نقابة المحامين في معركة حماية أموال المودعين: مقاضاة دولية!

أموال المودعين ملك أصحابها (علي علّوش)
أموال المودعين ملك أصحابها (علي علّوش)


بين العتمة أو إقرار سلفة مالية للكهرباء اختار مجلس النواب السلفة. هذه المعادلة ليست بالأمر الجديد. فقد اعتُمدت في كل المراحل من قبل القيّمين على ملف الكهرباء، حتى أنها تحوّلت إلى شبه استراتيجية، تضمن سير عمل المرافق العامة وما يترافق معها من تنفيعات ومكاسب، وإن كان على حساب المال العام أو الخاص.

اليوم ورغم بلوغ البلد مرحلة الانهيار، تستمر السلطة بسلوك المسار المدمّر نفسه، واعتماد السياسة الترقيعية نفسها، خصوصاً في ملف الكهرباء، مع عنصر جديد دخل المعادلة، هو أن الخيار بات بين العتمة الشاملة أو تموّل الكهرباء من ما تبقى من أموال المودعين. المودعون الذين يُمنعون من الإستحصال على أموالهم لأي سبب كان، يشهدون اليوم على إقرار مجلس النواب تسليف الكهرباء 200 مليون دولار من أموالهم، لتأمين خدمة استهلاكية ينتهي مفعولها بعد شهرين. وقد لا تقتصر حاجة الكهرباء على الـ200 مليون دولار الأخيرة. فالسلفة ستجر أخرى كما جرت العادة منذ سنين. ما يعرّض الاحتياطات المتبقية لدى مصرف لبنان، والتي هي من أموال المودعين، لخطر النفاد.

وبصرف النظر عن سوء الاختيار بين العتمة والسلفة من أموال المودعين، في قطاع راكم أكثر من 40 مليار دولار عجزاً على الدولة، وما زال يُدار بعقلية التشبيح والترقيع نفسها، لا بد من طرح تساؤلات حول مدى قانونية إقرار مجلس النواب تلك السلفة، ومدى إمكان التصدي بالقانون لإمعان السلطة في هدر أموال المودعين على تمويل القطاع العام بكافة مؤسساته.


b>

مخالفات القانون والدستور

في حالة ملف الكهرباء تحديداً، هناك مخالفة واضحة للمادة 20 من قانون المحاسبة العمومية. فهذه المادة تمنع إعطاء سلفة في حال عدم تثبّت وزارة المالية من أنّ الجهة المستلِفة، قادرة على سداد السلفة. وواقع مؤسسة الكهرباء يؤكد استحالة سدادها لأي سلفة. هذه المخالفة ارتكبها مجلس النواب بشكل صريح، بالإضافة إلى مخالفات قانونية عديدة تشوب عملية إقراض عموم القطاع العام من قبل مصرف لبنان.

كما أن المادة 90 من قانون النقد التسليف تمنع على مصرف لبنان إقراض القطاع العام. أما الإستثناء الضيّق الملحوظ في المادة 91 وما يليها، فهو السماح بالإقراض ضمن آلية وشروط صارمة. من هنا، تجزم نقابة المحامين في بيان لها صدر اليوم الخميس في مسألة تمويل القطاع العام من أموال المودعين، أن كل ما حصل في الأعوام الماضية من إقراض مفرط للقطاع العام من قبل مصرف لبنان، وبمشاركة المصارف، يشكّل مخالفة جسيمة للقانون ولأحكام الدستور.

وتوضح نقابة المحامين أن أموال المودعين الموجودة في المصارف، وبالتالي لدى مصرف لبنان، هي ملكهم. والملكية الخاصة مصانة بموجب المادة 15 من الدستور، وليس لمصرف لبنان أن يستعملها على هواه.

ولوضع حد للتمادي على أموال المودعين خلافاً للقوانين، توجّهت نقابة المحامين بكتب إلى كل من مصرف لبنان وجمعية المصارف. ذكّرت الأول بوجوب تطبيق أحكام المادة 90 وما يليها من قانون النقد والتسليف. وطالبت الثاني باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والقضائية مع المصارف ولدى المصارف المراسلة، لمنع مصرف لبنان من التصرّف بما تبقى لديه من أموال المودعين.


b>

معركة قانونية لحماية أموال المودعين

والأهم من ذلك هو توجّه نقابة المحامين إلى الطلب من المدقّق الجنائي Alvarez & Marsal التدقيق في كيفية تطبيق مصرف لبنان للمادة 90، وما يليها من قانون النقد والتسليف، خلال العقود الماضية، لتبيان مسؤوليات كافة أجهزته، بدءاً من الحاكم ونوابه إلى المجلس المركزي ومفوّض الحكومة وممثلي وزارة المالية ووزارة الاقتصاد، وكل معني شارك أو سكت عن المخالفات والإرتكابات. والسؤال هل فتحت نقابة المحامين معركة قانونية لحماية أموال المودعين؟ وهل من أسلحة قانونية في الخارج قد تلجم التطاول على ما تبقى من ودائع؟

تعهّدت نقابة المحامين، منذ بداية الأزمة، بأن تكون "نبراس الدفاع الأول عن أموال المودعين"، حسب أحد المحامين المقرّبين من النقيب ملحم خلف. فبادرت إلى مواجهة السلطات النقدية والمصرفية من خلال بياناتها التحذيرية، والتصعيد لاحقاً من خلال رفع دعاوى أمام قضاء العجلة، لتحرير أموال مودعين. وهذا الأمر يأتي في إطار سياسة النقيب لحماية المودعين. وهناك أكثر من مبادرة قامت بها النقابة لتحصيل حقوق المواطنين، من شأنها أن تحرز تقدماً. لكن مع الأسف هناك انفصال بين السلطة السياسية والواقع. الأمر الذي عقّد الأمور أكثر.

النقابة تخوض معركة قانونية لتحصيل حقوق المواطنين وحماية أموال المودعين، ومن غير المقبول الاستمرار بتمويل القطاع العام من أموال المودعين. فتشغيل المرافق العامة من مسؤؤولية الدولة وليس المودعين، يقول المحامي في حديثه إلى "المدن". وفي حال التوصل إلى حائط مسدود أمام القضاء اللبناني على غرار ما حصل بقضية انفجار مرفأ بيروت، هناك احتمال كبير للتوجّه إلى القضاء الدولي، ولا شيء يمنع مقاضاة المسؤولين عن هدر أموال المودعين أمام المراجع الدولية.

تعليقات: