معامل الكهرباء ستُطفأ: ملايين الدولارات لسمير ضومط والعتمة للبنان

عقود معامل الكهرباء يكتنفها الغموض والأفخاخ (عزيز طاهر)
عقود معامل الكهرباء يكتنفها الغموض والأفخاخ (عزيز طاهر)


مِنَ المنتَظَر أن يشهد لبنان انقطاعاً للتيار الكهربائي بمعدّلات مرتفعة جداً، تصل حد إعتام بعض المناطق بشكل كامل، وخصوصاً في الجنوب. ذلك أن عقد تشغيل وصيانة معملي الزهراني ودير عمار، على وشك الانتهاء من دون إيجاد وزارة الطاقة مخرجاً ملائماً.

وقد تأخّرت وزارة الطاقة كثيراً لبحث مرحلة ما بعد العقد. فكلّ ما تملكه الوزارة من وقت، لا يزيد عن 48 ساعة. وهي مهلة غير كافية لإجراء مناقصة والتعاقد مع مُشغِّل جديد.

وهذا الواقع ليس مُصادَفة، بل هو مقصود لغايات في نَفس المستفيدين من العقد، والعقود المشابهة. فمن هم المستفيدون، وهل سيغرق لبنان في العتمة فعلياً، أم هناك ما يتحَضَّر لاستغلاله في اللحظات الأخيرة؟

إنتهاء عقد التشغيل والصيانة

تنتهي يوم الاثنين المقبل مفاعيل العقد الموقّع في شباط 2016، مع شركة Primesouth لتشغيل وصيانة معملي الزهراني وديرعمار. والشركة لا تريد تمديد العقد أو تجديده ما لم تُدفَع مستحقاتها البالغة 45 مليون دولار.

لم تصل المباحثات بين وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان من جهة ووزارة المالية من جهة أخرى، إلى أي نتائج إيجابية. ما يعني أن مولِّدات المعملين سيجري إطفاؤها. ما سيسفر عن حرمان اللبنانيين نحو نصف إنتاج الكهرباء المُقَنَّنة أصلاً.

وصول الأمر إلى هذه النقطة من السلبية، يُراكم المزيد من الخسائر، ليس فقط على مستوى التغذية بالتيار الكهربائي، وإنما على مستوى توربينات المعملين، إذ تحتاج التوربينات إلى صيانة فورية في وقت قريب. وتجاهل الصيانة يعني المساهمة بإتلاف معدّات حيوية يحتاجها لبنان.

تحسين شروط التفاوض؟

هذه القضية لا تنفصل عن باقي قضايا الفساد في قطاع الكهرباء. فما يحصل هو عملية ابتزاز لتحسين شروط التفاوض وفرض ما يناسب المستفيدين من العقد. ولا يعود الأمر مستغرباً حين تنكشف علاقة سمير ضومط بالقضية.

فضومط هو وكيل الشركة التي يُقال أنها شركة أميركية. لكن في الحقيقة "هي شركة تابعة له، وليست شركة أميركية ذات بُعد دولي. وهي بالتالي تُشبه الشركات التي تؤسَّس في أي دولة في العالم لتكتسب صفة أجنبية، فيؤتى بها إلى لبنان تحت صفة الشركات الدولية. وهي لعبة إحتَرَفها الفريق العوني في وزارة الطاقة، منذ عهد الوزير السابق جبران باسيل"، وفق ما تؤكده مصادر في وزارة الطاقة، في حديث لـ"المدن".

وبالتوازي، يُمثِّل ضومط الشراكة بين باسيل ورئيس الوزراء السابق سعد الحريري. وهو أيضاً وكيل شركة كارادينيز التركية، صاحبة بواخر الطاقة التي تُعتَبَر مفخرة باسيل وخلاصة رؤيته "الإصلاحية" لقطاع الطاقة.

وفي هذه الحالة، تُصبح المسألة أكثر وضوحاً. "الفريق العوني من خلال وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان، يريد تحسين شروط التفاوض مع نفسه، عبر تمديد أو تجديد العقد مع شركة ضومط التي يستفيد منها. وبما أن لبنان في أزمة نقدية، فيريد الفريق ضمان الحصول على "مستحقاته"، متناسياً كافة المخالفات القانونية التي اكتنفت عملية التعاقد مع الشركة، بدءاً من بدعة التعاقد بالتراضي. بالاضافة إلى المخالفات المرتبطة بالتعاقد مع الشركة التركية التي يستفيد منها ضومط والعونيون، بدءاً من باسيل مروراً بمن تعاقب من مستشاريه على كرسي الوزارة"، على حد تعبير المصادر.

إهمال وعقود أخرى

لا تبالي مؤسسة كهرباء لبنان بما ستؤول إليه الأمور. فهي منذ إبرام العقد، حمّلت القطاع المزيد من الأثقال، عن طريق "إدخال أعمال إضافية إليه، كانت تُكبِّد الدولة مزيداً من الأكلاف من دون التأكد من وجود اعتمادات لها، ومن دون إجراء مناقصة جديدة قد تحمل أكلافاً أقل".

هذا الإهمال المقصود ستُتَرجَم مفاعيله في الأيام المقبلة. فالعقد سينتهي، والعاصفة الجويّة الآتية ستؤدي إلى أعطال في المعامل وشبكات التوزيع والنقل، ما يعني المزيد من الانقطاع في التيار الكهربائي.

ناهيك بأن مشكلة العقد الحالي ليست منفصلة عمّا ينتظرنا من انتهاء لعقود صيانة باقي المعامل، والتي تنتهي تباعاً خلال الأشهر المقبلة، ومؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة، لا يكترثان، رغبة من الفريق العوني بتأجيج الملف لمآرب سياسية وتنفيعات مادية. وإذا كانت المسألة عكس ذلك، فلماذا لم تبادر المؤسسة والوزارة إلى كسب الوقت والنظر بالعقود قبل وصولها إلى مواعيدها الختامية؟

تقول المصادر أن "على مؤسسة كهرباء لبنان تدارك الأمر إن كانت تريد إنقاذ ما تبقّى من تيار كهربائي. والإنقاذ يكون بالتراجع الفوري عن هذا النوع من العقود المسعّرة بالدولار، والاعتماد على الذات. فالمؤسسة قادرة على تشغيل وصيانة المعامل. ومن المفترض أن مهندسيها قد تعلّموا من الشركات". أما عدم توفّر المال الكافي لشراء المعدات وإجراء الصيانة "فهذا يدين المؤسسة ووزارة الطاقة. وفي جميع الأحوال، ليس من المفيد البقاء داخل هذه الدوامة من التعاقد مع الشركات أو ابتزاز الدولة لتأمين الأموال واستدامة التعاقد، في حين أن الناس تبحث عن أدوية ومواد غذائية والدولة تبدد الأموال على عقود مشبوهة".

هدم الهيكل

في الوقت الذي تضيّعه المؤسسة والوزارة، يحتاج المعملان إلى نحو 50 مليون دولار لصيانة توربيناتهما. ومِن غير الواضح ما إذا كان العقد مع الشركة المشغلة يتضمّن بنداً جزائياً يكبّد الدولة غرامات على تأخير دفع المستحقات.

أيضاً، انتهاء العقد يعني ترك المعامل من دون فريق عمل كافٍ ومتخصص، ما يُنذر بمزيد من الخراب داخلها. فمن يبقى في المعامل من عمّال تابعين لمؤسسة كهرباء لبنان، لا يكفي للتشغيل والصيانة. وهؤلاء يواجهون الحاجة إلى الصيانة الضرورية في 25 من الشهر الجاري، ولا بديل في الأفق.

هذه الصورة تعني هدم الهيكل فوق رؤوس الجميع، فالمعامل المتبقية وبواخر الطاقة، كلها لا تكفي. وعليه، الدولة أمام خيارين، إما الدفع وإما العتمة والدمار. والدفع وفق ما تؤكده المصادر "قد يُطلّب بالدولار حصراً، أو في أحسن الأحوال سيُصار إلى الاتفاق على صيغة تجمع بين جزء بالدولار وجزء آخر بالليرة، شرط الاتفاق على سعر صرف معيَّن".

تعليقات: