اغتيال لقمان سليم

الناشط السياسي لقمان سليم
الناشط السياسي لقمان سليم


اختُطِف من نيحا وعُثر على جثّته على بُعد 36 كلم: اغتيال لقمان سليم

في لحظة تستدعي الأسئلة الكبيرة، لناحية التوقيت والمكان والطريقة، اغتيل الناشط السياسي لقمان سليم في منطقة الزهراني، ولم تُظهر التحقيقات الأولية أي تفاصيل تشير إلى الجناة، بالرغم من حملة سياسية وإعلامية شنّها خصوم حزب الله متّهمين إياه بالوقوف خلف الاغتيال ربطاً بكون سليم كان من أشدّ معارضي الحزب. وكان من الشخصيات الشيعية البارزة التي عملت إلى جانب خصوم الحزب المحليين والإقليميين والدوليين.

اغتيال سليم الذي أعاد إلى الواجهة القلق من موجة الاغتيالات السياسية لن يقف عند حدود الجريمة الأمنية. المغدور، له موقعه وعلاقاته ونفوذه في أوساط محلية وإقليمية ودولية. والمناخ السياسي الداخلي يسمح باستغلال الجريمة لأجل تسعير الخلافات، أو لاستنهاض الحملات ضد المقاومة بشكل رئيسي. لكن اللافت هو أن خصوم المقاومة، وكما جرت العادة، يرفضون انتظار أي نتائج للتحقيقات، ويعلنون سلفاً عدم ثقتهم بكل ما يمكن أن يصدر عن الجهات القضائية اللبنانية، ويصرّون على اتهام حزب الله.

وإذا كان من الصعب احتواء هذه الموجة المسعورة من الاتّهامات السياسية، فإن أصل الموضوع سيكون بنداً دائماً على جدول أعمال اللبنانيين، حيث تبدو عمليات الاغتيال وسيلة مرفوضة ومعبّرة عن ضعف جديّ لمن يلجأ إليها في مواجهة خصومه، كما هو الحال في ملاحقة السلطات لمعارضيها بالاعتقال التعسفيّ أو الترهيب.

على أنّ من المفيد الإشارة إلى أن استغلال الجريمة لأجل ترهيب خصوم الفريق الذي عمل معه سليم، من أجل وقف أي نقاش ديمقراطي حول سياسيات ومواقف ونشاط الفريق اللبناني الحليف للسعودية وأميركا لهو عملية اغتيال لن تنفع في السكوت على كل من يقوم بعمل يستهدف النيل من المقاومة فقط لعدم توافقه مع أهدافها وآلية عملها، أو لكونه يريد فرض الوقائع الأميركية والسعودية على لبنان.


التحقيق الجنائي

قبل أن يعمّ خبر فقدان الاتصال بلقمان سليم منذ ليل الأربعاء، بعد زيارته لأصدقاء له في محلة نيحا قرب بلدية صريفا الجنوبية (قضاء صور)، كشَفت شمسُ أمس عن مصيره. جثة في سيارته على طريق بين بلدتَي العدوسية وتفاحتا في الزهراني (الطريق الأقصر بين نيحا والعدوسية يمتدّ لأكثر من 36 كيلومتراً). بعيد السابعة صباحاً، تنبّه أحد المارة إلى سيارة مركونة إلى جانب طريق فرعية محاذية للمسلك الشرقي لأوتوستراد صور الزهراني. حضرت القوى الأمنية وكشفت على السيارة السوداء المستأجرة، فوجدت سليم ممدّداً على وجهه بين مقعد السائق والمقعد الجانبي. الكشف الأوّلي على الجثة، أظهر إصابته بخمس رصاصات في الرأس ورصاصة سادسة في الظهر، إضافة إلى وجود كدمات في الوجه، تدلّ على احتمال تعرضه للضرب قبل قتله.

لم تظهر أي علامات تكسير على السيارة أو بعثرة في محتوياتها. بقع دماء على المقعد الجانبي حيث مال سليم برأسه، كيس أغراضه الشخصية في أسفل المقعد الأمامي. وعلى المقعد الخلفي، كتاب «بنيامين نتنياهو: عقيدة اللا حل»، للكاتب الفلسطيني أنطوان شلحت.

الغموض لا يزال يكتنف أسرار مسار سليم إثر خروجه من منزل أصدقائه الواقع في مزرعة نيحا المجاورة لصريفا عند الثامنة من ليل الأربعاء. بعد ساعات قليلة، وجّهت شقيقته وزوجته نداء عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمساعدة في «الوصول إلى لقمان الذي لا يجيب على هاتفه». لم تتقدم العائلة بإخبار للقوى الأمنية، لكنها استخدمت تقنية العثور على هاتفه عن بُعد، فوُجِد على بُعد نحو 500 متر من المنزل الذي خرج منه. بحسب الأهالي، اعتاد سليم زيارة نيحا وصريفا بشكل مستمر. وبينما كان يمضي نهاره عند الأصدقاء، لاحظ الجيران حركة غريبة لسيارة من نوع (تويوتا كامري) بدأت تتجول في محيط الحي منذ الواحدة من بعد ظهر الأربعاء وكان يستقلها شخص واحد، من خارج المنطقة. وعندما حل المساء، لحقت بها سيارة رباعية الدفع كان يستقلها شخصان أو ثلاثة. استعاد الأهالي السيارتين الغريبتين إثر شيوع خبر مقتل سليم وأبلغوا القوى الأمنية التي كشفت على كاميرات المراقبة في محيط المنزل. أما في محيط موقع العثور على السيارة في الزهراني، فقد تنبّه أحد المارة عند الساعة الحادية عشرة من ليل الأربعاء إلى وجودها، لكنه لم يعر أهمية للأمر لأن العديد من الشبان يعتادون ركن سياراتهم في المكان المحاط بالبساتين، إما للصيد أو تناول الكحول.

وفيما رجّح الطبيب الشرعي أن تكون الوفاة الناتجة من إصابة سليم بالطلقات النارية قد وقعت بين منتصف الليل والساعة الثانية فجراً، رجّح مطّلعون على التحقيق أن يكون سليم قد اختُطِف من نيحا، بسيارته، إلى العدوسية، حيث أطلِقت الرصاصات عليه. التحقيقات التي يجريها بصورة خاصة فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، تركّز على إفادات الشهود أولاً، وعلى الاتصالات الهاتفية وحركة الهواتف الخلوية ثانياً، وعلى كاميرات المراقبة ثالثاً. لكن البند الأخير يعاني من صعوبتين: وجود عشرات الطرق التي يمكن سلوكها للوصول من نيحا إلى العدوسية (في الساعات الأولى بعد وقوع الجريمة، أحصى المحققون أكثر من 30 احتمالاً لطرق يمكن استخدامها للوصول من المكان الذي يُرجّح أن يكون قد اختُطف فيه سليم إلى مكان العثور على جثته)، وقلّة كاميرات المراقبة في عدد كبير من تلك الطرق.


من هو لقمان سليم... سياسياً؟

غالبية الذين عرفوا لقمان سليم في بداية التسعينات، عند تأسيسه لدار الجديد، ومساهماته في الحقلَين الثقافي والسياسي منذ تلك الفترة لا يعلمون أنه بدأ نشاطه السياسي في أواخر السبعينات نصيراً لأحد فصائل اليسار الجذري في لبنان، حزب العمل الاشتراكي العربي. كان الحزب، الطامح للتحول إلى حزب شيوعي عربي، والمرتبط بعلاقات تنظيمية وثيقة في تلك المرحلة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، هو الإطار الذي اجتذب لقمان والعديد من شبان منطقة الغبيري والشياح.

أحد الذين عرفوه في ذلك الزمان يذكر جيداً ولعه بالنقاشات الفكريّة والنظريّة و«مكتبته الغنية»، وحديثه المستمر عن التجارب الثورية في بقاع العالم المختلفة وضرورة استلهامها. تمرّد الشاب على خيارات والده، النائب محسن سليم، المعروف بصلاته الوطيدة مع كميل شمعون. سافر لقمان إلى باريس في أوائل الثمانينات للدراسة الجامعية وعاد بعدها إلى لبنان حاملاً قناعات فكرية ومواقف سياسية نقيضة لتلك التي دافع عنها في ريعان الشباب. والواقع هو أن الاجتياح الإسرائيلي للبنان شكّل منعطفاً فكريّاً وسياسيّاً في مسار مجموعة من المثقفين اليساريين، رأوا فيه هزيمة نهائية وحتمية لخياراتهم السابقة وشرعوا في عملية «نقد ذاتي» مستدامة، للبنى الثقافية والمعرفية والاجتماعية العربية، التي حالت دون ولوج المنطقة عصر الحداثة والفهم «الصحيح» للعالم المعاصر. بكلام آخر، فإن هؤلاء اعتبروا أن المآزق والانسدادات التي تعانيها شعوب الإقليم ليس مردّها الحروب المستمرة التي تُشنّ عليها من الخارج، والتي استعرت بعد نهاية الثنائية القطبية في أوائل التسعينات، بل هي نتاج لعوامل داخلية فاقمت من آثارها السلبية مشاريع التغيير الثورية، اللاعقلانية والشمولية، والتي لن تقود في حالة انتصارها سوى إلى المزيد من الاستبداد والفشل الذريع في التنمية الاقتصادية وفي تعميق الانقسام المجتمعي وصولاً إلى الاحتراب الأهلي. انحاز لقمان سليم إلى هذا الرأي وأصبح أحد أكثر مروّجيه حماسة سواء عبر إصداراته في دار الجديد، أو في مداخلاته وأنشطته العلنيّة. وقد بلغت به الجرأة حدّ الإجهار برهانه، في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية في برنامج «الكيوسك العربي» في أيلول 2005، على حرب بوش الابن على «الإرهاب» لإسقاط النظام في سوريا والخلاص من حزب الله في لبنان.


أحصى المحقّقون أكثر من 30 احتمالاً لطرق يمكن استخدامها للوصول من نيحا إلى العدوسية

لم يتردّد أيضاً، في نفس المقابلة، في تسويغ معتقل غوانتنامو، وهو ما قوبل باستهجان من مقدّم البرنامج الفرنسي، على قاعدة أن للديمقراطية الحق في الدفاع عن نفسها باستخدام الوسائل «المناسبة» في مقابل أعداء لا يعترفون بمرجعياتها القيمية والأخلاقية. لم يمنع اندثار مسار التسوية وما رافقه من وعود براقة، وفشل الحروب الأميركية في تحقيق أهدافها، مضي لقمان في معركته ضد حزب الله، الذي رأى فيه تجسيداً لكلّ ما يناهض ويكره. وهو قد دعا في مداخلة عبر سكايب في ندوة نظمها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، بوق اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، إلى أن «تحرير لبنان من سطوة حزب الله» قد يتطلب الاستعداد لزعزة استقراره نسبياً. بل هو ذهب، خلال مشاركته في حلقة نقاشية عُقدت في الإمارات تحت عنوان «تفكيك شيفرة حزب الله» إلى الحض على محاصرة حزب الله عسكرياً وإلحاق نكبة، لا أقل، بقاعدته الاجتماعية لدفعها للانفضاض عنه. استلهم سليم أطروحات المحافظين الجدد التي استُخدمت لتبرير غزو العراق وتدميره وكذلك ليبيا، على قاعدة أن القوى «الشمولية» لا يمكن هزيمتها من الداخل بل من خلال تدخل عسكري خارجي، بمعزل عما يترتب من أكلاف وخسائر بشرية ومادية على مثل هذا التدخل.



من «دار الجديد» إلى توثيق ذاكرة الحرب

«أطفالًا يُشقُّ بصرنا على العالم ثمّ يكفّ. من إذ ذاك لا يبقى من العالم إلّا الذكريات»، عبارة تختزل الحساسية اللغوية العالية التي نجدها في ترجمة لقمان سليم لكتاب «توقيعات» للفيلسوف الروماني إميل سيوران (1991)، الكتاب الشعري الثاني الذي اشترك في ترجمته مع وضاح شرارة بعد «الخشخاش والذاكرة» للشاعر الألماني بول تسيلان، إضافة إلى كتاب «أنا الضحية الجلاد أنا» لجوزيف سعادة. كما ألّف كتاب «في قبرٍ في مكانٍ مزدحم يليه بيتنا زجاج ونرشق بالورد والحجارة» الذي افتتحه بشهادة مشتركة مع شقيقته رشا الأمير «بعد عشرة أعوام على تأسيس «دار الجديد» وانطلاقها لا يبقى ما يستحقّ الذكر من الحيثيّات الشخصيّة التي حفّت بذلك إلا القليل، وبمقدار ما يفرحنا أنّ هذه السنوات العشر لم تمضِ سدى، بل أدّت ما ينتظر منها ونأت بنا بعيداً عن لحظة البداية تلك. يفرحنا أنّ ذاك القليل الذي ندّعي أنّه بقي لنا منها هو تماماً كلّ ما لو خيّرنا لتمنّينا أن يبقى. ولحسن الحظّ أنّ قليلنا هذا ليس شيئاً تسري عليه سنّة الأشياء من كون فاسد، ولا بصديق يؤسف على صداقته متى ما ولّت وإنّما بتواضع ولو بدا قولنا خلاف ذلك ــــ همّنا أن نتعاطى هذه المهنة على أشبه وجه ممكن بما قرأناه عنها في الكتب».

لقمان سليم المولود في حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية عام 1962، والحاصل على شهادة في الفلسفة من جامعة السوربون، أسس بعد عودته من فرنسا مع شقيقته مؤسسة «دار الجديد» عام 1990 التي تعرّف عن نفسها بأنها «دارٌ حرّة، مستقلّة وطليعيّة. كتّابنا نجومٌ أينما حلّوا، كتُبنا لا تشيخ، «الجديد» فكرةٌ والأفكارُ لا توصدُ أبوابها».

اهتمت الدار بآثار العلّامة الراحل عبد الله العلايلي، فأعادت طباعة «المعجم» الموسوعة التي تشارك الشيخ في تأسيسها مع سهيل يمّوت، و«مقدمة لدراسة لغة العرب» و«مشاهد من أيام النبوّة» و«أين الخطأ» إلى مؤلفات العلايلي الأخرى. كما طبعت الدار كتاب «في الشعر الجاهلي» لعميد الأدب العربي طه حسين الذي صدر ضمن سلسلة طبق الأصل، أي طبق أصل طبعته الأولى الصادرة عن مطبعة «دار الكتب المصريّة» في القاهرة في عام 1929، وديوان الحسين بن منصور الحلاج. كما طبعت الدار مجموعة من الدواوين الشعرية لأعلام في الشعر العربي الحديث من محمود درويش في «أحد عشر كوكباً» و«أرى ما أريد» إلى أنسي الحاج في «لن» و«الرأس المقطوع» و«الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع» و«ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة» و«ماضي الأيام الآتية» وأدونيس في «قالت الأرض» وسعدي يوسف في «جنة المنسيات» وسميح القاسم في «الكتب السبعة» ومجموعات شعرية لمحمد علي شمس الدين، ووديع سعادة، وعباس بيضون، وشبيب الأمين، وسليم بركات، وعيسى مخلوف، وبول شاوول، وبسام حجار، وصلاح ستيتية وشعراء آخرين، إضافة إلى عناية الدار بتجارب شعرية شابة في حينها مثل فيديل سبيتي، وفادي طفيلي، ورامي الأمين، وسوزان عليوان، وسامر أبو هواش. أسماء روائية وأدبية مميزة حضرت على قائمة منشورات «الجديد» مثل ألكسندر سولجنتسين، ونورمان ميلر، ومليكة أوفقير، وحسن داوود، وانعام كجه جي، وكمال داوود، وسحبان مروة، ورشا الأمير. السياسة والثقافة والفكر حضرت كذلك في مؤلفات لأسماء لامعة كالرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، ووضاح شرارة، وأحمد بيضون، وطلال سلمان، واسماعيل مظهر، ومحمود حسين، وأحمد الكاتب، وخليل رامز سركيس، وفيصل جلول، وحازم صاغية، وعبد الكريم سروش، ونوشيو أوردينه وغيرهم.


أسس عام 2004 مشروع «أمم» للتوثيق والأبحاث، وهو مشروع أرشفة هائل للحرب الأهلية

الشغف الثاني لسليم تمثل في توثيق ذاكرة الحرب اللبنانية، وقد تندرج ترجمته لكتاب جوزيف سعادة المشارك في مجزرة «السبت الأسود» ضمن هذا السياق، وهو مشروع كان قد صدّره على صفحة «دار الجديد» بـ«جمع شتات ذاكرة الحرب اللبنانيّة متابعاً بدقّة وعبر كتب ومعارض وحلقات نقاش موضوع المفقودين وبوسطة عين الرمانّة واستديو بعلبك والمحكمة العسكريّة ومصير المقاتلين الصغار الذين دفعوا أثمان الحروب الجانبيّة التي دارت على هامش الحرب الرسميّ»، فأسس عام 2004 مشروع «أمم» للتوثيق والأبحاث وهو عبارة عن مشروع أرشفة هائل للحرب الأهلية وجمعية «هيا بنا» وقد ضمّ «هنغار أمم» في الغبيري أكثر من عرض سينمائي وكوريغرافي ومعرض سمعي ــــ بصري حول الحرب وصورها وملصقاتها السياسية ضمن مشروع مكافحة العنف وفهم الظاهرة في كل تفاصيلها لتجنب تكرارها. وانبثق من هذا النشاط «ديوان الذاكرة اللبنانية» و«مكتبة أمم» كقاعدة بيانات عن الحرب، وخاصة «الحروب الصغيرة» في كل تفاصيلها والكتب الناقدة التي تتناول وجهات نظر التنظيمات والميليشيات المختلفة المشاركة في المقتلة اللبنانية ومجلات وبيانات ووثائق ومستندات نادرة وصحف متنوعة وأرشيف «استديو بعلبك» وفندق «الكارلتون» الذي تم استنقاذه من الضياع مع أرشفة المواد بطريقة إلكترونية عصرية. أخرج سليم أفلاماً وثائقية عديدة مرتبطة بأحداث لبنان والمنطقة مع زوجته المخرجة الألمانية مونيكا بورغمان وهي: «مَقَاتل» (2004، مع مونيكا بورغمان وهرمان تايسن)، وفيلمه الأبرز عن مجزرة صبرا وشاتيلا (1982) بألسنة بعض المشاركين فيها، وهي المجزرة التي حرص على التنديد بها سنوياً؛ وSur Place المُنجز عام 2009؛ و«تدمر» (2016)، عن لبنانيين في السجون السورية.



دعوات للإسراع في التحقيق.. حزب الله: لعدم استغلال الجريمة

اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم استدعى ردود فعل مختلفة، محلية ودولية، أجمعت على ضرورة إظهار الحقيقة وسوق الفاعلين إلى العدالة.

رئيس الجمهورية ميشال عون طلب من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة ملابسات الجريمة التي وقعت في منطقة العدوسية في الجنوب. وشدد عون على ضرورة الإسراع في التحقيق لجلاء الظروف التي أدت الى وقوع الجريمة والجهات التي تقف وراءها.

كذلك، طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب من وزير الداخلية محمد فهمي الإيعاز إلى الأجهزة الأمنية الإسراع في تحقيقاتها، لكشف ملابسات الجريمة وملاحقة الفاعلين، والقبض عليهم وإحالتهم إلى القضاء بأسرع وقت ممكن. وأكد أن لا تهاون في متابعة التحقيقات حتى النهاية.

من جهته، رأى الرئيس سعد الحريري، في تغريدة عبر «تويتر»، أن اغتيال سليم «لا ينفصل عن سياق اغتيالات من سبقه». وقال: «لقمان سليم كان واضحاً أكثر من الجميع، ربما في تحديد جهة الخطر على الوطن. فليرقد بسلام ونحن وكل السياديين سنواصل معركة الحرية». ‏وقال إن «الشجب لم يعد كافياً. المطلوب كشف المجرمين لوقف آلة القتل الحاقدة».

وفي بيان مقتضب، أدان حزب الله «قتل الناشط السياسي لقمان سليم»، وطالب «الأجهزة القضائية والأمنية المختصة بالعمل سريعاً على كشف المرتكبين ومعاقبتهم، ومكافحة الجرائم المتنقلة في أكثر من منطقة في لبنان، وما يرافقها من استغلال سياسي وإعلامي على حساب الأمن والاستقرار الداخلي».

وحضّ «التيار الوطني الحر» الأجهزة القضائية والأمنية على «إنهاء التحقيقات بالسرعة اللازمة، تحقيقاً للعدالة وإنصافاً للحقيقة. ودعا الى «عدم استغلال هذه الجريمة لإثارة الفتنة، وخصوصاً أن مصطادي الدماء الاعتياديين بدأوا بعملية الاستثمار السياسي».

وعلّق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على الجريمة، بتغريدة قال فيها إن «لقمان سليم شهيد الرأي الحر. إذا كان للشر جولة، فسيكون للخير والحق ألف جولة وجولة».

واستنكر المكتب الإعلامي المركزي لحركة «أمل» الجريمة، مطالباً بـ«إجراء التحقيق الأمني والقضائي بالسرعة الممكنة توصلاً لكشف الفاعلين ومعاقبتهم».

ودعا الحزب الشيوعي اللبناني إلى «كشف مرتكبي هذه الجريمة وإنزال أشد العقوبات بحقهم»، مؤكداً موقفه المبدئي بـ«إدانة كل الاغتيالات الناتجة من خلاف في الرأي السياسي».

وبعد إدانته للجريمة، ودعوته للكشف سريعاً عن مرتكبيها، حذّر الحزب السوري القومي الاجتماعي «الانتهازيين والفتنويين، وما أكثرهم، من تكرار استباق التحقيقات وتوجيه الاتهامات الجاهزة، وتحميل جهة سياسية معينة مسؤولية القتل من دون أي أدلة أو قرائن». أضاف: «إن هذا الاتهام سياسي مقصود معدّ سلفاً لا يستفيد منه إلا العدو الإسرائيلي، ويندرج ضمن خانة الحرب التي تخاض على خيار المقاومة في لبنان والمنطقة».


أميركا وفرنسا تدينان

في المواقف الدولية، كان الموقفان الأميركي والفرنسي بارزين، فدانت وزارة الخارجية الأميركية «بأشد العبارات الاغتيال البشع للناشط الشيعي البارز لقمان سليم». وأدانت الخارجية الفرنسية في بيان «هذا العمل الشنيع». وطالبت بإثبات الحقائق بوضوح وأن يساهم فيها بشكل كامل كل من يمكنه المساهمة في إظهار الحقيقة.


الإعلام بين الاتهام الجاهز والتحريض على حزب الله

زينب حاوي

في اللحظات الأولى التي تلت إعلان خبر اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم صباح أمس سرعان ما سادت موجة عارمة على السوشال ميديا، تصدّر فيها اسم سليم هذه المنصات، وحضرت فيها على الفور اتهامات جاهزة ومعلبة لـ«حزب الله» بالتورط في عملية الاغتيال، لا سيما أنّها حصلت في منطقة الجنوب وتحديداً على طريق «العدوسية». هكذا، تسيّد هذا المشهد المشحون والتحريضي، وانسحب على القنوات الإعلامية المحلية والخليجية وحتى تلك الناطقة بالعربية، وكنا أمام فورة لا مثيل لها، استنهضت قوى وشخصيات ووجوهاً سياسية غائبة أو مغيّبة عن الساحة الإعلامية، عادت إلى الضوء من جديد، مع حادثة الاغتيال، وراحت تستثمر في الدماء التي لم تجف بعد. هكذا، وبتوقيت مريب، ترزح فيه البلاد تحت وطأة أزمات متلاحقة معيشية واقتصادية ونقدية، وحتى صحية، أتت حادثة الاغتيال لتغيّر المشهد، وتسحب خلفها أجندات تظهّرت على أنها طهيت في مطبخ واحد وخرجت منه، نظراً إلى تقاطع العديد من الطروحات والمواقف التي خرجت في الساعات الأخيرة. ولعلّ البارز منها المطالبة بقضاء دولي كما حصل بعيد انفجار المرفأ، واستحضار سلسلة الاغتيالات السياسية التي حدثت منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه، ووضع ما حصل لسليم ضمن هذا السياق.

في التعاطي الإعلامي، سرعان ما التصق اسم لقمان سليم بصفة «المعارض لحزب الله» أو «المعارض الشرس لحزب الله»، وتظهير هويته الدينية وانتمائه للطائفة الشيعية، وسكنه في منطقة حارة حريك «التي يسيطر عليها الحزب». عبارات تكررت في الإعلام، وحملت معها دلالات سياسية واضحة، لربط الجريمة بمسؤولية حزب الله عنها. على الصعيد المحلي، توجه المراسلون إلى النقطة التي وُجدت فيها جثة الضحية، وإلى منزله في «حارة حريك» لاستصراح شقيقته الروائية رشا الأمير. واختلف التعاطي هنا، بين سرد للمعلومات الأولية لا سيما الأمنية منها، حول الحادثة، وبين دخول هؤلاء في بحر من التحليل وحتى التحقيق، وربط مكان إقامة سليم وآرائه السياسية بما حصل معه. وفي المساء، بدت الصورة أوضح، ووجهات الاتّهام مع أنها اعتمدت على صيغة المجهول، لكنها كانت كافية لرسم صورة الاتهام السياسي. على سبيل المثال رأت mtv، في مقدمة نشرة أخبارها أن «القتلة كانوا ينفذون حكماً صدر من مرجعية شرعية في مساحتها تعتبر أن لقمان بات يمثل خطراً على سيادتها وبيئتها ووجب أن يدفع ثمن حلمه»، في تلميح إلى «حزب الله»، واستكملت هذا الاتهام باستعادة مواقف سليم تجاه الحزب لا سيما في تفجير المرفأ. وفي تقاطع المحطة مع ما أوردته «الجديد»، كانت الوجهة واضحة في اعتبار أن لا نتائج فعلية في الاغتيالات السياسية السابقة، وبالتالي الأبواب باتت مشرّعة لتحقيق دولي. وفيما بقيت lbci، على مسافة مما حدث، خصصت في نشرتها الإخبارية مساحة واسعة لتصريح السفيرة الأميركية دوروثي شيا، حول عملية اغتيال سليم.

خليجياً لعلّ القناة الأكثر استنفاراً بعيد هذه الحادثة كانت «العربية/ الحدث». راحت تنشر على مدار الساعة صورة سليم مضرجاً بدمائه في السيارة، من دون أي تمويه، وتعرض لقطات أرشيفية بعد جمع سليم مجموعة ملصقات كانت قد وُضعت على جدران منزله، إثر الضجة التي أُثيرت في وسط بيروت، ومنع إقامة ندوة تتحدث عن «الحياد». سلسلة من الوجوه السياسية ذات الاتجاه المعارض لحزب الله، ظهرت على الشاشة السعودية، من محللين وصحافيين، راحوا يطالبون بالتحقيق الدولي، ويعتبرون اغتيال سليم رسالة إلى كل لبناني يعارض «حزب الله». ومع أنّ عائلة سليم لم تسمّ الجهة التي تعتقد أنها ضالعة في عملية الاغتيال، إلا أن القناة أصرّت على أن ما كان تقصده العائلة حزب الله وما أسمته بـ «قوى الأمر الواقع في الجنوب اللبناني». استنفار الشبكة السعودية، ومعها طبعاً الإعلام الإماراتي المتمثل في شبكة «سكاي نيوز»، أعاد إحياء ما يسمى بـ «قوى الرابع عشر من آذار» وتحديداً أمينه العام السابق فارس سعيد والصحافي نوفل ضوّ وغيرهما من الوجوه التي ظهرت على هذه الشاشات. وكان لهذه الوجوه بيان تُلي أمام الإعلام، بعد سبات فرضته الظروف الراهنة. القنوات الأجنبية والناطقة بالعربية لم تكن بعيدة عن هذه الأجواء المسيسة بل كانت منغمسة فيها إلى حد كبير. شبكة bbc عربي، على سبيل المثال، أوردت أن سليم «يقطن في حارة حريك في الضاحية الجنوبية معقل حزب الله»، وأعادت التذكير بأنه ينتمي إلى «الطائفة الشيعية»، ووصفته بـ«الكاتب والناشط والمعارض لحزب الله» الذي «سبق أن تلقى تهديدات بالقتل بسبب مواقفه، وكتاباته». على النحو عينه، سارت «فرانس 24» الفرنسية الناطقة بالعربية، وظهّرت أن لقمان «معروف بمواقفه المنتقدة لحزب الله»، وأنه يدير مركز «أمم للأبحاث والتوثيق»، في الضاحية الجنوبية لبيروت «معقل حزب الله» الأمر الذي كان «يُنظر إليه على أنه تحدٍّ للحزب الشيعي».

هكذا، تسيّدت سردية واحدة خطوط هذا الإعلام، الذي ذهب تجاه التسييس والاتهام الجاهز، وفرض أجواء مشحونة من التحريض والتأليب، الذي قد لا يفضي في الوقت الحالي سوى لمزيد من التشنج الأهلي لا سيما مع التلميح إلى حصول عمليات اغتيال جديدة.

اختُطِف من نيحا وعُثر على جثّته على بُعد 36 كلم: اغتيال لقمان سليم
اختُطِف من نيحا وعُثر على جثّته على بُعد 36 كلم: اغتيال لقمان سليم


من «دار الجديد» إلى توثيق ذاكرة الحرب
من «دار الجديد» إلى توثيق ذاكرة الحرب


تعليقات: