اليوم الدولي لمكافحة المخدّرات: الحرب العالمية الفاشلة

زراعة الأفيون تنامت مؤخراً
زراعة الأفيون تنامت مؤخراً


زيادة مفاجئة في الإمدادات ودروب جديدة للتجارة والحكومات باتت أكثر فساداً..

قبل عشر سنوات، دقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ناقوس الخطر في مواجهة مشكلة المخدرات العالمية، وعقدت دورة استثنائية للجمعية العامة أخذت فيها على عاتقها التزاماً باتّباع خطة عمل قوية لخفض المعروض من المخدّرات والطلب عليها... فهل نجحت في ذلك؟

بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة تعاطي المخدرات والاتجار غير المشروع بها، المصادف في 26 حزيران، أصدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة تقريره السنوي، وفيه تحذير واضح من أن الكلام عن التقدم المحرز في هذا المجال، ليس دقيقاً، على الرغم من الإنجازات الكثيرة، بل إنه خلص إلى أن الإنجازات المحققة، على تواضعها، معرّضة بدورها للخطر، في ظل المؤشرات على ازدياد زراعة الكوكا والأفيون، وظهور طفرة حديثة جداً في إمدادات المخدرات، والتحوّل المنتظم الحاصل في دروب إنتاج وتجارة المخدرات، ولا سيما الكوكايين. وبسبب الطلب المطّرد على هذه المادّة في أوروبا وتحسّن عمليات المكافحة على طول الدروب التقليدية.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في رسالته في هذا اليوم الدولي، إن النجاح في التصدّي للمخدرات يتطلب «زيادة المساعدة الإنمائية للحد من الفقر، وذلك بمنح المزارعين بدائل مستدامة»، وهو بذلك يشير إلى التحدّي الأبرز لمواجهة مشكلة تزايد العرض عبر الزراعة، وبالتالي يشير إلى مصدر الفشل حتى الآن، إذ إن مكافحة زراعة المخدّرات لم تنتج، في ظل وجود قدرات هائلة لدى أباطرة هذا النوع من التجارة، إلا المزيد من الفقر بين فئات المزارعين.

■ ملخص التقرير

فيما يلي ملخّص عن تقرير مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة، الذي صدر عن الأمم المتحدة أمس:

يفيد التقرير العالمي عن المخدرات لعام 2008، أن الاستقرار الذي حدث مؤخراً في سوق المخدرات العالمية يتعرض للخطر. فالزيادة المفاجئة في زراعة الأفيون والكوكا وخطر الزيادة في تعاطي المخدرات في البلدان النامية يهددان بتعريض التقدم الذي أحرز مؤخراً في مكافحة المخدرات للخطر.

ويبيّن تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (المكتب) أن أقل من شخص واحد بين كل 20 شخصاً (تراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً) جربوا المخدرات مرة واحدة على الأقل خلال الأشهر الاثني عشر الماضية. أما متعاطو المخدرات ذوو الحالات المستعصية (الأشخاص الشديدو الارتهان للمخدرات) فيعادلون أقل من عُشْر هذه النسبة المئوية المنخفضة: 26 مليون شخص، أي حوالى 0.6 في المئة من سكان الكرة الأرضية البالغين.

وقال المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أنطونيو ماريا كوستا «لقد حققت مكافحة المخدرات إنجازات مثيرة للإعجاب في السنوات الأخيرة، ولا سيما مقارنة بالمؤثرات العقلية الأخرى... فالتبغ يقتل 5 ملايين شخص كل سنة، وتقتل الكحول زهاء 2.5 مليون شخص، والمخدرات غير المشروعة زهاء 000 200 شخص كل سنة في جميع أنحاء العالم». وأضاف كوستا «لقد حققت مكافحة المخدرات نتائج هامة: فالهيروين والكوكايين والمخدرات الاصطناعية، رغم أنها تدمر المتعاطي الفرد، لم يكن لها تأثير خطير على الصحة العامة كالتبغ والكحول». وحذّر من أنه، على الرغم من ذلك، «ينبغي أن نعمل على نحو استباقي أكبر في المستقبل. فالزيادات الكبيرة الأخيرة في إمدادات المخدرات من أفغانستان وكولومبيا يمكن أن تزيد إلى حد كبير معدلات الإدمان نتيجة لانخفاض الأسعار وازدياد نقاء الجرعات».

■ زيادة مفاجئة في الإمدادات

ويدق التقرير ناقوس الخطر حيال الطفرة الحديثة جداً في إمدادات المخدرات. فقد سجلت أفغانستان رقماً قياسياً في إنتاج الأفيون في عام 2007: ونتيجة لذلك، تضاعف تقريباً إنتاج الأفيون غير المشروع على نطاق العالم منذ عام 2005. وقد جرت معظم الزراعة (80 في المئة) في الولايات الجنوبية الخمس، حيث يستفيد متمردو طالبان من المخدرات. أما في بقية أنحاء البلاد، فتكاد زراعة الأفيون تصل إلى نهايتها أو تنخفض إلى مستويات دنيا. وقال كوستا «إن ازدياد الاستقرار والمساعدة الاقتصادية الأكبر يؤديان إلى التخلص من الأفيون في ولايات عديدة من أفغانستان. أما في المناطق الجنوبية التي يسيطر عليها طالبان، فيجب أن تسير مكافحة المخدرات جنباً إلى جنب مع مكافحة التمرد».

ويُشاهَد النموذج نفسه في كولومبيا حيث ازدادت زراعة الكوكا بمقدار الربع (27 في المئة) في عام 2007 رغم أنها بقيت أقل بنحو 40 في المئة عن الذروة التي بلغتها عام 2000. وقد كان إنتاج أوراق الكوكا والكوكايين مركّزاً جداً: عشر بلديات (5 في المئة من بلديات البلاد البالغ عددها 195) تستأثر بما يقرب من نصف الإنتاج الإجمالي للكوكايين (288 طناً مترياً) وثلث الزراعة (000 35 هكتاراً). ولاحظ كوستا أنه «في كولومبيا كما في أفغانستان، يُزرع معظم الكوكا في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون».

وعلى الرغم من هذه الزيادة الكبيرة في إنتاج الكوكا، بقي إنتاج الكوكايين في كولومبيا (المنتجة الأكبر في العالم) دون تغيير بسبب انخفاض المحاصيل الناتج من استغلال مناطق ثانوية في زراعة الكوكا ـــــ مناطق متفرّقة وأصغر مساحة في أماكن نائية. وقال كوستا «إن حكومة كولومبيا قامت في الأعوام القليلة الماضية بتدمير الأراضي المنتجة للكوكا على نطاق واسع عن طريق الإبادة الشاملة من الجو. وليس هناك من شك في أن الحملة كانت ناجحة ضد الجماعات المسلحة والمتاجرين بالمخدرات على السواء. وقد يصبح من الأسهل في المستقبل مكافحة زراعة الكوكا نتيجة تشتّت شمل القوات المسلحة الثورية الكولومبية».

■ استقرار أسواق القنّب والأمفيتامينات

تشهد سوق القنّب استقراراً، وحتى انخفاضاً ضئيلاً. ويقدّر أن إنتاج عُشبة القنّب أصبح أقل بنسبة 8 في المئة تقريباً عما كان عليه عام 2004 وأن إنتاج راتينج القنّب انخفض بنسبة تبلغ زهاء 20 في المئة بين عامي 2004 و2006. ومع ذلك، هناك اتجاهات مقلقة، إذ أصبحت أفغانستان منتجاً رئيسياً لراتينج القنّب، ربما إلى حد يفوق المغرب. وفي البلدان النامية، تنتج الزراعة داخل البيوت سلالات من عُشبة القنّب ذات مفعول أقوى. وقد تضاعف تقريباً متوسط مستوى المادة المؤثرة عقلياً الموجودة في المخدر (تتراهيدروكانابينول) في سوق الولايات المتحدة بين عامي 1999 و2006 إذ ازداد ذلك المستوى من 4.6 في المئة إلى 8.8 في المئة.

وقد استقر تعاطي المنشطات الأمفيتيامينية، مثل الميثامفيتامين وإكستاسي، على الصعيد العالمي منذ عام 2000. ومع ذلك، ما زال الإنتاج والاستهلاك يمثلان مشكلة رئيسية في شرق وجنوب شرق آسيا كما أخذت الأسواق في النمو في الشرقين الأدنى والأوسط.

دروب اتجار جديدة

يؤكد التقرير على أن تحولاً منتظماً حدث في دروب المخدرات الرئيسية، ولا سيما بالنسبة إلى الكوكايين. وبسبب الطلب المطّرد على الكوكايين في أوروبا وتحسّن عمليات المكافحة على طول الدروب التقليدية، استهدف المتاجرون بالمخدرات غرب أفريقيا. وتتعرّض صحة المنطقة وأمنها للخطر. وحذر كوستا من أن «الدول القائمة في منطقة الكاريبـي وأمريكا الوسطى وغرب أفريقيا، وكذلك المناطق الحدودية من المكسيك، تقع بين أكبر منتجي الكوكا في العالم (البلدان الآندية) وأكبر المستهلكين (أمريكا الشمالية وأوروبا). أما أموال المخدرات، فتُفسِد الحكومات، حتى إنها تحوَّل لتمويل الإرهاب، مما يجعل سيادة القانون الطريقة الفضلى لمكافحة تجارة المخدرات».

ويكشف التقرير النقاب عن الخوف ـــــ رغم أنه لم يظهر جلياً بعد ـــــ من نشوء أسواق للمخدرات في البلدان النامية. وقال كوستا «لا شك في أن الخطر على الدول الفقيرة قائم. ولا يمكن الحكومات الضعيفة أن تواجه الهجوم الذي يشنّه أمراء المخدرات الأقوياء أو يمثّله الإدمان على المخدرات. ويجب استباق الهجوم بالمساعدة التقنية والوقاية من المخدرات ومعالجتها بصورة أفضل والتعاون بصورة أكبر في مجال إنفاذ القانون».

■ حقوق الإنسان

ويشير كوستا إلى أن الموارد اللازمة للأمن العام تفوق كثيراً الموارد المخصّصة للصحة العامة، ودعا إلى التركيز بصورة أكبر على الصحة باعتبارها المبدأ الأول في مكافحة المخدرات. وقال «إن الارتهان للمخدرات مرض ينبغي منعه ومعالجته كأي مرض آخر». كما دعا كوستا أيضاً إلى الاحترام الكامل لحقوق الإنسان لدى مكافحة المخدرات. وأعرب عن تأييده لحقوق الإنسان لمدمني المخدرات وعن معارضته لعقوبة الإعدام في ما يتعلق بالجرائم ذات الصلة بالمخدرات. وقال «رغم أن المخدرات تَقتل، ينبغي ألا نَقتل بسبب المخدرات».

مجرد إشارة

النظام الدولي لمكافحة المخدرات

أنشئ النظام الدولي لمكافحة المخدرات منذ أكثر من قرن من الزمن، ابتداءً من إنشاء لجنة المخدرات عام 1909 في شنغهاي لمكافحة تجارة الأفيون. ويعود التقرير العالمي عن المخدرات لهذا العام بالنظر إلى 100 عام من سياسات المخدرات. وهو يبين أن الإنتاج العالمي للأفيون، مقارنة بـ100عام خلت، يقل بنحو 70 في المئة، حتى على الرغم من أن عدد سكان العالم تضاعف أربع مرات خلال الفترة نفسها. ويستعرض التقرير أيضاً اتجاهات المخدرات منذ أن قامت دورة الجمعية العامة الاستثنائية عام 1998 بحثّ البلدان على بذل المزيد من الجهد لمكافحة المخدرات. وقال كوستا «تبين إحصاءات المخدرات أن مشكلة المخدرات انخفضت انخفاضاً كبيراً خلال القرن الماضي وأصبحت مستقرة خلال الأعوام العشرة الماضية».

تعليقات: