تفـاؤل حـذر فـي شبعـا يرافـق تحريـك وضـع المـزارع

مزارع شبعا كما تبدو من الحدود
مزارع شبعا كما تبدو من الحدود


ذكريات ووثائق وإصرار على عودة الأملاك إلى أصحابها..

شبعا :

يقف العشرات من مالكي الأراضي في مزارع شبعا المحتلة عند ضفاف بركة النقار، يشيرون بأصابعهم المشدودة الى أراضيهم خلف السياج الشائك، الذي لا يزال يحول دونهم وأملاكهم المحتلة منذ عام .1967

«على الرغم مما يتردد بقوة وما نسمع» يقول قاسم قعدان، «على ألسنة كبار القادة الدوليين، عن تحريك الوضع في هذه المنطقة، لجهة التوصل الى حل يرضي مختلف الجهات المعنية، مسحة الأمل هذه تبقى حذرة حتى إشعار آخر».

قعدان وهو في السبعين من عمره، يؤكد أنه يملك عشرين دونما مشجرة بالزيتون في مزرعة جورة جرادي. ويضيف: هذا صك الملكية باسمي يعود تاريخه الى حزيران من عام ,1953 فكيف يمكن أن تكون أرضي غير لبنانية، وجميعنا في المزارع ندفع الضرائب عنها في مالية مرجعيون.

«الجميع في شبعا كما كفرشوبا، يرقب التطورات السياسية والتصريحات المتعاقبة والمكثفة حول المزارع، وكأنها باتت القضية الأم في المنطقة». كيف لا، تقول المواطنة نجوان الخطيب «فمن المزارع انطلقت شرارة الحرب الأولى على العرقوب ومن ثم على لبنان، وعبرها يمكن أن تتوقف عدوانية إسرائيل، لتبدأ مرحلة جديدة». تضيف نجوان: «نحن لا نفهم خلفيات التصريحات السياسية كثيرا، وما يهمنا فعلا صدقيتها لجهة إعادة أرضنا التي حرمنا منها على مدى حوالى 40 عاما».

باتت المزارع الشغل الشاغل في شبعا هذه الأيام، حلم العودة إليها هو هم الجميع وهدفهم الأول، وكل شبر فيها دخل الذاكرة من دون استئذان، ليوقظ أيام عز مضت لعلها تتجدد.

يستذكر حسين خليل نبعة (80 عاما) بستان الزيتون العائد له في مزرعة مراح البراق ليقول: كان موسم الزيتون يعطينا 150 مدا، ولو بقي الى هذه الأيام لكان المحصول فاق الألف مد بالتأكيد.

يتحسر نبعة على تلك البساتين المثمرة: كانت تحوي كل ما لذ وطاب يا عمي، فهناك إضافة الى الزيتون، الكرمة، الصبير، التفاح، الخوخ وحقول القمح والبطاطا والبصل، والبطيخ والشمام وكل ثمار الفاكهة والخضار الصيفية والشتوية. وهي بالطبع خالية من المقويات الكيماوية المضرة والقاتلة التي تدخل أجسامنا في هذه الفترة.

ويتمنى محمد حمودي (65 عاما) أن يكون ما يحكى اليوم مقدمة حقيقية لتحرير المزارع. ويضيف: لقد ضج «الشارع الشبعاني» فعلا بما تتناقله وسائل الإعلام حول هذا الموضوع، فبات حديث الساعة، وكانت عودة الى ذكريات حلوة في أحضان المزارع.

«كرّت» أمس سبحة الروايات والتمنيات خلال عصرونية في ساحة البلدة للعديد من الأهالي. أبو محمد علي هاشم (83عاما) يقول: همي تقبيل تراب المزارع قبل موتي. فيما تتمنى أم علي الزغبي أن تزور مقام مشهد الطير لتنحر الخراف احتفاء بمولود بكر لولدها هاشم. وترصد سلمى القادري لحظة عودتها الى مزرعة برختا لترتوي من مياه نبع المنابيع المثلجة. وكل ما يبغيه الراعي أسعد حمدان أن يصل الى بركة مرج المن ليلتقي هناك رعاة بانياس ومجدل شمس السوريتين، لإحياء الاتفاق الذي وقعه مخاتير لبنانيون وسوريون مطلع الخمسينيات، الذي قسم البركة الى قسمين متساويين جنوبي سوري وشمالي لبناني، مما سمح لكل المواشي لبنانية كانت أو سورية بالارتواء من مياهها.

ويروي الثمانيني أبو قاسم هاشم الزغبي «حكاية وصول عسكر سوري الى المزارع في أواخر الخمسينيات» ليقول: في تلك الفترة كثرت أعمال التهريب وانتشر قطاع الطرق، وسجلت حوادث مخلة بالأمن في هذا القطاع، طلب الرئيس كميل شمعون من سوريا المساعدة في ضبط الوضع، لأن لبنان غير قادر بمفرده على ذلك، لبعد المنطقة ووعورة مسالكها، فكان أن أرسلت سوريا عددا من الجنود المزودين بأسلحة خفيفة تعمل طلقة طلقة، وقد استأجرت هذه العناصر مكانا لإقامتها في مزرعة زبدين تعود ملكيته لآل حمدان من شبعا. ومع انطلاق العمل الفدائي في عام 1969 سجلت عمليات عسكرية إسرائيلية تخللتها اعتداءات على المزارع وسكانها، ووقعت أضرار وإصابات بشرية، أدت الى انسحاب العناصر السورية، إضافة الى العشرات من أصحاب المزارع، وكانت بداية تهجير كامل وتدمير وحرق المزارع.

بات تحرير المزارع وعودة أصحابها إليها كحكاية إبريق الزيت، يقول أبو محمود السعدي: «لقد مللنا هذه السمفونية حقا والخوف أن تكون مزارعنا هذه المرة أيضا في مهب الريح، الريح السياسية الهادفة الى الاستهلاك المحلي والخارجي، اليهود زعران يا ابني نفسهم طويل والعالم كله بخدمتهم، واذا لم يكن الانسحاب لمصلحتهم فهو لن يحصل أبدا». لكنه يستدرك بالقول: «بركي هذه المرة الأوضاع تغيرت وتبدلت، فعسى أن تثمر التصريحات خيرا ونعود الى أرض تغيرت معالمها وما تبدل حبنا لها».

«جنة لبنان مزارع شبعا، فيها كل الفصول، مناخها متنوع وارتفاعها عن سطح البحر يبدأ بـ400 متر ويصل الى 2400 متر»، يقول عمر هاشم. ويضيف: «لقد استغلت اسرائيل كفاية هذه الأرض وحولتها الى حقل تجارب، سرقت آثرها ومياهها، أحرقت أحراجها، دمرت منازلها وآبارها، زرعت أرضها بالمواقع العسكرية، استثمرت هضابها وجبالها وثلوجها. كان مثلا مركزا للتزلج في الهضاب الغربية لجبل الشيخ فوق أرض يملكها والد النائب قاسم هاشم، يقصده سنويا آلاف السياح المحليين والأجانب، وهو يدر على الدولة العبرية مبالغ مالية كبيرة».

ويشير رئيس بلدية شبعا عمر الزهيري الى «انه عمل على جمع الكثير من الوثائق التي تثبت لبنانية المزارع، إضافة الى اتفاقات ثنائية لبنانية ـ سورية عقدت بين سكان القرى اللبنانية والسورية المتجاورة، تحدد بوضوح الأملاك والحدود، ومنها ما هو عائد الى الحقبة التركية. وقد سلمنا نسخا عنها الى دولتنا التي سلمتها بدورها الى الجهات الدولية المعنية». مضيــفا «هذه الوثائق قيّمة ولا تقبل الشك، وفيها كل الدلائل الدامغة على لبنانية مزارعنا».

ويشدد الزهيري على ضرورة التوصل الى حل واضح وصريح يعيد المزارع الى أصحابها، لا أن يبقى هذا الموضوع محكوما ببنود لها تأويلات متعددة وغير محددة، غايتها منع الأهالي من الوصول الى أرضهم التي اشتاقوا اليها، فوضع المزارع في عهدة «اليونيفيل» كما يحكى، يجب أن يحدد بفترة زمنية قصيرة، يتبعها عودة للأهالي، على أن يترافق ذلك مع إرغام الدولة العبرية على دفع بدل الأضرار والتعويضات، الناتجة من احتلالهم لها والبالغة حوالى 10 مليارات دولار أميركي.

تعليقات: