باسيل يستغل السعودية ضد الحريري: هل يزور فرنسا؟


لا يزال رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، يلعب على وتر مواقف المملكة العربية السعودية، لتوظيفها ضد الرئيس المكلف سعد الحريري. يحاول باسيل، ومن خلفه رئيس الجمهورية ميشال عون، إظهار نفسيهما أنهما على توافق مع السعودية بخلاف وضع الحريري. وهي صورة مصطنعة، يسعى الرجلان إلى اختلاقها منذ ما قبل اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف والذي كان فاشلاً.


الاصطياد بالكلام السعودي

من دعوة السفير السعودي لزيارة بعبدا، إلى تلفيق أخبار كثيرة حولها، نَبَذَها السفير وليد البخاري ورفض السياق الذي وضعت فيه. وصولاً إلى تعليق باسيل على موقف لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، معتبراً أن المملكة: "لا تدعم أشخاصاً في لبنان بل تدعم البلد ككل، بشرط تنفيذ إصلاحات تلتزم بالشروط الدولية".

وقال الوزير السعودي: "لا تشعر الرياض أنه من المناسب الاستمرار في دعم الوضع الحالي الذي قدم لاعباً غير حكومي، أي "حزب الله"، الذي يتمتع بحكم الأمر الواقع وحق الفيتو على كل ما يجري في البلد، ويسيطر على بنيته التحتية الرئيسة". ورداً على سؤال عما إذا كانت السعودية مستعدة لدعم رئيس الوزراء اللبناني المكلف، سعد الحريري، شدد بن فرحان على أن "الرياض مستعدة لدعم أي شخص في لبنان يتمكن من تبني أجندة إصلاحية".

سارع باسيل للإصطياد بهذا الموقف، محاولاً توظيفه في مواجهة الحريري، فغرّد قائلاً: "موقف متقدم لوزير الخارجية السعودية يؤكد وقوف المملكة إلى جانب لبنان، لا إلى جانب طرف فيه، ورغبتها، كما فرنسا، بدعم برنامج إصلاحي يلتزم به المسؤولون اللبنانيون". وسأل باسيل: "هل يلتزم رئيس الحكومة المكلف والحكومة بالتدقيق الجنائي وبقانون الكابيتال كونترول، وبوقف سياسة الدعم الهادرة للأموال؟" وأضاف: "وهل يلتزم بتصفير العجز في الكهرباء وفي الموازنة ووقف الهدر وبسياسة نقدية جديدة تخفض الفوائد، وبكامل الإصلاحات البنيوية التي يناضل الإصلاحيون من أجلها منذ سنوات؟ هذا هو الالتزام المنتظر منا ومن اللبنانيين ومن المجتمع الدولي، فهل من يلبّي؟"


لائحة كاملة

لم يأخذ باسيل من الموقف السعودي إلا ما يعنيه في استهداف الحريري، فيما تجاهل كل ما وُجه إليه سعودياً وعربياً ودولياً، منذ أن كان وزيراً للخارجية، وحتى قبلها، بكثرة خلافاته مع مسؤولين في دول متعددة أيام كان فيها وزيراً للطاقة، ورفض الكثير من المشاريع التنموية العربية لبناء معامل الكهرباء. وحينها وقف متباهياً أمام مسؤولين في صناديق عربية، وتحديداً الصندوق الكويتي للتنمية، معلناً أنه ليس بحاجة لأي دعم. علماً أن الصندوق الكويتي في تلك الفترة، أي في العام 2011، أبدى الاستعداد لتمويل بناء معامل كهرباء تكفي كل حاجة لبنان بفائدة 1 بالمئة. لكن باسيل رفض.

كذلك تجاهل رئيس التيار الوطني الحرّ موقف الوزير السعودي إزاء كل الطبقة السياسية، إذ لم يحصر كلامه بالحريري، إنما كان رداً على سؤال محدد. كما تجاهل باسيل موقف الوزير السعودي من حزب الله الذي يتحكم بالأمر الواقع ويسيطر على البنى التحتية. وهذا الأمر سعودياً حصل بفعل تنازلات الحلفاء، وأيضاً بفعل تواطؤ الخصوم وتآمرهم، وعلى رأسهم باسيل. وهناك من يعدّ لائحة كاملة لمواقفه منذ رفض إدانة الاعتداء على القنصلية السعودية في إيران، وصولاً إلى رفض إدانة الاعتداء على آرامكو، مقابل الإسراع بإدانة اغتيال قاسم سليماني، وما بينهما من مواقف يضعها العرب كلهم في خانة تسليم لبنان لحزب الله من قبل باسيل، لتحقيق أهداف سياسية.


العرقلة والطريق إلى باريس

بكل الأحوال، كان موقف باسيل واضح المعالم والمرامي، في محاولة لممارسة المزيد من الضغوط على الحريري. إنها سياسة على طريقة الأطفال الذين يحاولون إغاظة بعضهم البعض. لا يمكن فصل موقف رئيس التيار الوطني الحرّ عن موقف رئيس الجمهورية، الذي انتقد أسفار الحريري، سواء في الفيديو المسرّب أو حتى في زيارته لتهنئة البطريرك بشارة الراعي بعيد الفصح. إذ غمز من قناة سفر الحريري، عندما سئل عن موعد الخروج من النفق قال: "عندما يعود الرئيس المكلف". انطوى الكلام على استهزاء بمغادرة الحريري إلى الخارج، وأرفق عون كلمته بأن العُقد لا تزال تتوالد، في إشارة إلى خفوت كل الأجواء الإيجابية التي سرت في الأيام الماضية.

هكذا، لا يوحي كلام باسيل ولا كلام رئيس الجمهورية بالاستعداد للتسهيل حتى الآن. وحتى لو عملا على التسهيل بفعل الظروف الضاغطة، فإن ذلك لن يكون عن قناعة. وهذا سياق واضح منذ أن حاول عون البحث عن رئيس آخر يرضى عنه الخارج، وخصوصاً العرب، غير الحريري.

أُحرج باسيل في مبادرة الـ24 وزيراً. تعاطى معها بارتياب. وحسب ما تؤكد المصادر، فإنه عندما فوتح بالأمر من قبل حزب الله، طرح أسئلة كثيرة وتفصيلية حولها، وحول كيفية اختيار الوزراء. لم يعط جواباً نهائياً. وعون لا يزال مصراً على عقد لقاء بين باسيل والحريري للاتفاق. ما يعني أن هناك الكثير من التفاصيل لا تزال بحاجة إلى البحث. بينما لا يزال رئيس التيار الوطني الحرّ يحاول عرقلة مسار الحريري، وما يسعى إلى افتعاله مع السعودية، سعى دوماً ولا يزال لافتعاله مع فرنسا.

فهو يحاول منذ أكثر من شهرين ترتيب مواعيد له مع المسؤولين الفرنسيين. وتعززت مساعيه بعد زيارة الحريري إلى باريس ولقائه مع الرئيس إيمانويل ماكرون، ووزير الخارجية جان إيف لودريان. بعد اللقاء حمّل الفرنسيون بشكل مباشر رئيس الجمهورية وباسيل مسؤولية التعطيل. وحينها زارت السفيرة الفرنسية باسيل في منزله، وكانت واضحة معه. مع ذلك، استمر باسيل في مساعيه لترتيب مواعيد في باريس. سرت معلومات عن أنه يستعد لإجراء الزيارة. ولكن لا تأكيد حتى الآن حول موعد حصولها. وهي حتماً تنطوي على احتمالين: إما أن تكون هادفة لحفظ ماء الرجل بحال سارت التطورات الدولية والإقليمية في سبيل ولادة حكومة من دون شروطه، فيسهل ولادتها، ويكون قد سلّف الفرنسيين موقفاً، لا سيما بعد التهديد بفرض عقوبات أوروبية. وإما الاحتمال الثاني، أنه يستمر في محاولات شرح وجهة نظره وتحميل الحريري مسؤولية التعطيل، كما حاول أن يفعل باستغلاله الموقف السعودي. وهي ذهنية حتماً لن تؤدي إلى ولادة الحكومة.



القاهرة تتحرك تفادياً لـ"جهنم".. وفرنسا لجمع الحريري بباسيل

تدخل المبادرة الفرنسية لحظة مصيرية. يريد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حكومة بأي ثمن. لم يترك جهداً لم يبذله في سبيل ذلك. كل الدروب قادت إلى نقطة واحدة: جبران باسيل هو الذي يعرقل تشكيل الحكومة.

أرسلت باريس في اليومين الماضيين، عبر المستشار باتريك دوريل، وعبر قنوات أخرى، رسائل تأنيب شديدة اللهجة، تتضمن تحميلاً للمسؤولية في عرقلة المبادرة الفرنسية، وإعاقة مسار تشكيل الحكومة. أقسى الرسائل وُجهت إلى باسيل، مع التركيز على تحميله المسؤولية. وشملت الاتصالات الفرنسية كل القوى السياسية. الهدف نقطة واحدة، وهي تشكيل حكومة. وعلى ما قال أحد المسؤولين في الفرنسيين في اتصالاته: "لا خيار إلا مبادرة وليد جنبلاط، إنها الأفضل للجميع". يعلم الفرنسيون أن مبادرة جنبلاط أحرجت كثيرين، وأغضب القريبين والبعيدين لأنها سحبت منهم ذرائع التعطيل أو تمييع الوقت.


باسيل العقبة

لا يرى الفرنسيون أي سبب لعدم تشكيل الحكومة. حتى مسار التفاوض بين إيران والولايات المتحدة -عبر الأوروبيين- ها هو وقد انطلق. وبالتالي، لا داعي لترك لبنان أسير تلك المعادلة. علماً ان المبادرة الفرنسية في صلبها كانت تسعى إلى إخراج لبنان من سياق لعبة المحاور. ويتعاطى الفرنسيون مع كلام أمين عام حزب الله الأخير بأنه يسهّل طريق الحكومة، خصوصاً أنه تراجع عن تصعيده. ويربطون ذلك بما يتحقق على صعيد التفاوض الأميركي الإيراني. وبالتالي لا مبرر لاستمرار التعطيل. يراهون على موقف من الحزب تجاه باسيل لتقديم التنازل.

جبران باسيل هو الذي يعرقل، هو الذي يقف عقبة، ويريد إعادة تعويم نفسه. هذا الكلام يردده المسؤولون الفرنسيون، ويبحثون عن صيغة لحلّ تلك العقبة. سابقاً اقترح المسؤول الفرنسي، باتريك دوريل، عقد لقاء بين رئيس التيار الوطني الحرّ ورئيس الحكومة المكلف. رفض الحريري، لأن ذلك سيؤدي إلى تعويم باسيل وإظهاره بأنه مشارك في صناعة الحكومة، وأنه صاحب القرار، بما يعيد إحياء معادلة سعد مقابل جبران. اليوم يستعيد الفرنسيون مسعاهم، ولكن ثمة من قال لهم: "إنكم تسعون إلى تشكيل حكومة، ولكن المهم أن تعلموا أي حكومة تشكّلون. والأهم، أن لا تكون حكومة يتم من خلالها إعادة تعويم باسيل سياسياً".


الطمع بـ"الداخلية"

في خضم هذه المداولات، استمر باسيل في مساعيه لزيارة باريس وعقد لقاءات فيها. طُرحت فكرة اللقاء مع الحريري، ولم تتبلور نهائياً. وهناك من اقترح أن يجري اللقاء بعد تشكيل الحكومة. ولا همّ إذا عُقد في بيروت أو في باريس. من بين الصيغ المطروحة، إقناع باسيل بصيغة الـ24 وزيراً، لا ثلث معطل فيها. أما مسألة توزيع الوزارات والحقائب والأسماء فهناك قدرة على حلّها، بحال توفرت النوايا للتشكيل. وهذا أمر أيضاً بُحث مع مدير عام الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم خلال زيارته إلى باريس ولقائه مع باتريك دوريل. وعندما سأله دوريل عن ما لديه، قال إبراهيم أيضاً: "لا مبادرة سوى مبادرة جنبلاط". ما يحاول البعض العمل عليه، هو دفع باسيل للتنازل عن شروطه التعطيلية، بينما هو يسعى للحصول على وزارة الداخلية كرد اعتبار، خصوصاً أن وزارة الداخلية ستكون ذات أهمية استثنائية، بما أنها هي التي ستحضّر للانتخابات النيابية المقبلة.


التحرك المصري

في موازاة هذه الحركة، يستمر التحرك المصري تجاه لبنان. مصر حريصة على تشكيل حكومة تحفظ الاستقرار، تحدّ من الانهيار، تنجز الإصلاحات، ولا يكون فيها ثلث معطل، ويرضى عنها المجتمع الدولي وتلتزم بشروطه. في هذا السياق تأتي زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى بيروت يوم الأربعاء، حيث سيلتقي المسؤولين بحثاً عن صيغة لتشكيل الحكومة. فمعروف أن مصر كانت متمسكة إلى أقصى الحدود بصيغة 18 وزيراً، وبلا ثلث معطّل. ولكن بما أن الحديث عن حكومة من 24 وزيراً أصبح مدار توافق، فإن شكري سيبحث مع المسؤولين سبل تحصين هذه التشكيلة الحكومية، من أي اختراقات سياسية أو اختلالات في موازينها، على أن تبقى اختصاصية، ولا تحتوي على الثلث المعطل.

إنها مرحلة مفصلية. تسعى باريس بكل قوتها لإحياء تشكيل الحكومة. وإذا فشلت المساعي هذه المرّة، يعني أن جهنم ستكون أقرب من أي وقت مضى. والكرة في ملعب رئيس الجمهورية وباسيل.


لحظة ضياع

ولذا، استمر الدفع الفرنسي في سياق عقد لقاء بين الحريري وباسيل. لكن الأول بقي على رفضه، فيما خرجت فكرة من مكان ما حول دعوة فرنسا لمختلف الشخصيات اللبنانية إلى باريس، أي الحريري وبري وجنبلاط وباسيل، وربما جعجع، بشكل يكون اللقاء غير ثنائي. هي فكرة لم يستسغها كثر. لكن من الواضح أن هناك ضياعاً فرنسياً في آلية التعاطي. وهذا أمر يعرفه المصريون أيضاً منذ أن كانوا أول من يؤيد المبادرة الفرنسية. ضياع ينعكس في خطوات متعددة لم تقد إلى غير الفشل.

في هذا السياق، تسرّب خبر من مكان ما عن دخول الفاتيكان على الخط. إلا أن المعلومات تؤكد بأن القوى الدولية كلها تترك المجال لفرنسا، من دون حسم مسألة زيارة الحريري إلى الفاتيكان. الصورة متضاربة ومتناقضة. هناك من يعتبر أن ثمة فرصة حقيقية لتشكيل حكومة بسبب الظروف، بينما آخرون يعتبرون أن كل هذه الحركة لن تؤدي إلى أي نتيجة. والحريري ليس في وارد التراجع أو التنازل، فيما الموقف السعودي واضح ولا يمنحه الغطاء.

الجميع في موقف حرج. والحرج إما يؤدي إلى حلول عن غير قناعة، أو يؤدي إلى تشدد. في الحالتين، الصورة ستبقى معقدة حتى لو تشكلت الحكومة في لحظة ما.

إذا فشلت مساعي تشكيل الحكومة هذه المرّة، يعني أن جهنم ستكون أقرب (علي علّوش)
إذا فشلت مساعي تشكيل الحكومة هذه المرّة، يعني أن جهنم ستكون أقرب (علي علّوش)


تعليقات: