عادات رمضان انتهت.. اختفاء مواد غذائية وأسعار لا تُحتمل

تبدّلت اهتماماتنا نحن الصحافيين بعد غرق لبنان في أزمته الاقتصادية، فبتنا نلاحق معضلات يوميات الناس، كاستقبالهم شهر رمضان مثلًا، في هذه الظروف السيئة منذ العام 2019. يشغل شهر الصيام بال أرباب الأسر ويفاقم همومهم، لكن في هذه السنة لم يعد يسعهم تحمل المزيد. وربما من الطبيعي أن تزداد أسعار السلع الغذائية المطلوبة في شهر رمضان. فالطلب الكبير يرفع الأسعار، رغم أن الصيام يفترض أن يقلل الاستهلاك.


كل شيئ صار أوكرانيًا!

وما عاشته عائلة سهى في رمضان الماضي مثلًا، كان مختلفًا عن السابق. إذ تقول لـ"المدن" إن المائدة الرمضانية المشهورة بتنوعها لم تعد على حالها، بل أصبحت تشبه إلى حد كبير مائدتنا في الأشهر كلها.

وتُشير سهى -وهي أم ولدين- إلى أن "تجربة العام الماضي كانت صعبة، ويبدو أنها ستكون أصعب هذا العام. فالأزمة الاقتصادية كبُرت والأسعار تضاعفت، وراتب زوجي أصبح 2 مليون ليرة، بعدما كان العام الماضي مليوناً ونصف المليون. وإذا كنا نتناول اللحم مرتين في الشهر، فلن تتناوله إطلاقاً في شهر رمضان، لأن اللحّام أبلغنا أن أسعار اللحم سترتفع قبل رمضان وخلاله، بسبب الحرب في أوكرانيا. كأن كل شي نأكله ونشربه صار يأتي من أوكرانيا".

ويقول أحمد سليم: "كنّا ننتظر شهر رمضان، واليوم نخشى حلوله". وأحمد ربّ أسرة من 3 أفراد. وهو يشير إلى أن "لا تحضيرات خاصة لشهر الصوم. فلا قدرة لدينا للتحضير، وسنكتفي بما لدينا من طعام وشراب. والعادات والتقاليد التي كانت تطبع هذا الشهر والعيد في نهايته سقطت كلها: طعام وحلويات وسهرات وزيارات عائلية واجتماعية وملابس جديدة وألعاب أطفال".


أزمة الجمعيات الخيرية

الواقع الاقتصادي الصعب في السنوات الماضية انعكس اجتماعياً على حجم العائلات المحتاجة، وعلى حجم المساعدات الإنسانية التي تُقدمها مطابخ الجمعيات في رمضان على شكل وجبات إفطار. وتضخّم الأزمة -حسب الدكتور علي عطايا، أحد القيمين على جمعية "نماء" التي تُعنى بتأمين وجبات إفطار للصائمين في شهر رمضان، وعملت خلال العام الماضي على تأمين ألف وجبة يومياً، طوال الشهر- يمنعها من الاستمرار في عملها وسواها، بسبب المبالغ الخيالية التي باتت تحتاج إليها لتقديم المساعدات.

ويقول عطايا لـ"المدن": "كانت الوجبات تحوي صحن فتوش، صحن أرز مع دجاج أو لحم. وكلفة الوجبة الواحدة العام الماضي كانت 50 إلى 60 ألف ليرة. وفي هذا العام تضاعفت أضعافاً ثلاثة. بلا احتساب كلفة الغاز، العلب البلاستيكية، التغليف، النقل التوزيع، اشتراك مولد الكهرباء، وحد أدنى من المال للمتطوعين العاملين في المطبخ للتنقل. وهكذا يحتاج تقديم الوجبات هذا العام ميزانيات ضخمة غير متوافرة لدى معظم الجمعيات التي تعتمد على التبرعات. وهذا يخلق أزمة اجتماعية إضافية، رغم أن رمضان يسبق الانتخابات النيابية هذا العام. فالأحزاب والقوى السياسية التي كانت تستغل المناسبة لتقديم المساعدات للناخبين، تستنكف عن ذلك حتى الآن.


تأمين السلع لا أسعارها

وفي شهر رمضان الماضي درس باحثو مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية "مؤشر الفتوش"، فقُدّرت كلفة صحن الفتوش لعائلة من 5 أشخاص بحوالى 18 ألفاً و500 ليرة لبنانية. وهذا جعل العائلة نفسها تحتاج إلى 555 ألف ليرة خلال الشهر لتناول الفتوش فقط. وتحتاج إلى مليون و800 ألف ليرة خلال الشهر لتناول إفطار بسيط، مكون من تمر وحساء العدس وفتوش، ووجبة أرز مع دجاج ونصف كوب من لبن البقر.

أما هذا العام، فلا ينصب الاهتمام على أسعار السلع في رمضان، بقدر ما ينصب على تأمين السلع. فما يجري في العالم ينعكس مباشرة على الدول التي تعتمد على الاستيراد. وبالتالي فإن الأمن الغذائي في خطر. فقبل أن نسأل كيف تتمكن الأسر من شراء السلع الغذائية لرمضان، يجب أن نسأل هل ستتوفر السلع الغذائية؟

لذا، هذا القلق أصبح بنداً رئيسياً على طاولة الحكومة، من خلال اللجنة الوزارية لمتابعة موضوع الأمن الغذائي، واقتراح التدابير والإجراءات الواجبة والمستعجلة في هذا الخصوص. وحسب معلومات "المدن"، يُفترض باللجنة طرح رؤيتها على طاولة الحكومة هذا الأسبوع، وعلى الحكومة أن تتخذ إجراءات قاسية قد تصل إلى حد منع تصدير الخضار والسلع الغذائية في الفترة المقبلة.

تعليقات: