قطاع الاتصالات في لبنان رافد أساسي للخزينة ومصدر خلاف السلطة

  أبراج اتصال خليوية
أبراج اتصال خليوية


خصخصة الخليوي مؤجّلة إلى ما بعد الحكومة الجديدة في انتظار التوافق السياسي

لطالما شكّل قطاع الاتصالات وتحديدا منذ مطلع التسعينات، وبعد عودة الاستقرار الى لبنان واطلاق ورشة الاعمار وتأهيل البنى التحتية، عامل اضطراب وتجاذب على مستوى السلطات السياسية التي لم تنظر الى هذا القطاع انطلاقا من اهميته في النشاط الاقتصادي وانما من موقعه كمصدر تمويل رئيسي للخزينة.

وقد دخل قطاع الاتصالات عمليا حلبة الصراع السياسي منذ اقرار رخصتي الهاتف الخليوي عام 1995 وحصرهما بشركتي تشغيل من القطاع الخاص، ليدخل هذا الملف في صلب التجاذب السياسي ولا سيما على مستوى رئاستي الجمهورية والحكومة حول جدوى الاستمرار بإبقاء هذا القطاع في يد القطاع الخاص والتوجه اكثر نحو خصخصته عبر فتح باب المنافسة وادخال شركاء جدد اليه وتوسيع قاعدة الشبكة لكسر حصرية الشركتين المشغلتين او اعادته الى كنف الدولة لادارته.

وبعدما نجح الكباش السياسي الذي قام بين رئيسي الجمهورية السابق اميل لحود والحكومة الراحل رفيق الحريري، لمصلحة رأي لحود القائل باستعادة القطاع، شهد قطاع الخليوي تراجعا كبيرا في خدماته بفعل غياب اي خطة تطوير بعدما اقتصر هم الدولة في هذا المجال على تحصيل الواردات من دون النظر الى مستقبل القطاع.

الموضوع "سيادي"!

ولم تغب الخلفيات السياسية عن هذه النظرة التي ضربت كل خطة التطوير التي طرحها وزير الاتصالات مروان حمادة والمرتكزة في الدرجة الاولى على ضرورة تحرير قطاع الخليوي وفتح الباب امام المنافسة عبر اطلاق مزايدة عالمية لبيع رخصتي الهاتف الخليوي بالتزامن مع اطلاق شركة "ليبان تلكوم" رخصة خليوي ثالثة من دون وضع اي قيود على اطلاق رخصة رابعة على قاعدة ان السوق الخليوية اللبنانية لا تزال صغيرة اذ لا تتعدى نسبة الاختراق فيها 30 في المئة للشركتين المشغلتين حاليا. وبالتالي فان السوق تعتبر واعدة جدا بالنسبة الى شركات جديدة راغبة في دخول السوق والاستثمار في هذا القطاع.

ولكن، رغم انشاء الهيئة المنظمة للاتصالات والتي تتولى مهمة تنظيم هذا القطاع واستعمال كل الامكانات المتاحة لتنميته، وانجاز الهيئة والمجلس الاعلى للخصخصة كل التحضيرات المتعلقة بطرح المزايدة العالمية لبيع رخصتي الخليوي، فان هذا الامر لا يزال خاضعا للقرار السياسي من موضوع الخصخصة في شكل عام، وهو بالتالي رهن تشكيل الحكومة العتيدة واقرارها هذا الموضوع بندا اساسيا في بيانها الوزاري باعتبار ان هذا الموضوع مصنف "سياديا" في التوجهات العامة للسياسات الاقتصادية المستقبلية.

وقد تجلى هذا الامر من خلال ردود الفعل التي صدرت عن قوى المعارضة اثر قرار لمجلس الوزراء نهاية العام الماضي يتعلق بالموافقة على دفاتر الشروط العائدة الى الترخيص، وقد تركزت هذه الردود على رفض اي اجراء من شأنه تحميل الحكومة الجديدة اي التزامات في موضوع الخصخصة، فضلا عن رفض القرار على خلفية قانونية تطرح الجدلية حول قانونية اطلاق المزايدة من دون اصدار القوانين المطلوبة. علما ان الحكومة استندت في قرارها الى رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل التي كانت خلصت في مطالعتها القانونية الى ان لا حاجة الى قانون جديد وانه يمكن الارتكاز على القانون 431 الذي نظم قطاع الاتصالات وانشأ الهيئة المنظمة للاتصالات وناط بها صلاحية منح الرخص.

وبعدما تحوّل الموضوع سجالا سياسياً بين الحكومة والمعارضة على خلفيات مرتبطة بالازمة القائمة، علق البحث الجدي في هذا الملف وتعثرت معه كل الجهود الرسمية المبذولة من اجل اطلاق الخصخصة التي تعول على هذا الموضوع لاسباب ثلاثة رئيسية:

- اولها مالي يرتبط بشكل مباشر بالحاجة الملحة للخزينة الى مصادر تمويل جديدة لضخ تدفقات مالية كبيرة متأتية من الخصخصة في حساب الدين العام لاطفاء جزء من هذا الدين وخفض كلفة خدمته.

- ثانيها وطني يرتبط بسمعة لبنان وصدقيته حيال التزام تعهداته. والخصخصة تشكل بندا رئيسيا على اجندة الاصلاح التي التزمها لبنان أمام الدول المانحة وصندوق النقد الدولي في مؤتمر باريس3 وفي برنامج "ايبكا" مع الصندوق.

- ثالث هذه الاسباب يتعلق برغبة الحكومة في تحسين خدمات هذا القطاع، التي سجلت تراجعا كبيرا واعادت لبنان الذي كان رائدا في دول المنطقة في هذا القطاع، الى مراتب متأخرة جدا مقارنة مع الدول المحيطة.

وكانت الحكومة التزمت، الى تحسين الخدمة وتطويرها وتوسيعها، خفض فاتورة الخليوي التي تعتبر الاعلى في المنطقة مقارنة مع كلفتها في الدول المحيطة بما ينعكس سلبا على زيادة عدد المشتركين من جهة، ويدخل بندا مهما في اكلاف الانتاج والخدمات للمؤسسات.

وأمام الصورة الضبابية التي ترسمها العراقيل التي تقف في وجه تشكيل الحكومة، تفيد "النهار" مصادر مطلعة بأن هذا الملف مؤجل الى ما بعد تشكيل الحكومة، من دون ان تخفي قلقها من التأخير الذي سيفوّت على لبنان فرصة الافادة من السيولة الناتجة من الفوائض النفطية في المنطقة والتي كان يمكن لبنان ان يستقطب بعضا منها لتوظيفه في قطاع الاتصالات، وخصوصا ان تفويت الفرصة اليوم من شأنه ان يبعد لبنان عن الوجهة الاستثمارية للمستثمرين ولاسيما اذا استمر الوضع السياسي والامني على حاله من الاضطراب والحذر اللذين يهددان باطاحة كل فرصة استثمارية متاحة.

اهمية الخصخصة

وفي الوقت الذي لا يزال جوهر التجاذب السياسي على الخصخصة مفهوما وتطبيقا وجدوى، يغفل البعض ممن هم في دائرة القرار السياسي في البلاد عن قصد او غير قصد على خلفية مصالح خاصة لها علاقة بالمشاركة في المحاصصة، اهمية الخصخصة في لبنان على قاعدة تحرير القطاع في اطار سياسة الانفتاح على الاسواق التي اعتبر لبنان سباقا في نظامه الاقتصادي الحر باعتمادها.

فاهمية الخصخصة لا تقتصر على المردود المالي الذي تنتجه من دون ان تؤدي الى تخلي الدولة عن ممتلكاتها او عن دورها، بل هي في المنافسة التي توجدها وتؤدي ليس الى تحسين الخدمات وتطويرها وتنويعها فحسب، وانما ايضاً الى خفض الكلفة وتخفيف عبء فاتورة الهاتف عن المكلفين. وهذا الامر لا يضمنه الا تحرير القطاع بحيث تتنافس الشركات في ما بينها على تقديم الافضل والارخص في ما يعود على المكلفين بالفائدة المرجوة.

واذا كان الرأي المعارض للخصخصة يستند الى مخاوف من ان يتم بيع ممتلكات الدولة باثمان بخسة الى مجموعة من النافذين، فان آلية المزايدة والشفافية التي يجب ان تتميز بها يجب ان يكونا عاملين محفزين لازالة هذه المخاوف عبر اشراك الجمهور باسهم الشركات المقبلة ووضع معايير تضمن حسن ادارة هذه العملية.

وتحقيق هذا الأمر لا بد ان يتطلب في الدرجة الاولى شفافية والتزاما من السلطة السياسية، وهذا شأن لا يزال موضع تشكيك في ظل انعدام عامل الثقة بين اهل السلطة (من داخلها ومن خارجها). وهذا يؤدي الى انكفاء المستثمرين على غرار ما حصل في مراحل سابقة من مسار هذا الملف .

ولا شك في ان التقديرات المتفاوتة التي تطرح بين الفينة والاخرى حول سعر الرخصة يحد من نسبة التعامل بشفافية مع هذا الموضوع الخاص والدقيق الذي يحتاج الى اسلوب في التسويق والترويج يكون بعيداً من التجاذبات السياسية او المحاصصة.

تعليقات: