قصص الحاكم بين لبنان وسويسرا


تتشارك السلطة السياسية وحاكم مصرف لبنان في جريمة دفع البلاد إلى الإنهيار الكبير. وبدلاً من اللجوء إلى إجراءات تخفف من حدة السقوط، وأبرز مظاهره انهيار سعر صرف الليرة، يرعى حاكم مصرف لبنان لجوء المصارف إلى المضاربة على سعر الصرف، ودخول بعض أصحابها في سوق المضاربة من بابها العريض، لتحقيق أرباح شخصية خيالية يمكنهم تحويلها إلى الخارج. في المقابل، تستمر بعض القوى السياسية في القيام بكل ما يمكنها لحماية سلامة من التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، علماً بأن التفاصيل التي تكشفها «الأخبار» اليوم عن الشبهات التي جمعها الادعاء العام السويسري عن الحاكم وشقيقه، لا توحي بقرب إقفال الملف المفتوح ضده. وبينما كسر الدولار أمس الحاجز النفسي لسعر العشرة آلاف ليرة، عادَت التحركات الاحتجاجية بزخم الى الشارع، مذكرة بأول أيام انتفاضة 17 تشرين


تفاصيل الملاحقة القضائيّة السويسريّة لرياض سلامة

تفاصيل الملاحقة القضائيّة السويسريّة لرياض سلامة

يواصل القضاء السويسري التحقيق في قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، المُشتبه به مع شقيقه، في اختلاس وتبييض أموال تصل قيمتها إلى 300 مليون دولار. شركات عدّة أسّسها سلامة، وحسابات فتحها في سويسرا، وعقود «مشبوهة» موقّعة بين شقيقه ومصرف لبنان، كلّها تفاصيل كشفتها النيابة العامة السويسرية للسلطات اللبنانية، طالبةً تعاونها بسبب خطر تأثير ذلك على «الجمهورية» والبنك المركزي

بِرْن | في كانون الثاني الماضي، وُضع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تحت مقصلة القضاء السويسري. هو مُشتبه به، بالإضافة إلى شقيقه رجا سلامة، بجرم اختلاس أموال مصرف لبنان وتبييضها في سويسرا. ليس أمراً عابراً فتح ملفات «فساد» لها علاقة بحاكم بنك مركزي، فهي حُكماً تعني ضرب صورة المصرف ومركزه وعلاقاته مع بقية المؤسسات المالية العالمية. وترافق ذلك مع كشف الحاكم لمسؤولين رقابيين ومُقرّبين منه عن اقتناعه بأنّ «الغطاء الأميركي» قد رُفع عنه. ثمّ، خفت فجأة الحديث عن القضية، إلى درجة أُوحي بأنّ الملفّ قد يُقفل بتسوية. إلا أنّ التوقّف عن التداول بتفاصيل القضية ضدّ سلامة لا يعني طمسها. على العكس من ذلك، تؤكّد مصادر قضائية ودبلوماسية سويسرية «استمرار التحقيقات بجدّية». وتُضيف في حديث مع «الأخبار» إنّ التحقيقات الأولية تكشف وجود عمليات «غسل أموال تعود أقلّه إلى عام 2002، وتُقدّر بأكثر من 300 مليون دولار». الخيط الذي أسقط الستارة هو عقد موقّع بين مصرف لبنان بشخص الحاكم وشركة «Forry Associates LTD» بشخص رجا سلامة، وهي مُسجلة في الجزر العذراء البريطانية. العقد ينصّ على أنّ «الشركة وكيل لأدوات يُقدّمها مصرف لبنان، كسندات خزينة وسندات الدين بالعملات الأجنبية وشهادات الإيداع...». هنا بدأت المخالفة: يعقد سلامة، بصفته حاكماً لمصرف لبنان، صفقة تمتد لسنوات مع شركة يرأسها شقيقه، تؤمّن للأخير أرباحاً من أموال مصرف لبنان العامة. مصاريف «المركزي» مع الشركة المذكورة كانت تُحوّل إلى حساب مصرفي «في مصرف HSBC السويسري، عائد إلى رجا سلامة». ما بين 2002 و2015، وصلت إلى حساب «Forry Associated LTD» مبالغ بحوالى 334 مليون دولار أميركي، مُرسلة من حساب واحد في مصرف لبنان، تُضيف المصادر. وقد حُوّلت مبالغ مالية إلى حساب رجا سلامة أيضاً في مصرف «HSBC سويسرا»، الذي أرسل منه إلى «خمسة مصارف داخل لبنان مبلغ 207 ملايين دولار».

حُجز في سويسرا على أصول سلامة المقدّرة بعشرات ملايين الدولارات

سنة 2008 ظهر «أرنب» جديد. حساب مصرفي فُتح لدى مصرف «يوليوس بار» السويسري باسم شركة «Westlake Commercial Inc» المُسجلة في بنما. الحساب مُسجّل باسم رياض سلامة. «المستندات التي حصلنا عليها من المصارف المعنية، تُفيد بأنّ الحساب الجديد لدى يوليوس بار تلقّى بين 2008 و2012 أكثر من 7 ملايين دولار، حُوّلت من حساب شركة Forry Associated». تلك السنة شهدت أيضاً «فتح سلامة لحساب مصرفي باسم مصرف لبنان لدى يوليوس بار يحتكر التصرّف به رياض سلامة، وقد أمر الأخير المصرف بتحويل سندات مالية سنة 2012 إلى بنك عوده سويسرا».

في سنة 2011، ظهرت شركة جديدة مُسجلة باسم رياض سلامة هي «SI 2 SA»، فتحت حساباً مصرفياً لدى بنك «EFG» في سويسرا، حوّلت إليه شركة Westlake Commercial Inc مليون و600 ألف فرنك سويسري». وبين 2011 و2013، حُوّل إلى شركة «SI 2 SA» نحو 3 ملايين فرنك سويسري، قبل أن تدفع الشركة عام 2019 7 ملايين و300 ألف فرنك سويسري لشركة «Red Street 10 sa». الحساب المصرفي يملكه رياض سلامة. إضافةً إلى حسابات شركات سلامة الثلاث: «RED STREET 10 SA» و«SI 2 SA» و«Westlake Commercial Inc»، تملّك الحاكم حساباً لدى مصرف «UBS AG» تلقّى بين 2012 و2018 ما مجموعه 7.5 ملايين دولار أميركي، حُوّلت جميعها من حساب في مصرف لبنان. تُضيف المصادر السويسرية أنّ سلامة «فتح سنة 2016 حساباً باسمه لدى «كريديه سويس» حُوّل إليه بين 2016 و2019 أكثر من 4 ملايين دولار من حساب يملكه هو في البنك المركزي». ثمّ حوّل من حسابه لدى مصرف لبنان «أكثر من 5 ملايين دولار إلى حساب لدى مصرف Pictet CIE SA». كلّ هذه المبالغ «استُثمرت في شراء عقارات وسندات». يُذكر أنّ سلامة موظف رسمي يقبض راتبه بالليرة، وتحويله مبالغ إلى الخارج بالدولار تمّت إمّا بشرائه الدولار من «السوق» أو من ودائع المصارف لديه، أي أموال المودعين.


يجب أن يُقرّر لبنان ما إذا كان سيصادر الأموال المُحتجزة في سويسرا أم لا

ولكن ما هو دور ماريان حويك؟ تُجيب المصادر بأنّ مُساعدة الحاكم «تملك حسابين مصرفيين، أجرت تحويلات مالية إليهما بين عامَي 2008 و2013». الحسابان اللذان تملكهما حويك، وحسابات سلامة، «حُجز عليها بعد فتح القضية. وقد حُجز على أصول سلامة في سويسرا، المقدّرة بعشرات ملايين الدولارات». لكن السلطات السويسرية لم تُثبّت «الشُبهة» على حويك، وهي تطلب الاستماع إليها كفردٍ صاحب موقع يُخوّله تقديم معلومات «مُفيدة للتحقيق، وعلى أساسها إما تكون مُجرّد شاهدة أو مُشتبها بها». في حين أنّ الاستماع إلى الأخوين سلامة «سيتم بصفتهما مُشتبهاً بهما». من الأساسي في هذه القضية التدقيق في كيفية اتخاذ القرارات داخل مصرف لبنان، وصلاحيات الحاكم، وتفرّده باتخاذ قرارات مُعينة، واستغلاله منصبه لإجراء عمليات خاصة، وتحويل المبالغ، وغيره... هل يتمّ الاستجواب في سويسرا؟ رياض سلامة أبدى رغبة في ذلك، «ولكن ليس بالضرورة، مُمكن أن تتم التحقيقات في سويسرا، ويُمكن إجراؤها في لبنان وفق القانون السويسري أو اللبناني».

ما المطلوب الآن؟ تعتبر المصادر السويسرية أنّ تعاون السلطات اللبنانية خطوة رئيسية، «ولا سيّما للتأكد ممّا إذا كانت الجرائم تُسيء إلى لبنان ومصرف لبنان ككيان، كما أنّه مطلوب من لبنان تحديد ما إذا كان يريد مُصادرة الأموال المُحتجزة في سويسرا أم لا».



بوادر انفجار اجتماعي: احتجاجات واسعة بعد كسر الدولار حاجز الـ 10 آلاف ليرة | البنوك تواصل المضاربة برعاية مصرف لبنان

صار الدولار بعشرة آلاف ليرة... «وطلوع». الكهرباء مقطوعة، وتعرفة المولّدات ارتفعت. المرضى، إن لم يموتوا بسبب استعصاء تأمين فاتورة العلاج، فربّما يدهمهم عجز المستشفيات عن تشغيل أجهزة التنفس في ظل التقنين القاسي. هذا ما كان ينقص. أن تقطع الدولة الأوكسيجين عن الناس. لا أحد بمنأى عن القتل المتعمّد، بعدما تركت السلطة القرار بيد كارتيلات القمح والبنزين والأدوية والمواد الغذائية، مُراهنةً على أن الناس طُوّعوا واستسلموا لواقع محتوم. لكن ما حصل في 17 تشرين الأول عام 2019، قد يتكرّر هذا العام، بعدما تُركت البلاد في حالة سقوط حر. وعلى وقع استمرار السلطة بسياسة تجاهل الانهيار، عاد الشارع ليتحرك على امتداد المناطق من بيروت الى الشمال والجنوب، بمشهد أعاد إلى الذاكرة انطلاقة هبّة 17 تشرين الأول 2019. مشهد ربما يؤشّر إلى قرب انفجار اجتماعي.

حاكِم مصرف لبنان، رياض سلامة، يتولى تنفيذ «قرار» أخذ البلاد إلى الانهيار. فسلامة يتحمّل المسؤولية المباشرة عن انهيار سعر الصرف، لا من خلال السماح للمصارف بشفط العملة الصعبة من السوق وحسب، بل أيضاً باللجوء إلى إجراءات ساهمت في زيادة الضغط على سعر الصرف. أبرز تلك الإجراءات، الاستمرار في اعتماد ما يسمّيه «سعر المنصة» أي 3900 ليرة للدولار الواحد، يُخصص تحديداً لإعطاء المودعين دولاراتهم المودعة في المصارف، بالليرة اللبنانية. يعيد مصرف لبنان وديعة للمصارف التجارية التي تعيدها لأصحابها. هؤلاء يريدون «التقليل من الخسائر» التي أصابتهم جراء حجز دولاراتهم وانهيار سعر الصرف، فيلجأون إلى السوق لشراء الدولارات. يجري ذلك في الوقت التي لا تزال فيه المصارف ترفع سعر الدولار، رغم انتهاء المهلة المحددة لها في التعميم الأساسي الرقم 154، وخاصة لجهة تكوين حسابات في الخارج بقيمة 3 في المئة من الأموال المودعة لديها بالدولار. أحد أكبر المصارف اللبنانية بدأ منذ يوم أمس يطلب مبالغ طائلة، بالدولار النقدي، من السوق السوداء، في مقابل شيكات مصرفية. وخفّض المصرف سعر الشيك إلى 27.47 في المئة من قيمته (مقابل 274 ألفاً و700 دولار نقداً، يحرر المصرف شيكاً بقيمة مليون دولار). والمبالغ النقدية التي ستُستبدل بشيكات ستُجمع من السوق. يرفع ذلك من الطلب على الدولار، ويودي بالليرة إلى المزيد من الانهيار.


بعض أصحاب المصارف يحقّقون أرباحاً خياليّة شخصيّة من المضاربة على الليرة

عاملون في القطاع المالي يتحدّثون أيضاً عن مشاركة أصحاب المصارف بعمليات الاتجار بالشيكات لتأمين أرباح شخصية، لا أرباح للمصارف حصراً. بليرات نقدية، يشترون شيكات بالدولار الوهمي (3 آلاف ليرة للدولار الواحد)، ثم يبيعون الشيكات بـ 3900 ليرة للدولار الواحد، مسجلين أرباحاً صافية بقيمة 900 ليرة لكل دولار، يستخدمونها لشراء دولارات نقدية (حقيقية) من السوق. تؤكد المصادر أن عدداً من أصحاب المصارف يحققون أرباحاً بما لا يقل عن 100 ألف دولار نقدي لكل منهم يومياً. عمليات مضاربة، يراكمون بواسطتها أرباحاً خيالية، يمكنهم تحويلها إلى الخارج على قاعدة أنها «دولارات فريش» لا قيود عليها. هذه الثروات المجمّعة على حساب باقي فئات المجتمع (كل انهيار إضافي لسعر صرف الليرة ينعكس تضخماً في الأسعار، ما يعني ضريبة مباشرة يدفعها عموم السكان، تصبّ في جيوب المضاربين لا في الخزينة العامة)، تُضاف إلى الأموال التي سبق أن هرّبوها إلى الخارج، عندما لاحت لهم بوادر الانهيار في السنوات الماضية.

في المقابل، القوى السياسية التي تُعدّ درع سلامة الحصين، لا ترفض حصراً دفعه إلى تغيير أدائه، بل تشدّد إجراءات الحماية السياسية له في عز الانهيار، وآخرها قيام مجموعة من النواب بممارسة الضغط على الحكومة في موضوع التدقيق الجنائي، بينهم اثنان من كتلة «التنمية والتحرير» (راجع صفحة 4).

أما على الخط الحكومي، فليس الوضع أفضل حالاً. الرئيس المكلف سعد الحريري يستعدّ للقيام بجولة خارجية، استكمالاً للزيارات السابقة، فيما الخلاف لا يزال كبيراً بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إذ إن كلاً منهما باقٍ على شروطه. وبينما جرى التسويق لمعلومة أن الحريري «في مجالسه بدا أكثر ليناً وأنه يطلب الاستعجال لتأليف الحكومة، لكن بمخرج لا يُظهره منكسراً»، نفت أوساط سياسية مطّلعة هذا الأمر، مؤكدة أن «الرئيس الحريري لا يقلّ عناداً عن عون والوزير جبران باسيل وأنه ليس في وارد التراجع»، مشيرة إلى أن «لا جديد في هذا الملف ولا اتصالات يُبنى عليها».

ومع استبعاد تراجع الجهات المتصارعة عن قناعاتها، تستقيل حكومة تصريف الأعمال من دورها في مواجهة الأزمة، إذ فشلت اللجنة الوزارية التي اجتمعت منذ أيام في إيجاد آلية «ترشيد» واضحة للدعم، وخاصة أن رئيس الحكومة حسان دياب كان حاسماً لجهة أنه لن يذهب الى خيار إلغاء الدعم، ولا سيما أن تداعيات هذا الخيار ستكون كارثية لأنها ستؤدي الى ارتفاع أسعار المحروقات والأدوية والمواد الغذائية بشكل جنوني، وهذا يعني أن المبالغ التي يمكن أن تخصص لدعم الأسر الأكثر فقراً لن تكفي لتأمين الحد الأدنى من السلع الحيوية.



«حزب المصرف ــ خليّة مجلس النواب» مصرّ على عرقلة التدقيق الجنائي!

إيلي الفرزلي

السعي إلى إعادة التدقيق الجنائي إلى سكّة التنفيذ تواجهه عقبات لم تتغير. المتضرّرون لا يزالون بالمرصاد. حتى عندما أقر قانون تعليق السرية المصرفية لمصلحة المولج بالتدقيق الجنائي، لم يمرّ إلا بعد تفخيخه بالغموض بما يسهّل تعدد التفسيرات. ولذلك، وبعدما طلبت رئاسة الجمهورية ووزارة المالية رأيهما في مسألتين يُخشى أن تعرقلا التدقيق مجدداً، أصدرت هيئة التشريع رأيين استشاريين. الأول يؤكد أن قانون تعليق السرية المصرفية يشمل حسابات المصارف في مصرف لبنان، والثاني يوضح أن المقصود بالتدقيق في حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة بالتوازي هو خضوع هذه الحسابات للتدقيق بطريقة متشابهة لا متزامنة. وقد أوضحت رئيسة الهيئة جويل فواز، في الاستشارة التي أصدرتها في 2/2/2021، أن التدقيق بالتوازي يعني خضوع «جميع هذه الحسابات بطريقة متشابهة، مماثلة، للتدقيق الجنائي، وليس خضوعها جميعها للتدقيق الجنائي في وقت واحد، وإلا لكان استعمل واضع النص عبارة «بالتزامن» بدلاً من «بالتوازي»». هذا أمر كان قد أكده أكثر من نائب شارك في صياغة النص. كما أكدوا أن النقاش في المجلس كان متمحوراً حول البدء بالتدقيق الجنائي من مصرف لبنان، على أن يشمل الجهات الأخرى.

لكن هذا التفسير القضائي والنيابي وجد من يعارضه، تأكيداً على توجّهات حزب المصرف، الذي لا يزال يسعى جاهداً إلى إعاقة التدقيق في حسابات مصرف لبنان وحسابات المصارف. وعلى ما يبدو، فإن «قطبة» التدقيق «بالتوازي» لا تزال حاضرة للاستخدام. وقد برزت مجدداً في سؤال نيابي قدّمه إلى مجلس الوزراء نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي والنواب: قاسم هاشم، غازي زعيتر ونقولا نحاس.

السؤال يطالب «بشكل واضح» بأن يكون «العقد الذي سيتم بموجبه إتمام التدقيق في مصرف لبنان شاملاً، وفقاً لصراحة القانون 200/2020 والقرار الصادر عن مجلس النواب في 27/11/2020، أيضاً الوزارات والإدارات، أو على أقل تقدير التدقيق الجنائي في وزارات الطاقة والاتصالات (على سبيل المثال لا الحصر)».

ربط التدقيق في مصرف لبنان بالتدقيق في وزارة الطاقة ليس جديداً. سبق للرئيس نبيه بري نفسه أن قال، في 29 كانون الثاني الماضي، إنه «مع إجراء تحقيق جنائي يشمل حسابات كلّ مؤسسات الدولة، وزارات وإدارات وصناديق ومصرف لبنان، وأول ما يجب أن يبدأ به التحقيق الجنائي هو وزارة الطاقة».

أكثر من ذلك يعتبر مقدمو السؤال أن «محاولة البدء بالتدقيق الجنائي في مصرف لبنان وحده دون عطفه على هذه الوزارات من شأنه تفريغ التدقيق الجنائي لدى مصرف لبنان من مضمونه لأن التدقيق في حسابات المصرف لن يكون له النتيجة المتوخاة إذا لم يتم ربطه بتدقيق بالتوازي والتزامن مع التدقيق لدى الوزارات والإدارات وهذا أمر بديهي».

البداهة التي يتحدث عنها النواب لم تكن كذلك، بحسب زميل لهم شارك في الجلسة التي أقر فيها قانون رفع السرية المصرفية لأجل التدقيق. لم يقولوا كيف يمكن ألا يؤدي التدقيق في مصرف لبنان إلى النتيجة المتوخاة منه إذا لم يربط مع التدقيق في الوزارات والإدارات. ولم يقولوا أصلاً كيف يمكن ربط الأمرين بشكل عملي. أضف إنه بدا مستغرباً، بحسب المصدر، إضافة عبارة «التوازي والتزامن» (مع وضع خط تحت كلمة التزامن) في السؤال، كما لو أن القانون يسلّم بوحدة معنى الكلمتين.


كلمة «التزامن» لم تَرِد في القانون ولا في مناقشات مجلس النواب

والأسوأ أن السؤال الموجّه إلى الحكومة في ٢٢ شباط الماضي بدا بمثابة الردّ على رأي هيئة التشريع والاستشارات، التي أكدت الاختلاف التام بين التعبيرين. أضف إلى ذلك أن مصطلح «بالتزامن» لم يرد في القانون، ولا في مناقشات مجلس النواب، إنما ورد في الرأي الذي أصدرته الهيئة في معرض تأكيدها أن التوازي لا يعني «في الوقت نفسه»، علماً بأن الهيئة سبق أن أوضحت أن القانون ربط عملية التدقيق الجنائي بقرار يصدر عن الحكومة التي يعود لها أن تقرر متى تخضع حسابات الوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة للتدقيق في ضوء المعطيات التي تتوافر لها («تعليق السرية لمدة سنة في كل ما يتعلق بعمليات التدقيق الجنائي التي قررتها وتقررها الحكومة…»). وبالتالي، فإن الحكومة لم تصدر قراراً بالتدقيق بالإدارات والمؤسسات العامة بعد، لكنها سبق أن أصدرت في تموز قرار التدقيق بحسابات مصرف لبنان. ومن البديهي السعي إلى تفعيل العقد الذي كان موقّعاً مع شركة «الفاريز أند مارسال» للتدقيق في حسابات مصرف لبنان، من دون أن يعني ذلك عدم إمكانية توسيع العقد ليشمل باقي المؤسسات لاحقاً على قاعدة توازي الصيغ.

مسألة تعديل العقد سبق أن ناقشتها وزارة المالية مع رئاسة الحكومة. وهي كانت قد أشارت إلى أن «توسيع مهام التدقيق ليشمل جميع الأطراف المذكورة في القانون، يستدعي تعديل العقد الموقّع مع ألفاريز (18/1/2021)». وبحسب الرد المرسل من الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية إلى وزارة المالية في اليوم نفسه، فإن «المضيّ في هذا الأمر يتطلّب إيداع رئاسة مجلس الوزراء نسخة معدّلة عن العقد بتفاصيله كافة ومستوفياً الشروط والإجراءات المفروضة أصولاً». لكن بحسب المعلومات، لم تنجز وزارة المالية التعديلات على العقد، بانتظار انتهاء المفاوضات المستمرة مع الشركة ومعرفة ما إذا كانت ستستأنف تنفيذ التدقيق في مصرف لبنان أولاً.

اللافت أن النائب قاسم هاشم، أحد الموقّعين على السؤال النيابي، لم يشأ، في اتصال مع «الأخبار»، الدفاع عن مضمون السؤال، مشيراً إلى أنه لا بد من تطبيق القانون نصاً وروحاً، وكل ما عدا ذلك لن يقدّم أو يؤخّر (إشارة السؤال إلى مسألة التزامن في التدقيق). وهو أوضح أن الغاية من السؤال هي حثّ الوزارة على التدقيق في كل المؤسسات، من دون انتظار نتائج التدقيق في المصرف المركزي. وأوضح هاشم أنه بالنسبة إليه فإن بدء التدقيق في مصرف لبنان هو أولوية، مشيراً إلى أن هذا ما تم التأكيد عليه في مجلس النواب. وبالتالي، ليس مطلوباً أن يبدأ التدقيق بالتزامن بين المؤسسات المستهدفة، لكن من الضروري وضع الآلية للبدء بالتدقيق في كل المؤسسات.



شركة التدقيق تشترط تسليمها كل المعلومات للموافقة على استئناف العقد | «ألفاريز»: أجوبة مصرف لبنان مُبهمة!

إيلي الفرزلي

رفضت شركة «ألفاريز أند مارسال» أن يتعامل معها مصرف لبنان «عاللبناني». إجابة فضفاضة، من نوع «سنتعاون إيجابياً»، على أسئلة محددة وجّهتها له، لم تكن كافية لتطمئن إلى أنه سيغير من طريقة تعامله مع الملف. ولذلك، ربطت موافقتها على تجديد العقد بتسليم المصرف كل المعلومات التي سبق أن رفض تسليمها، وتدقيق وزارة المالية فيها

الإجابة المبهمة التي أجابها مصرف لبنان عن الأسئلة الأربعة لشركة «ألفارير أند مارسال»، والتي اكتفى فيها بالإشارة إلى «التعاون إيجابياً»، لم تقنع الشركة المكلّفة التدقيق في حسابات «المركزي». ولذلك، أبلغت وزير المالية، في 28 شباط، أنها لم تحسم أمرها بشأن استمرارية عقدها مع الدولة اللبنانية. كما أشارت إلى أنها يمكن أن تعيد النظر بقرارها إنهاء العقد فقط عندما تحصل على أدلة ملموسة تثبت أن المصرف سلّمها الأجوبة عن الطلبات التي تضمنتها قائمة المعلومات التي سبق أن قدمتها له أثناء تنفيذ العقد، والتي لم يُجب سوى على جزء يسير منها.

لذلك أعادت الشركة تأكيد أنها ما لم تتسلم المعلومات التي كانت قد طلبتها، فإنها لن توافق على استئناف العقد بالاعتماد على وعود بالتعاون وتسليم المعلومات المطلوبة.

بناءً عليه، اقترحت الشركة الآتي:

- أن يجمع مصرف لبنان المعلومات المطلوبة في قائمة المعلومات (IRL) التي سبق أن سلّمتها له في 14 أيلول الماضي، ثم جرى تحديثها في 20 تشرين الأول 2020.

- أن يقوم المصرف بتحديث ملاحظاته التي كان قد وضعها على قائمة المعلومات (أغلبها ركز على عدم إمكانية تسليم بالمعلومات بحجة السرية المصرفية والسرية المهنية وقانون النقد والتسليف)، بما يؤكد إتاحة المعلومات المطلوبة أو شرح سبب عدم إتاحة هذه المعلومات وعدم التمكن من الوصول إليها.

- أن تقوم وزارة المالية بمطابقة المعلومات المقدمة من مصرف لبنان مع قائمة المعلومات المطلوبة وأن تُعلم الشركة بنتائج المطابقة.

- أن تقوم الشركة بتقييم ما إذا كانت هذه المعلومات المتوفرة تكفي لجعل الشركة تبدأ بالتدقيق الجنائي، على أن تبلغ قرارها النهائي إلى الحكومة اللبنانية بعد ذلك.


وزارة المالية تطلب من «المركزي» تنفيذ مطالب «ألفاريز» بسرعة

تلك الإجابة أبلغها وزير المالية إلى الرؤساء الثلاثة، كما نقلها إلى مصرف لبنان، أمس، طالباً منه «الإجابة بشكل مفصّل عن الأسئلة الأربعة التي كانت قد طرحتها شركة «ألفاريرز» في رسالتها الجوابية على طلب الوزارة استمرار العقد، في 6 كانون الثاني الماضي. وأشار إلى أن «جوابكم السابق لم يكن وافياً لها، وأي إجابة سلبية سوف تحول دون تمكّن الشركة من التعاقد مجدداً».

يُذكَر أن الشركة كانت طلبت الإجابة عن الأسئلة الآتية:

1- هل يجيز القانون الجديد أن تطّلع الشركة على حسابات المؤسسات الخاصة لدى مصرف لبنان (أصدرت هيئة التشريع والاستشارات رأياً يؤكد أن قانون تعليق السرية المصرفية يشمل هذه الحسابات).

2- هل تقدّم مصرف لبنان، ربطاً بصدور قانون تعليق قانون السرية المصرفية، بأيّ معلومات جديدة من تلك التي سبق أن طلبتها لتتمكن من القيام بعملية التدقيق الجنائي؟

3- هل تغيّر موقف حاكم مصرف لبنان لناحية رفضه تسليم المعلومات المتعلقة بهيكليته وعمله التنظيمي وقواعد الحوكمة المعتمدة لديه بحجة أن إتاحة هذه المعلومات يشكل انتهاكاً لقانون النقد والتسليف؟

4- هل تَغيّر موقف حاكم مصرف لبنان بخصوص إمكانية الولوج إلى أنظمة التدقيق المحاسبي للمصرف لإتمام عملية التدقيق؟

كذلك طلب وزير المالية، في رسالته إلى مصرف لبنان، تنفيذ الخطوات المطلوبة من الشركة «وإيداعنا بالسرعة الممكنة المعلومات الواردة في قائمة المعلومات (Information Request List) المرسلة من الشركة بتاريخ 14 أيلول 2020».

بهذه المطالب، تكون «ألفاريز» قد حسمت أمرها بعدم العودة إلى المربع الأول من العقد. فالعقد كان مقسوماً إلى مرحلتين: الأولى مخصصة لتقديم الشركة طلب الحصول على المعلومات، ثم رد المصرف على هذا الطلب. المرحلة الثانية، ومدتها 10 أسابيع، تنطلق بعد أن تحدّد الشركة ما إذا كانت قد حصلت على المعلومات الكافية من أجل التمكّن من بدء المراجعة. عند هذه المرحلة، كانت قد أعلنت أنها لم تحصل على المعلومات التي طلبتها، ما مكّنها بحسب العقد من إنهاء الاتفاقية «بسبب عدم قدرتها على اتخاذ قرار بدء التدقيق نتيجة لقصور إتاحة المعلومات». ولذلك، هي تربط موافقتها على تفعيل العقد بالانتهاء من المرحلة الأولى، والتأكد، عبر وزارة المالية، من الحصول على كل المعلومات المطلوبة، بما يمكنها من البدء فوراً بمرحلة مراجعة المعلومات.




تعليقات: