استعباد العاملات والعاملين السوريين في الفرزل

شروط البلدية أشبه بوضع اللاجئين السوريين في معتقلات عمل
شروط البلدية أشبه بوضع اللاجئين السوريين في معتقلات عمل


أثار قرار أصدرته بلدية الفرزل في البقاع، بحجة "تنظيم العمالة السورية في البلدة"، موجة استنكارات عارمة، في صفوف الناشطين بحقوق الإنسان والمرأة.

فالقرار الذي نشرته البلدية عبر صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، يميز أجر العامل السوري عن العاملة فيحدده بـ15 ألفاً للعاملة، و25 ألفاً للعامل. كما يمنع التجول بالسيارات والدراجات النارية لكل السوريين إبتداءً من الساعة الثامنة مساء، ويفرض على المقيم السوري في البلدة أن يكون عاملاً فيها حصراً، وملتزماً بالأجر المحدد من قبل البلدية، تحت طائلة إلزامه بالمغادرة، إذا لم يلتزم بالأجر وشرط العمل في الفرزل حصراً.


ورق العنب

ومع أن رئيس البلدية يؤكد بأنها ليست المرة الأولى التي تتخذ البلدية مثل هذه القرارات لتنظيم العمالة السورية فيها، فإن شروطها بدت وكأنها تضع العامل السوري وعائلته في حالة "اعتقال" مقابل الحق بالعمل والسكن. الأمر الذي لم تتنبه له البلدية التي صاغت البيان، إلا بعدما انهالت عليها الاتصالات المستنكرة والشاجبة من قبل المنظمات والناشطين الذين يعنون بحقوق الإنسان، وخصوصاً المرأة. وشن بعضهم عليها حملة واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

إلا أن رئيس البلدية، ملحم الغصان، أصر في اتصال مع "المدن"، على وضع هذه القرارات في إطار مسؤوليته عن أمن بلدته، وذلك وفقاً لما قال بعد تكرار المشاكل وحوادث السرقة ليلاً في البلدة، وخصوصاً سرقة "ورق العنب"، الذي يباع في الأسواق خلال هذه الفترة من السنة، بالإضافة الى إفتعال أشكال أخرى من المشاكل.

في الظاهر، أمّن رئيس البلدية التفاف أبناء بلدته حول البلدية والتصفيق لها، بعدما ظهر كحامٍ للممتلكات وأصحابها من المزاحمة الخارجية على اليد العاملة السورية التي تناقصت كثيراً في البلدة، كما يؤكد العمال السوريون أنفسهم، على نحو باتت الحاجة للعمال تفوق الأعداد المتوفرة منهم.


السكن والعمل

إلا أن رئيس البلدية الذي يضع تحديد الأجر في إطار إنصاف العامل السوري، بعد ارتفاع كلفة المعيشة عموماً في لبنان، هو نفسه ذكر بأن هذا الأجر يرتفع إلى 40 ألف ليرة في قرى وبلدات مجاورة. وبالتالي، جاء القرار الثاني المتخذ بربط سكن العامل السوري بالبلدة بإلزامية عمله بداخلها، ليمنع تسرب هذه العمالة إلى خارجها بحثاً عن أجر أفضل. وهذا ما يضع العامل السوري أمام خيارين، إما أن يتخلى عن سكنه المؤمن في الفرزل، وإما أن يتخلى عن أجره الأعلى. وبين الخيارين تظهر زيارة ميدانية للعمال المقيمين في الفرزل أنهم يختارون السكن، أولاً لكون إمكانية انتقاله ليست ميسرة أمام العاملين السوريين، ومعظم البلدات باتت تحظر زيادة أعداد المخيمات فيها. هذا بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية التي باتت تمنع تنقل السوريين بمخيماتهم. وثانياً، لكون السكن مؤمن بالكلفة الأدنى الممكنة في الفرزل، وإن كان ليس مجانياً تماماً كما ادعى رئيس البلدية.

ففي جولة ميدانية على مخيمات السوريين بالأراضي الزراعية، تتفاوت إجابات سكانها بين من يقولون أنهم يدفعون أجرة الخيمة التي يقطنونها مقابل أجر أعلى في الأراضي الزراعية التي يعملون بها، وبين من يقولون إن سكنهم مجاني مقابل الالتزام بالعمل في الأراضي الزراعية العائدة لمالك الأرض التي يقيمون عليها. إلا أن معظمهم كما أكدوا يسددون ثمن الكهرباء التي يستهلكونها، وبعضهم يشتري المياه، وبعضهم يكتفي بما يتوفر من خلال مفوضية اللاجئين، التي قننت توزيع المياه بدورها، ما يكبدهم أعباءً إضافية. ومع أن رئيس البلدية يقول بأنها تقوم بنقل النفايات التي ينتجها السوريون القاطنون بأراضي البلدة الزراعية يومياً، وتؤمن معالجة الصرف الصحي، يشير هؤلاء بدورهم الى أنهم يحرقون النفايات حتى لا يغرقوا بها، فيما مفوضية اللاجئين لا تؤمن تنظيف جورهم الصحية إلا بالحد الأدنى المطلوب.


تبريرات رئيس البلدية

ويقول رئيس البلدية الذي لا يخفي أنه منع إقامة أي مخيم للنازحين السوريين في البلدة منذ بداية الأزمة في سوريا، أن البلدية لا تلزم أحداً بالعمل في أراضيها، وأن ذلك يتم بالتراضي بين مالك الأرض والعامل السوري وعائلته. وإذا كانت شروطه غير مرضية للعامل، فله كل الحرية بالمغادرة. قد يبدو القول عادلاً لولا أننا نتحدث هنا عن فئة مستضعفة، لا تملك حتى حق الاعتراض على الأجر الذي تتقاضاه، أو على عدم التزام أصحاب الأراضي بالقرارات الصادرة عن البلدية نفسها. وهذا ما أظهرته أيضاً الجولة الميدانية على عدد من العاملين السوريين في البلدة، حيث تبين أن عدداً كبيراً منهم لم يكن حتى قبل صدور قرار البلدية يتقاضى الأجر المحدد للسيدات وللرجال. وإذا كان البعض قد وجد الأجر عادلاً في بعض نواحيه، فهو ليس مقتنعاً بأن صاحب الأرض التي يقطن عليها سيلتزم به. مع توجههم لقبول أي أجر يدفع لهم، كونهم يتخوفون في حال الاعتراض من خسارة سكنهم. هذا مع الإشارة إلى ما كشفته الجولة عن كون بعض أصحاب الأراضي يتقاضون أجرة الكهرباء، وأحياناً الخيمة، مباشرة في بداية كل شهر أو نهايته، ولكنهم لا يسددون أتعاب قاطنيها في أراضيهم الزراعية سوى في نهاية الفصل، وحينها يقول هؤلاء "تكون قد تراكمت عليهم الديون من المحلات، فتذهب كل الأجور لتسديدها".

أمام هذا الواقع، يصبح تمييز قرار البلدية بين أجر السيدات وأجر الرجال الأقل "فظاعة" في البيان، خصوصاً إذا ما سلمنا بتبريرات رئيس البلدية التي تحدد الأجر قياساً إلى حجم الجهد الجسدي الذي تتطلبه المهمات الزراعية المحددة للسيدات وتلك التي يتحملها الرجل.


الآدمي والأزعر

قد يقول البعض أن العامل السوري يتقاضى راتباً شهرياً من مفوضية اللاجئين. وهذا صحيح، ولكن ذلك لا يجب أن يغفل حقيقة أخرى، وهي أن العمالة السورية، وخصوصاً في الأراضي الزراعية ليست حسنة تقدم للسوريين، إنما جاءت نتيجة الحاجة إلى هذه العمالة، التي يعلم الجميع أنه لولاها لتلفت المواسم الزراعية في الأراضي، وبالتالي ليس من العدل أن يحسد هؤلاء على تعبهم.

في المقابل أيضاً، كشف قرار بلدية الفرزل عن نموذج من سلوك متكرر يمارس على نطاق أضيق في معظم مخيمات النازحين السوريين بباقي قرى البقاع، حيث يساق النازحون وفقاً لإرادة الشاويش، المتحكم بأجور العمال، كما بمواقيت دخولهم وخروجهم من المخيمات، وبحريتهم الشخصية، مقابل نعمة السكن التي يوفرها لهم.

وعليه، فإن هذا القرار لبلدية الفرزل أظهّر نزعة إلى ممارسة العبودية، لا تختزل في بلدة واحدة أو عند طرف واحد، وإنما هي سلوك يمارس بحق "الفئات المستضعفة" فيجردها من أدنى حقوقها الإنسانية. وهو سلوك تشجعه نزعة المجتمع لتصديق مبررات مثل هذه القرارات، كما استعداد بعض هذه المجتمعات لإلصاق التهم بالسوريين، سواء بالسرقة والتشليح أو إفتعال المشاكل، والتخطيط لعمليات أمنية، حتى لو كانت هذه الصفات غير محصورة بالنازحين وحدهم.

بالنسبة لرئيس البلدية "السوري الآدمي أهلاً وسهلاً به، ولكن الأزعر لا نريده بيننا"، ولكن ما هي معايير التمييز بين الآدمي والأزعر، وهل تنطبق هذه المعايير على رب العمل كما العامل؟ الواضح أن كلمة "الآدمي" تعني الخانع المستعبَد وحسب.

تعليقات: