عدنان سمور: كيف استطاع الإقطاع والبداوة هزم نظام الدولة والمؤسسة الحديثة؟

هل يمكن نقل عقدنا القبلية والعائلية والطائفية الى منظومة المؤسسة الحديثة التي انتجتها حضارة الإنسان؟
هل يمكن نقل عقدنا القبلية والعائلية والطائفية الى منظومة المؤسسة الحديثة التي انتجتها حضارة الإنسان؟


إن المجتمع الصناعي الغربي عبر الى مرحلة المجتمع المدني القائم على اعتماده نظام المؤسسات الحديث الذي يتم فيه تبادل السلطة بأسلوب ديمقراطي وسلمي إضافة لإعتماد نظام تقييم الأداء على أساس الإنتاجية ومراعاة مصالح الناس وقد إستغرقت عملية التحول للمجتمعات الغربية هذه ثلاثة قرون حصلت فيها تطورات بنيوية على مستوى تطوير النظريات العلمية وهيكليات الحكم والإدارة المعتمدة ومناهج التربية والتعليم وتحديد الأولويات التي تغلب المصلحة العامة على مصالح الأفراد مهما علا شأنهم وكثرت انجازاتهم واعتماد نظم تقييم للأداء والإنتاجية والجودة ووضع مؤشرات يمكن قياسها للتحقق من حصول تقدم وتطور وإنجاز الأهداف المطلوبة . أما في بلادنا فإذا أردنا تجاوز مدى مسؤولية الدول الإستعمارية في التسبب بفشلنا وعجزنا عن تحقيق مشروع تنموي واقعي وعن تأمين الرفاه والأمان المعيشي والوظيفي لشعبنا وشبابنا فإننا ساهمنا في إنتاج نظام بدوقراطي (من بدو) أو إقطاعقراطي أو عشائرقراطي أو طائفقراطي وبشكل مشوه للنظام الديمقراطي المؤسساتي الحر المبني على الشراكة الوطنية والإعتراف بالآخر كشريك مماثل جدير بالإحترام والثقة والإستفادة من خبراته وأفكاره وتطلعاته.

ذكر الأنصاري في ورقة عنوانها جذور مشكلات التنمية الإنسانية في البلدان العربية عام 2003 " إن إشكالية الفشل في تحقيق مشروع تنموي عربي تكمن في تحول تاريخي لم ينجز"وهنا يقصد أننا كعرب لا زلنا نعيش في تشابك أزمنة قبلية وحديثة وما بين نسيج مشبع بالروحية العصبية مع قناع حداثوي مختلف عنه الى حد التناقض .

ماذا نفهم من هذه الخلاصة المكثفة وأي بلاء نزل بنا وأي هدر مرعب حصل لطاقاتنا البشرية والإنسانية ولثرواتنا المادية ؟

لقد تحولت المؤسسات الوطنية في عالمنا العربي وفي لبنان إلى نموذج للهدر الوطني بدل أن تكون مركزا لتقوية اللحمة الوطنية وتعزيز النسيج الإجتماعي وبث الحيوية والتنافس الإيجابي الخلاق. وبدأت تتحول إلى مؤسسات مغلقة هدفها فرض نفوذ أفراد وجماعات من خلال ما تقدمه من خدمات لهم وتقفل أبواب هذه الخدمات بوجه سواهم الذين لا ينتمون إلى عصبياتها لمحاصرتهم والتضييق عليهم وهكذا تحولت المؤسسات العامة في لبنان الى ساحات للعصبيات المتصارعة رغبة في إقتسام النفوذ وتحقيق المغانم للمحظيين والمقربين . وبدأت هذه المؤسسات تفقد وظيفتها الإدارية والخدماتية والإنتاجية وتقع في الجمود والمراوحة وإجترار الأفكار والفساد وتراجع الكفاآت وهدر الطاقات الكامنة ووأدها في المهد خوفا من اتضاح الفرق بين الجمود والتحجر الذي يمثله أصحاب النفوذ من جهة وبين التفكير العلمي الحر الإبداعي الذي يمثله أصحاب الطاقات والكفاءت من جهة أخرى.

في هذه الحالة نكون قد نقلنا كل عقدنا القبلية والعائلية والطائفية الى منظومة المؤسسة الحديثة التي انتجتها حضارة الإنسان الحديث والتي استطاع الإنسان بواسطتها أن يحقق هذا الكم الهائل من الأنجازات والرفاه والتطور في كافة ميادين الحياة وعدنا نحن ندير مؤسسات البلد العامة والأهلية والخاصة أيضا بأسلوب يعزز نفوذ الجهة التي نعمل لمصلحتها وبدل أن يوظف الشخص إمكاناته وطاقاته وطاقات الفريق العامل معه لخدمة الدور الوظيفي المنوط به إذ به يعمل لتعزيز نفوذه الذاتي ونفوذ العصبية التي ينتمي إليها والتي كان لها الفضل بوضعه في هذا المنصب وتتحول بذلك علاقات الإدارة داخل المؤسسة الى علاقات نفوذ بدل أن تكون علاقات أداء وظيفي وتحل علاقات الولاء محل علاقات الأداء حيث يحاول صاحب النفوذ أن يستقطب أكبر عدد من الموالين الذين يقربهم بقدر شدة ولائهم له لا بقدر كفاءتهم وإخلاصم ويتقاسم معهم المغانم بناء على هذه القاعدة ويتصرف بمنصبه وكأنه ملك شخصي له.

لقد استطاع الإنسان العربي واللبناني للأسف أن ينتج في مقابل المؤسسات الحديث والمتسببة بالنهضة والتنمية المستدامة في الدل المتقدمة مؤسسات الولاء التي تسببت بهدر طاقات وكفاآت متوفرة لكنها مهمشة ومقموعة ومغيبة لأنها تغلب العام على الخاص وتشخص الأخطاء والأمراض وطرق العلاج بدقة تزعج أصحاب النفوذ والسلطة .

امام هذا الإستعراض نفهم بشكل مبسط نسبيا مكمن الخطأ والأسباب الكامنة خلف الواقع المأساوي الذي وصلنا اليه في لبنان والذي علينا أن نتكاتف ونعمل جميعا بإخلاص ووعي لرسم مسارات الخلاص الممكنة والتي يتعذر حصولها بدون خطوات شجاعة وعمليات جراحية يتم فيها إستئصال مراكز النفوذ المرضية التي تنتج الأزمات وتفاقم الخسائر وهدر الطاقات.

رحم الله من قال:"إن العصبيات قد تبني دولا لكنها عاجزة عن بناء الأوطان".

عدنان ابراهيم سمور.

باحث عن الحقيقة.

* مقتبس بتصرف من كتاب (الإنسان المهدور للدكتور مصطفى حجازي)

25/03/2021

تعليقات: