تنظيم عمل التداوي بالأعشاب

التداوى بالاعشاب موضوع هام لكل مريض
التداوى بالاعشاب موضوع هام لكل مريض


اتخذت الحكومة الكندية، أخيراً، قراراً بضبط التجارة بالعلاجات «الطبيعية» المركّبة من الأعشاب من خلال التعامل معها كأنها أدوية طبية مثل تلك التي تباع في الصيدليات. ويبدو أن السبب الرئيس لهذا القرار هو ضرورة حماية المستهلكين، والتأكد أن المنافع المنسوبة للعلاجات العشبية حقيقية ومبنية على تجارب علمية، وأنها لا تمثّل خطراً على مستهلكيها. فقد اضطرت الحكومة الكندية، منذ فترة، إلى سحب عدة مركّبات صحية طبيعية من الأسواق بعدما اكتشفت أنها تُضر بالصحة. كانت ردّات فعل العديد من الكنديين قوية دفاعاً عن العلاجات الطبيعية. وتعدّدت الأسباب التي دفعت المواطنين للاعتراض على هذا القرار، فمنهم مَن اتهم لوبي الصناعات الصيدلانية بمحاولة إلغاء الصيدلة البديلة والتفرّد بسوق العلاجات بحسب قوانين المنظومة الرأسمالية المتوحشة. أما آخرون، فتعالت أصواتهم دفاعاً عن حق الفقراء الذين، بحسب المدافعين، يتّكلون على العلاجات الطبيعية لعدم قدرتهم على شراء الأدوية الصيدلانية.

لا شك في أن الصناعات الصيدلانية تمثّل قوة ذات نفوذ اقتصادي وسياسي هائل، وأن الشركات نفسها تخوض معارك ضارية ما بين بعضها بعضاً، وأنها لو استطاعت أن تجعل من كل مواطن صيدلية نقّالة فلن تقصّر، وأن شراءها لضمائر بعض الأطباء تكشف تماماً استراتيجياتها في تكوين وزيادة رأس المال. إلا أن الشركات التي تصنّع وتسوّق العقاقير الطبية «الطبيعية» لا تقل رأسمالية وشراسة عن أخواتها الكبرى وتخوض معاركها بالضراوة نفسها، فهي أيضاً شركات كبرى، محلية كانت أم أجنبية، لا يهمها الفقير، تكوّن أموالها بالطرق نفسها التي تعتمدها أكثر الشركات الكبرى والتي ترتكز على شراء الضمائر والمهنية. وبما أنها وجدت ضمائر ومهنية الأطباء محجوزة، فتحت لنفسها سوقاً جديدة ضمن الفضائيات.

التداوي بالأعشاب: ليس كل طبيعي صحياً

أسامة الخالدي *

دأب العرب القدامى حتى بداية القرن العشرين على التداوي بالأعشاب وبالمستخلصات الطبيعية، وأغنوا المكتبة العربية بعشرات المعاجم والكتب التي تفصّل أسماء النباتات الطبية وطرق استخدامها. إلا أن الحداثة حملت معها تغيرات كبيرة في أنماط العيش، فاستبدل سكان العالم العربي العقاقير التقليدية بالعلاجات الحديثة، وأصبحت كتب الطب التقليدي منسية، وتراجعت، بالنتيجة، المعرفة المحلية. ومع دخول العالم العربي مرحلة مجتمع الرّفاهية اليوم، نشهد تبدّلاً في الأنماط الحياتية نحو ما يمكن تسميته سلوكية «العودة إلى الطبيعة»، ما جعل مستحضرات الأعشاب أكثر رواجاً، إلى حد أصبح معه بعض بائعي هذه المنتجات أشهر من أطباء كثيرين.

يعتقد الكثيرون أن استعمال مستخلصات النباتات لا ينطوي على أيّ مخاطر كمخاطر استعمال الأدوية المركّبة من المواد الكيماوية، وهم بذلك يتناسون أن المواد الفعّالة هي دائماً تلك الكيماوية سواءٌ أصنعت في مختبر أم استخرجت من نبتة.

صحيح أن العديد من الأدوية المتداولة في الصيدليات هي من أصل نباتي كالأسبرين والكينا والكولشيسين... إلخ. والكثير من الأدوية الفعالة كالمضادات الحيوية مستخلصة من فطريات، ولكن يجب أن نؤكد على أن مستخلصات النباتات لا تخلو من الأخطار:

1- إن أنواعاً عديدة من النباتات سامة وبعضها شديد السّمية كبعض أنواع الفطر والدفلى أو ورد الحمير (النيريوم) وبذر الخروع (لا زيته). يخشى دائماً أن تُجمع نباتات سامة عن طريق الخطأ أو الجهل خلال جمع نبات معين بغرض استخلاص دواء منه.

2- من الصعب جداً أن يتحكم الإنسان في الجرعة عند استعمال مستخلصات النباتات بسبب التفاوت في كمية المادة الفعالة فيها التي تتحكم فيها بحسب المواسم، ومكان النمو، وعمر النبتة عند قطفها ومدة تخزينها. كما أن كمية المادة المستخلصة تتغير بحسب كمية المياه المستخدمة في عملية الاستخلاص ودرجة حرارتها.

3- هناك بعض التفاعلات الخطيرة بين الأدوية الصيدلانية وبعض مستخلصات الأعشاب، كتلك الموجودة بين بعض الأدوية الحديثة المهدئة للأعصاب ومستخلص شجرة التيس (St. John’s Wart)، إذا ما جرى تناولهما معاً.

4- بعض العطّارين يستعمل خليطاً من عدة أعشاب في صنع الأدوية ما يصعّب التأكد أي منها مفيد وأي منها من دون فائدة. وهناك حوادث كثيرة موثّقة عن تسمّم قاتل نتج من استعمال مستخلصات أعشاب.

إلا أن ما تقدّم لا يعني أنّ علينا التخلي عن تراث المعرفة المحلية في مجال التداوي بالأعشاب، أو أن نلقي بالكتب الموروثة في متاحف المخطوطات القديمة، فالمطلوب اليوم هو الاستفادة من هذه المعرفة لتحسين الحياة ولتحديثها، ولاستنباط تكنولوجيا جديدة تؤثر إيجاباً على معيشة المواطن كما على الاقتصاد الوطني.

لكي نبدأ بطريقة علمية صحيحة هناك أسلوبان:

الأول يقضي بسؤال العطارين عن أسماء النباتات التي يستخدمونها كأدوية ولأي مرض يصفونها وعن طريقة تناولها التي ينصحون بها. وكذلك سؤال النساء الكبيرات، وبخاصة في المناطق النائية، الأسئلة نفسها. ففي هذه المناطق تجمع النساء، دوناً عن الرجال، النباتات ويعرفن استعمالاتها الطبية. بعد السؤال، علينا أن نتأكد من الاسم العلمي لكل نبتة، فالأسماء الشائعة قد تختلف من مكان إلى آخر. ثم نضع هذه المعلومات في جداول تحدّد استعمالات كل نبتة وطريقة تحضير المستخلص وعدد الأشخاص الذين ذكروا هذا الاستعمال.

وقد نجد أن الكثير من الاستعمالات لا يمكن تحديد ماهيتها بدقة ولذلك تصعب دراستها، كتلك التي يشاع أنها تستخدم لوجع البطن؟ فما هو وجع البطن؟.

إلا أن الدراسة تصبح أسهل في حالات أخرى، كالوصفة التي تنصح بوضع ورقة من نبات معيّن على السن المصابة لتخفيف الألم. هنا يمكن أن نشك في أن فيها مخدّراً موضعياً. في هذه الحالة، تصبح الدراسة أسهل إذ يكفي عزل المركّب الفعّال.

أما الأسلوب الثاني، فيعتمد على البحث عن نبات محلي أو تراثي ينتمي إلى الفصيلة ذاتها من نبات معروف باحتوائه على دواء مهم، وهنا أيضاً يمكن، بسهولة، اكتشاف ما إذا كان ذلك النبات المحلي الجديد يحتوي على الدواء نفسه. وهنا أيضاً يمكن التأكد من ذلك ودرس إمكان الإنتاج الاقتصادي له.

وفي حال اكتشاف مركّب جديد فعّال في إحدى النباتات، يحتاج تطويره إلى دواء إنساني إلى العديد من الدراسات على الحيوانات، أولاً للتأكد من عدم سمّيته، ثم على المتطوعين من خلال دراسات علمية، وهي عملية مكلفة جداً. لذلك، يبدو الخيار الأجدى هو توثيق هذا الاكتشاف وأخذ براءة اختراع (ربما عالميّة) له ومحاولة بيعها لشركات أدوية بدل محاولة تصنيعه.

* مدير المركز الوطني

للتكنولوجيا الحيوية، الأردن

تعليقات: