المصارف أمام الاختبار الأول: ما مصير أموال المودعين؟


بعد انتهاء المهلة الممنوحة من مصرف لبنان إلى المصارف لتطبيق التعميم رقم 154، بات على المصارف فتح ملفاتها والتقدّم ببياناتها إلى لجنة الرقابة على المصارف، ابتداء من مطلع شهر آذار، لإثبات إما التزامها أو سعيها للإلتزام أو تخلّفها عن زيادة رساميلها بنسبة 20 في المئة، وتكوين سيولة بنسبة 3 في المئة لدى المصارف المراسلة من مجموع الودائع بالدولار.

ورغم إصرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في وقت سابق، على عدم تمديد المهلة أمام المصارف لتطبيق التعميم رقم 154، وتجاهله عناد جمعية المصارف على اعتبارها أن قانون تعليق المهل يشمل المهل المحدّدة في تعاميم مصرف لبنان، لا سيما التعميم الأساسي 154، عاد بالأمس ليُظهر مرونة بالتعاطي مع المصارف، بتوجهه إلى تمديد المهل.. لكن ليس كما تشتهي المصارف، إنما كما تقتضي أوضاع كل منها، بمعنى أن المهلة التي سيتم منحها للمصارف التي باعت وحدات لها وفروعاً لتأمين زيادة رساميلها، ستختلف قطعاً عن تلك التي لم تقم حتى اليوم بمبادرات جدّية لتطبيق التعميم 154. وهذه الأخيرة مرشّحة لتسليم مفاتيحها لمصرف لبنان.

وفي آخر بيانات البنك المركزي، أوضح أنه سيقوم بالتنسيق مع لجنة الرقابة على المصارف والهيئة الخاصة وهيئة الأسواق والهيئة المصرفية العليا، لإنجاح التعميم 154 بكل بنوده. مشدّداً على أن استقرار القطاع المصرفي هو من واجباته وأولوياته. وأن مقاربته ستكون هادفة إلى اتخاذ كافة الإجراءات الآيلة إلى معالجة وضع المصارف، وصولاً إلى تعزيز استقرار الوضع المصرفي وضمانة أموال وحقوق المودعين. وهذا بيت القصيد: ما مصير أموال المودعين؟ وهل أن مصير المودعين يختلف فيما بين المصارف المحتّم تصفيتها، وتلك التي ضمنت استمرارها؟

لا إفلاسات ولكن..

موضوع إفلاس مصارف غير وارد على ما يبدو حتى اليوم. فالإفلاس يخضع لقانون 2/67. ومن شأنه ضياع ما تبقى من ودائع مصرفية. ولا نية لمصرف لبنان لتطبيقه. من هنا تتجّه الأمور إلى اعتماد القانون 110 الصادر عام 1992 والقانون 192 الصادر عام 1993. وهي قوانين الدمج والتصفية الذاتية. وبالتالي، فإن لغة الإفلاس غير واردة. لكن في حال التصفية أو الدمج أو في حال وضع مصرف لبنان يده على عدد من المصارف، كما هو مرجّح، كيف سيتم التعامل مع أموال المودعين؟

إن عدم التزام أي من المصارف بالتعميم رقم 154 سيؤدي إلى تدخل مصرف لبنان في تأدية المتطلبات المفروضة في التعميم، من خلال الاكتتاب بزيادة رأس المال وتأمين السيولة، إما بالتملك الجزئي للمصرف أو التملك الكلي. كما سيتم وضع اليد على إدارته من قبل مصرف لبنان، وفق ما يشرح الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، الدكتور سمير حمّود، في حديث إلى "المدن". وعندما يتملك مصرف لبنان لأي من المصارف المعنية، من الممكن أن يتم حينها الدمج فيما بينها تحت إدارة مصرف لبنان، لأن الدمج التلقائي لا معنى له اليوم، وهو عبء على الدامج والمدموج. ويطمئن حمّود بأن التغيير بالملكية يتم مع حفظ كامل لأموال المودعين ومن دون أي تجزئة.

قد يكون عدد المصارف العاجزة عن زيادة رساميلها بنسبة 20 في المئة قليلة، لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، حسب مصدر مصرفي. إلا أن عدد المصارف العاجزة عن تأمين سيولة الـ3 في المئة تقارب 12 مصرفاً. ويتوقع المصدر أن يعطي مصرف لبنان للمصارف المتخلفة أفكاراً ومخارج لتأمين الـ3 في المئة تحديداً، في حال وجود نية جدّية لدى المصرف وخطة واضحة، وليس بيعاً للكلام.

شروط وإجراءات جديدة

لن يكون استحقاق زيادة الرسملة 20 في المئة وتأمين السيولة بنسبة 3 في المئة، على الرغم من أهميته، نهاية المطاف. هو بداية فقط، وخطوة أولى خجولة، في مسار استعادة الثقة. فالتعميم 154 ضروري نعم، لكنه غير كاف وغير واف. ووفق حمّود، يجب القيام بإجراءات وخطوات متتالية تفوق بأهميتها التعميم 154. فصحّة المصرف لا تقتصر على رأسماله، إنما أيضاً على صحة وسلامة موجوداته. والموجودات اليوم بمعظمها أي نحو 70 في المئة منها هي مطلوبات من البنك المركزي والدولة، والمقصود بالدولة هي المالية العامة والسلطة النقدية المتمثلة بمصرف لبنان.

ويبقى العنصر الأهم باستحقاق التعميم 154، هو انعكاس الزيادة بالرسملة وبالسيولة على تسييل ومرونة علاقة المودع مع المصرف، وحركة المودع مع المصارف. فهذا هو الأهم، يقول حمّود. وكل خطة أو إجراء يتم القيام بهما يجب مقاربتهما لجهة انعكاسه على المودع. وهذا أمر جوهري وضروري.


تعليقات: