في فشل الوقاية التقليدية المتبعة في مثل تلك الحالات، او التوصل الى لقاح ناجح مضمون العواقب من غير أثار جانبية، بالتلازم لم تنجح أي من الدول في وضع أي بروتوكول علاجي ناجع لهذا الوباء.

علماً بأننا لا نستطيع أن ندخل أي من دول الحزام الأسيوي (بدءا من تركيا مرورا بإيران وباكستان والهند والدول السوفياتية سابقا وانتهاءً بتايلند وفيتنام) في تصنيفنا أعلاه، بالرغم من النجاحات التي صادفت حديثاً بعضها، مثل حالة التقدم الصناعي والنجاح السياحي الذي حالف تركيا وفيتنام في الأوقات الاخيرة، والنهوض الاقتصادي بفضل الاكتشافات النفطية لدى بعض الدول السوفياتية سابقا (كازخستان، اذربيجان وتركمنستان) والتفوق في مجال برمجيات الحواسب الالية الذي ميّز الهند في العشرين سنة الأخيرة، وحالات الاكتفاء الذاتي رغم المقاطعة العالمية المريرة (ايران)، ودخول البعض الاخر في النادي النووي المدمر الشرير (الهند وباكستان)؛ الا أن اي منهم لم يستطع الدخول في عالم الريادة الذي تنعم به دول شرق آسيا بشكل عام، فبقيت من دون نصيب مجزي من تركة الإمبراطورية المنهارة.

أما دول جنوب غرب أسيا وقارتي افريقيا وأميركا الجنوبية سيبقون كما هم الان في ذيل قائمة مظاهر الحياة بمختلف اشكالها وصورها، وكما كانوا سيعيشون على الهامش سوقاً استهلاكية عظمى للإمبراطوريات الاقتصادية اللاهثة للاستحواذ المطلق بمقدرات تلك الشعوب، كذلك ستبقى تلك الدول ايضاً مسرحاً مفتوحا للنزاعات المتنقلة بدون سبب لاشتعالها او هدف تصبو الى تحقيقه من وراءها (مثال ذلك ما حصل بين دول الخليج منذ ٣ سنوات وهو ما عُرف بالمشكلة القطرية - السعودية، لم يتم التعرف لماذا اندلعت فجأة؟ وكيف انتهت بسرعة البرق؟ والمعلومة الوحيدة الظاهرة، هي انها الأزمة بدأت مع زيارة الرئيس ترامب للمنطقة في مطلع ولايته، وانتهت قبيل الانتهاء المخزي لهذه الولاية)، كما ستظل تلك الدول المتخلفة حقل تجارب مريب لمختلف الاسلحة سواء التقليدية منها او المستجدة بما فيها البيولوجية، والتكنولوجية وحتى الكيمائية.

* المصدر: الحوارنيوز

تعليقات: