منتزهات نهر الليطاني تنعش السياحة جنوباً


يخال الموغل في المنتزهات المختبئة في ظلال أشجار الحور والصفصاف على ضفتي نهر الليطاني، وكأنّ قطعة من الجنة موجودة على أرض الجنوب، حيثُ تتناثَر مئات المنتزهات على ضفاف نهر الليطاني «مزنّرة » بالأزهار وبساتين الموز والحمضيات، ويتوسّط هذا المشهَد مياه النهر التي تنساب بغزارة، لتشكّل سياجاً أراداته إسرائيل حدوداً لدولتها، غيرَ أنّ التوقعات لم تأتِ على قدر التمنيات .

في زيارة إلى نهر طيرفلساي الذي يتحوّل صيفاً كما غيره من الأنهر مقصداً وملاذاً لِمَن يرغَب أن يمضي أوقاته في كنف الطبيعة، تبدو الطريق إلى طيرفلساي " مزروعة " بمحلاّت بيع الألعاب الترفيهيّة والمستلزمات المائيّة وهيَ متجاورة ومتشابهة في أسلوب العرض، حتّى أنّ الكثيرين من أصحاب هذه المحلاّت تجاوزوا تجارتهم الأساسيّة، لتكون جنباً إلى جنب تجارة ألعاب السباحة، كما في أحد محلاّت بيع المواد الغذائية، الذي يعرض دواليب للسباحة وألعاب بلاستكيّة للأطفال .

تحتار فيما تختار :

منساباً من البقاع مروراً بزحلة والقرعون والخردلي يصل نهر الليطاني إلى منطقة القاسمية شمال مدينة صور، هناك يصبّ مياهه عندَ شاطئ البحر، وقبلَ أن تتآلف مياهه الحلوة مع مياه البحر المالحة، لا بدّ أن يمرّ أولاً أمامَ المنتزهات الصغيرة منها والكبيرة، ويتعرّف روّاد هذه المنتزهات إلى النهر نسبةً الى المنطقة التي يمر بها، وتتعدد الأسماء جنوباً بينَ نهر القاسمية ونهر شحور ونهر طيرفلسيه ونهر قاقعيّة الجسر . . وصولاً إلى منبَع الليطاني بقاعاً.

على جسر الزراريّة أو جسر السادس من شباط كما يُعرَف، والذي كانَ أوّل مَا إستهدفته إسرائيل يوم 12 تموز 2006، وتمّ إعادة بنائه على نفقة أحد الخيّرين، يقع حاجز دائم للجيش اللبناني، بعدَ عبور الجسر والحاجز تتسع الخيارات وتزداد الحيرة، عندما تصبح أمامَ خيارين: الإتجاه يميناً أو يساراً، ففي كلا الجهتين مئات المنتزهات المتشابهة التي يسعى أصحابها لإستمالة الزبائن وتأمين وسائل الراحة لإستضافتهم، وهذا ما يبدو جليّاً في الإعلانات واليافطات الترحيبيّة المتناثرة هنا وهناك.

زحمة السير التي نتسبب بها، تجعَل أحد السائقين يخرج عن طوره ويضغط طويلاً على بوق سيارته، فتحملنا هذه الخطوة إلى الإتجاه يميناً، وقبلَ الوصول إلى المنتزهات لا بدّ من المرور بجانب "منطقة حرّة" - أيّ أنّها غير مستثمرة من قِبَل أحد – هنا تبدأ ملامح الحياة بالظهور شيئاً فشيئاً، ونرى سيترن مياه بالقرب من حوض النهر، نقترب من صاحبه قليلاً وقد بدأ يهمّ بالوضوء من مياه النهر إستعداداً للصلاة، وهوَ يقول: " لقَد زرعت البلديّة ( بلديّة طيرفلساي ) عدداً كبيراً من الأشجار على جانبيّ الطريق، وتقَع عليّ مهمّة توفير المياه لها، لذا أقوم بملء هذا الخزّان".

جمالُ طبيعي

غير بعيد منه، توقد أم هشام زرقط ( من بلدة الزراريّة ) النار تحتَ مقلى البطاطا وتساعدها قريبتها في إعداد الطعام فيما يلهو أطفالها، تقول أنها تفضّل عدم الإرتباط بالمنتزهات، " لأنّ المنتزه يقيّد الحركة بينما هامش الحريّة هنا أوسَع، ولا فرقَ بين داخل المنتزهات وخارجها، طالما أنّهما يشتركان بنفس المواصفات، لناحية جمال الطبيعة والإخضرار والمياه المتدفّقة، لهذا السبب نقصد هذا المكان أسبوعيّاً، فساعة من الزمن كفيلة بأن تُعيد الصفاء إلى الذهن وتريح الأعصاب المشدودة طوال الأسبوع".

في مكانٍ آخر، ترتفع الزغاريد وتصدَح المواويل وتعلو الضحكات، وتجتمع عائلة كبيرة في جلسة هانئة، يقول حمزة حسن ( من بلدة عدلون ) " الناطق الإعلامي "بإسم العائلة كما أحبّوا أن يلقبوه"، أنّ هذه المنطقة هيَ الأجمَل في لبنان سياحيّاً، وبالرغم من أنّ أغلَب أوقاتي خارج لبنان، إلاّ أنني لا أجد أجمَل من لبنان وتحديداً هذه المنطقة، وحيثما تتجه إلى دول العالم متل لبنان ما فيه"، وتأييداً لرأي الناطق بإسم العائلة يعلو التصفيق من جديد .

اللقمة الطيّبة

في موازاة ذلك، أنهَى أصحاب المنتزهات تحضيراتهم لإستقبال هذا الموسم السياحيّ، وفي هذا الإطار يؤكّد صاحب منتزه المنى علي قصيباني: " أنّ الإستعداد لهذا الموسم أتى مضاعفاً نتيجةً لتحسّن الأوضاع السياسيّة في البلاد، وقد قمنا بإعادة تأهيل المنتزه وتجميله بأعمال الديكور، إضافةً إلى زيادة عدد الطاولات والكراسي، من منطلَق أنّ هذا الموسم سيكون مزدهراً، وقد بدأ يأتينا سيّاح محليين من بيروت وجبل لبنان، مما يعني بحقّ أنّ هذا الصيف سيكون صيفاً ساخناً".

تتسم طبيعة عمل المنتزهات على نهر الليطاني بالتشابه إلى حدّ التطابق، الأمر الذي يشعل المنافسة بينَ الجميع، وتُعدّ اللقمة الطيبة والخدمة السريعة والأسعارالمتدنية إحدى أبرز ميادين التنافس، ويكشف قصيباني أنه يعتمد وسائل من شأنها إبعاد المنافسة مع أصحاب الكار الواحد، " فنحنُ نقوم بتقديم مأكولات للزبائن من النادر أن تجدها في منتزه آخر، كالفرّوج التركي مثلاً والكبّة النيّة المصنوعة على أصولها وبعض الوجبات الشرقيّة والغربيّة".

منتزهات

وهناكَ مَنْ ينافس في ميادين أخرى، كما في منتزه الجزيرة الخضراء الذي تحوّل إلى مقصد لإلقاء الشعر والإستمتاع به والإلتقاء بعمالقة الشعر، وفي هذا الشأن يروي صاحب المنتزه حسين عيّاد كيف بدأت فكرة إنشاء منتدى شعري في قلب المنتزه مطلع العام 1995 ، وسرعان ما تطوّرت الأمور إلى أن أصبحَ هذا المكان قبلة عشّاق الشعر والشعراء، مساء يوم الأربعاء من كلّ أسبوع، الأمر الذي أعطى منتزه الجزيرة الخضراء سمة قلّ نظيرها بينَ منتزهات نهر الليطاني".

ويلفت قائلاً: "لقد قامَت الحركة الثقافيّة في لبنان بتكريمي تقديراً لدوري في تجديد الثقافة الجنوبيّة، خصوصاً أنّه نشأ نتيجة هذه الأمسية عدّة أمسيات، أذكر منها (أمسية العليّة) في مجدل سلم يقوم بها السيّد أحمد شوقي الأمين، بينما ينعقد في معركة (منتدى الهجرة والهجير) يقوم بها أحمَد سعد، وقد كانَ هدفي منذُ البداية أن يكون نهر الليطاني رافداً من روافد الفكر والأدب، في سبيل المحافظة على ما تبقّى من التراث الشعري في جبَل عامل".

الاسم لإصطياد الزبائن

بعضهم يعتمد على الإسم كوسيلة لجذب الزبائن، كما هو حال منتزه " عناقيد الفرَح "، الذي كانَ يحمل إسم منتزه " الفرَح " قبل حرب عناقيد الغضَب عام 1996، وما لبِثَ أن تحوّل إلى ما هو عليه اليوم، لأنّ عبارة بسيطة كهذه تحمل في طيّاتها التحدّي القائم بينَ لبنان والعدوّ الإسرائيلي، بحسب ما يرى صاحب المنتزه علي بكري، ويضيف: " لقد قمت بإستبدال الإسم عقِبَ حرب نيسان 1996 تأكيداً على حبّنا للحياة فالغضب لهم (الإسرائيليين) والفرَح لنا".

ويجد أنّ ما يميّز منتزهات الليطاني، "أنّها تتسع للجميع أغنياء وفقراء، وهنا تتساوى الطبقات، وهيَ من الأماكن القليلة في لبنان التي لم تعبَث بها يد الإنسان بعد، فالطبيعة ما زالَت على سجيّتها وهذا من أهمّ النقاط الإيجابيّة التي تسجّل لهكذا أمكنة، ويكفي التوقّف عندَ قول أحد قادة إسرائيل موشي ديّان، حين صرّح قائلاً: "يؤسفني أنّ مياه الليطاني تذهَب سدىً إلى البحر وشعب إسرائيل عطاشى "لإدراك أهميّة هذه المنطقة بِما تعنيه من مورد مائي مهمّ وموقع طبيعي أهمّ".





تعليقات: