هل الأمر بيد اللبنانيين أم أنهم بحاجة للأخذ بيدهم ؟

بعد مرور عامين على الأزمة .. لبنان تحت سكين اللبنانيين!

لبنان اليوم، برج بابل، الكل يتكلم ويجادل لكن لا أحد يسمع بل لا أحد على استعداد لكي يدير اذنه الى صوت العقل.

كان اللبنانيون الى فترة قصيرة مضت معجبين بانفسهم وببراعة اللبناني في شتى الميادين لكنهم اليوم يثبتون عجزهم عن التحاور فيما بينهم وانسداد افق الحوار الداخلي يعني ان الامر ليس في يد اللبنانيين وانما هم بحاجة الى الاخذ بيدهم الى مناحي الاتفاق والوفاق.

في اواسط التسعينات قال الرئيس اللبناني الياس الهراوي ان اللبنانيين لم يبلغوا بعد سن الرشد فقامت القيامة عليه ولم تقعد، مع ان الهراوي كان يوصف حالة ملموسة على دراية بها اكثر من اي لبناني آخر لأنه كان يشغل منصب رئيس للجمهورية وامامه الصورة بكليتها. والرئيس الهراوي السياسي المحنك بنى كلامه شأنه في ذلك شأن معظم السياسيين اللبنانيين، على معطيات ووقائع منذ استقلال لبنان عن فرنسا في اربعينيات القرن الماضي حتى اليوم والتي تدل على صعوبة اتفاق اللبنانيين دون مساعدة خارجية. حتى ان تأسيس لبنان الحديث قام على صيغة تسوية بعدها خارجي تقضي بان يفك المسيحيون ارتباطهم بفرنسا التي كانوا يطلقون عليها الام الحنون في حين يتخلى المسلمون عن الدعوة الى الوحدة العربية. والمسألة كما هي واضحة ان الكيان اللبناني انشئ على خلفية شراكة خارجية فيه وتكريس لعامل التأثير خارج الحدود، وهذا يعني ان قبول اللبنانيين بالعيش المشترك فيما بينهم على ارض لبنان حتم اشراك الشرق والغرب في خيارهم. من هنا نستطيع معرفة سبب استمرار الازمة اللبنانية حاليا التي تضع لبنان في مهب التطورات الخطيرة الصعبة وبالتالي نصل الى سبب عدم التقاء اللبنانيين فيما بينهم فشل الوساطات والمبادرات العربية والدولية المتكررة في هذا المضمار. واذا كان المثل العامي يقول: «مجنون يحكي وعاقل يفهم» فإن كلام الجنون اليوم في لبنان هو بروز مناخات واجواء ترفض رفضا مطلقا ان يتفق اللبنانيون على الاستمرار بصيغة لبنان الواحد الموحد، والتلويح بفشل صيغة التعايش ويغذي هذا الاتجاه الانسداد المتزايد في افق الحل السياسي. ومع انه راج في اوائل الثمانينات حين كان لبنان في خضم دورة العنف ومقطع الاوصال شعار «لبنان أصغر من ان يقسم وأكبر من ان يبلع» فإنه اليوم وفي ذروة الانقسام السياسي يعوم على بحيرة من القلق من ان يكون ما رفع سابقا ممكن تحقيقه اليوم لان وحدة لبنان قادرة على انهاء دوره كساحة تصفية حسابات. والمشكلة ان ابناءه يراقبون انزلاق بلدهم الى الهاوية وهم منشغلون في جدل عقيم على وقع تباعد متزايد بين بعضهم البعض مع انهم جميعا في مركب واحد اذا غرق يغرق الجميع معه. واندفع لبنان الى اتون هذا التأزم السياسي في العام 2005 الذي يمكن وصفه بالعام المفصلي في تاريخ لبنان حيث انتقل فيه هذا البلد من مرحلة الاستقرار الى مرحلة الاضطراب والتطورات الصعبة. فقد اسس العام المذكور للانقسام اللبناني حول المفاهيم الوطنية على وقع تبدل الظروف السياسية المحلية والاقليمية والدولية. واصبح الخلاف حولها على السطح وليس في الغرف المظلمة بحيث ان لبنان لبنانان لبنان مع القرار الأممي 1559 صاحب الفضل الاساسي في اشعال شرارة الحريق اللبناني لأنه يعيد ترتيب لبنان وفق المقتضيات الاقليمية والدولية الجديدة. ولبنان اخر يرى نفسه في خندق صد الهجوم الامريكي عليه. واذا كان لبنان في العام 2005 انهى فترة الحرب الباردة بين ابنائه التي استمرت 15 عاما الاانه اغتال الرئيس رفيق الحريري والى تصادم اللبنانيين حول الثوابت التي لم تعد تحظى باجماع واحد حيث اختلف تحديد فئة العدو بين فئة وفئة اخرى كما ان الاصدقاء هم موضع خلاف. وعلى سبيل الطرافة المرة طبعا لايوجد بلد في العالم يحتفل بثلاثة اعياد وطنية. فالمعارضة تحتفل بـ 25 مايو ذكرى تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي وهذا عيدها الوطني والاكثرية او ما تعرف بـ 14 «مارس» عيدها يوم انسحاب الجيش السوري من لبنان في ابريل بينما لبنان التقليدي يعتبر 22 «نوفمبر» يوم استقلاله عن فرنسا يوما وطنيا. هذا المشهد الانقسامي يطبع لبنان اليوم بعد عامين ونيف على تفجر ازمته السياسية بشكل واسع، ولكنه يعود الى بدايات تأسيسه في العشرينات من القرن الماضي حيث كان على اللبنانيين لكي يلتقوا فيما بينهم في وطن واحد ان يتنازلوا للبنان وطن نهائي لهم فلا يتجهون صوب الشرق او الغرب. فلقد استطاع لبنان الحديث ان ينطلق في عام 1943 بتسوية طائفية وعمرت هذه التسوية على علاتها والماخذ عليها من طوائف عديدة ستة واربعين عاما الى ان اقر اتفاق الطائف تسوية جديدة ساوت الى حد ما بين الطوائف في التركيبة السياسية اللبنانية. وانطلق لبنان بعدها في توافق سياسي مدعوما اقليميا ومحميا بتوافق امريكي سوري وفر عناصر عدم سقوط التسوية الجديدة. لكن انفراط عقد الاتفاق الامريكي السوري في اوائل عام الفين نتيجة التطورات الاقليمية واختلاف الرؤية الامريكية للدور الاقليمي السوري انعكس توترا بين الطرفين في لبنان وحاولت سوريا تشديد قبضتها السياسية على لبنان في ظل تواجدها العسكري الكثيف على اراضيه فمددت للرئيس اللبناني اميل لحود نصف ولاية جديدة في حين كان الامريكيون يعدون العدة لهجوم سياسي على السوريين وحلفائهم في لبنان من خلال القرار 1559 الذي طالب باحترام المؤسسات الدستورية في لبنان ونزع سلاح المليشيات اي حزب الله وانسحاب القوات السورية من لبنان. وقد شكل القرار المذكور ذروة المواجهة بين السوريين والامريكيين على الأرض اللبنانية وفتح باب الصراع على مصراعيه حيث رأى فيه حلفاء سوريا في لبنان عدوانا على هذا البلد ففي حين اعلنت سوريا انها نفذت الشق المتعلق بها في القرار من خلال سحب قواتها من لبنان في السادس والعشرين من ابريل 2995 لكنها لم تنسحب من دورها التاريخي التقليدي في لبنان واستمرت بدعم حلفائها. هذه المواجهة السورية الامريكية المعبرة عن نفسها بانقسام لبناني لبناني شهدت حملة اغتيالات لعدد من المعارضين لسوريا مما عمق الخلاف ودفع المشكلة الى مناح اخرى مع ظهور مطالبة بمحكمة دولية لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري والنظر في جرائم الاغتيالات الاخرى. وبدأت فعلا المواجهة اللبنانية اللبنانية تكشف عن سببها الاساسي انها المحكمة ذات الطابع الدولي. لقد وافق الفرقاء اللبنانيون من حيث المبدأ عليها في جلسات الحوار الوطني لكن ذلك لم يكن سوى فلاش اعلامي فالاكمة وراءها والكثير الكثير من الاسرار والخبايا. فالمحكمة لا يمكن ان تمر في تصور المعارضة الا بالتزامن مع حكومة وحدة وطنية تضمن المشاركة السياسية الحقيقة لطوائف تعتبر نفسها مهمشة في التركيبة السياسية اللبنانية ولاسيما الطائفة الشيعية. والمحكمة في تصور الموالاة هي لكشف قتلة الرئيس الحريري ومحاكمة مرحلة سياسية كاملة حين كانت سوريا تمسك بزمام الامور على كافة المستويات في لبنان. وبين هذا التصور وذاك هناك سؤال يطرح نفسه على لسان الاكثرية والمعارضة يقول اي لبنان نريد فالقوم مختلفون على وجهة ودور لبنان ومستقبله وعلى النظام السياسي فيه. فالمعارضة التي يمثل حزب الله الشيعي القوة الاساسية فيها لم تعد ترضى بصيغة الـ 1943 التي قامت على ثنائية سنية مارونية وانما تنادي بصفة جديدة للطائفة الشيعية مشاركة كاملة فيها لانها لم تعد طائفة كبيرة العدد قليلة الحيوية وانما اصبحت طائقة تمتلك ثنائية العدد والدور الذي بات في نظرها اكبر من لبنان في ظل مواجهتها المستمرة مع اسرائيل او كما يقول امين عام حزب الله حسن نصرالله ان حزبه اصبح قوة اقليمية عظمى ومن الطبيعي حزب بهذه القوة والنفوذ لا يمكن له وفق تصور الحزب ان يقبل ان تتمثل طائفته في التركيبة السياسية على غير حجمها الطبيعي. لكن لا بد من القول ان الحزب عندما يطرح هذا الطرح وبهذه الحدة فإنه يكون غير قارئ جيد لتركيبة لبنان السياسية التي اثبتت عقم تسلم طائفة من الطوائف زمام القيادة في لبنان. فصيغة 1943 هي صيغة ثنائية سنية مارونية لكنها انفجرت عام 1958 بصراع مسلح وانتهت بتسوية رعاها عبد الناصر الرئيس المصري الاسبق والامريكيون. وتجدد الانفجار في العام 1975 ومع انه اخذ اشكالا عدة اقليمية وسياسية الا انه كان يعبر عن فشل صيغة منح طائفة امتيازات على حساب طوائف اخرى. وهذا يجب ان يكون عبرة للبنانيين بأن المساواة بين الطوائف هو النظام الامثل والاكثر استمرارا لانه لا يمكن لفريق ان يقبل بهيمنة فريق آخر عليه او اختلال ميزان القوى الداخلي لحسابه وهنا مشكلة اخرى فالرافضون لاستمرار سلاح حزب الله يضعونه في سلة الصراع الداخلي مع ان الحزب يقول ان وجهته نحو الجنوب دائما وابدا طالما الاحتلال موجود الا ان المعارضين للحزب يرون ان لبنان أدى قسطه في مواجهة اسرائيل وحرر ارضه وان مزارع شبعا هي مسؤولية اممية وعلى الحزب عدم الاستمرار بجعل لبنان منصة اطلاق صواريخ اقليمية على اسرائيل وابقاء هذا البلد ساحة. وحزب الله من وجهة نظر الاكثرية الموالية يتفرد بقرار الحرب والسلم وهو يأخذ لبنان الى حيث يريد وهذا ما حدث في يوليو الماضي حين ادخل لبنان في حرب مدمرة مع اسرائيل. على هذه الدائرة حول دور لبنان ومستقبل نظامه السياسي يحتدم التباين الداخلي في لبنان الذي هو الان بلد مشلول معطل المؤسسات التشريعية والاجرائية ويستعد للاسوأ فهو على مشارف انتهاء ولاية الرئيس اللبناني الحالي اميل لحود المطعون بشرعيته من قبل فريق الاكثرية وهناك مخاوف ان لاتجرى انتخابات رئاسية في ظل التنازع بين الموالاة والمعارضة والتشكيك بشرعية انعقاد مجلس النواب لانتخاب رئيس بحيث ان الموالاة تقول ان الانتخاب يتم بالاكثرية التي تملكها هي بينما المعارضة تعتبر شرعية جلسة الانتخاب بثلثي النواب في المجلس وهو ما لا تملكه الاكثرية. وعدم اتمام الاستحقاق الرئاسي يعني دخول لبنان في فراغ دستوري وانقسام مؤسساتي مع قيام حكومتين وانتخاب رئيسين للجمهورية كما ان المحكمة الدولية اذا اقرت تحت الفصل السابع يعني انفراط عقد السلم الاهلي اللبناني طالما ان فريقا من اللبنانيين ينظر الى ذلك على انه محاولة انتقام تاريخي منه. والخطر من ذلك ان لبنان الواحد الموحد يصبح حلما بعيد المنال. ومع ذلك اللبنانيون وبعد سنتين على تفجر الازمة السياسية يتحدثون عن لبنانهم الجميل يغنون الوحدة الوطنية وهم يحملون السكين ويقطعون اوصالها ويذبحون وطنهم .

* محلل وكاتب لبناني (من الخيام)

تعليقات: